علاء المفرجي
بصوت جامح يمشي على الخط الرفيع بين العقل والجنون، هذه رواية تُروى بضمير المتكلم تأخذنا إلى العقل الباطن لامرأة تبدو محاصرة (ومهجورة) في دور الأم والزوجة، وهو الدور الذي يدفعها باستمرار إلى الحافة، حيث تتخيل كل خيارات الخروج الممكنة، بل وتأخذ بعضًا منها. حيث لا يعرف القارئ كيف يميز ما إذا كان ما يحدث يحدث أم أن الراوي يتخيله فقط. قصة تدفعنا نحو مفهوم مأساوي إلى حد ما لما كان يُنظر إليه تقليديًا على أنه مهمة مليئة بالرومانسية. إنه يوضح لنا كيف يمكن أن تكون حياة الأم كئيبة ووحيدة، مكرسة بالكامل لما لديها كأم وزوجة جيدة. إلى مقاومة فقدان الهوية في مواجهة إعطاء كل شيء للطفل.
تروي (لتمت يا حبيبي) لآريانا هارويكز الصادرة عن المدى بترجمة إشراق عبد العال، راوية لم يتم ذكر اسمها. تعيش مع زوجها وأطفالهما في منطقة ريفية في فرنسا. هذا كتاب يطفو في عالم بلا إطار حقًا حيث لا توجد أسماء تُعطى لأي شخص فقط زوجها وابني وهي. ما نراه هو امرأة تكافح في عالمها. العالم هو عالم أولئك الذين يحلمون بعالم بعيدًا عن المدينة. لقد اتبعت هذه المرأة أحلام زوجها لتعيش هذا الحلم الريفي. العودة إلى الطبيعة التي بالنسبة لها أشبه بدائرة متناقصة باستمرار عالم يتقلص يوميًا بالنسبة لها. في مرحلة ما، ذكرت أنها قرأت السيدة دالواي وهناك شعور مشترك بالوقوع في فخ عالم نراه على مدار يوم واحد في عمل وولف هنا، التجربة برمتها أكثر طولًا وأكثر رعبًا بالنسبة لها الكراهية لعالمها الرعب الشديد من كونها بمفردها في هذه الرعوية الريفية التي أصبحت بالنسبة لها أشبه برحلة إلى قلب كونراد المظلم حيث قد يكون العنف هو السبيل الأخير للخروج.
فمن يحتاج إلى قصة ملحمية أو حبكة خطية عندما تكون هناك روايات أريانا هارويكز لتأسر خيالنا وتدفعه إلى الجنون؟ إن الجودة الصوتية لنثره، والنبض القوي لصوته السردي، وكثافة صوره، تجعل رواياته - الجريئة جدًا، والقاسية جدًا، والملعونة وغير التقليدية - من الصعب التخلي عنها وحتى نسيانها.
وتقدم أريانا هاركويز في هذه الرواية نمطاً من النساء يثير التعاطف في نفس القارئ بسبب اضطراباتها التي تحيلها إلى كائن ضعيف، لكنه سرعان ما يتخلى عن شعوره هذا عندما يستفزه بل يثير نفوره واشمئزازه شعور مناقض يمارسه عليه سلوك وحشي غريب يرافق البطلة على امتداد الرواية. بل يسبقه شعور مفاجئ آخر يقوده إليه عنوان الرواية «لتَمُتْ يا حبيبي» وما تلاه من بداية حيث تداعب البطلة السكين بيدها وتراودها فكرة قتل زوجها وابنها. أمرأة لا تكف عن السعي إلى موتها وهي ترى في نفسها صورة المرأة الشهوانية التي تطاردها رغباتها ورغبات من يطاردها من الرجال الذين تذعن لهم باستسلام.
نجحت هارويكز في إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه وخلق شعور بعدم الارتياح لديه وهي تعكس حالة الازدواجية التي تعانيها شخصية تلك المرأة وتلك الانتقالات المفاجئة لها وسط الرغبة التي تتنازعها تجاه زوجها والشعور بالنفور منه بل الرغبة في إزاحته من الوجود وهي تعمد إلى فرض سطوة لغة فجة ومباشرة. لغة تزداد صعوبة وتعقيداً وقرفاً كلما اقتربت من أسلوبية تفتقر إلى الحياء وتتعمق في رؤى حميمية وحسية جريئة عبر صيغة اقترحتها الكاتبة وأكدتها وهي تقول: ((نعم، عندما أكتب أحاول تحطيم اللغة وتفكيكها، بين مزدوجين أحاول أن لا تجمعني بها علاقة حسنة، إذ إنني بفعل تحطيم اللغة وضربها أبحث عن دوزنتها وكأنها آلة موسيقية، آلة كمان أو بيانو مثلاً)).
و(أريانا هارويكز) كاتبة أرجنتينية وكاتبة سيناريو وكاتبة مسرحيات وصانعة أفلام وثائقية. حصلت على درجة في الفنون المسرحية من جامعة باريس السابعة ودرجة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة السوربون. تُرجمت روايتها الأولى، إلى الإنجليزية باسم مت يا حبي (2017، وأدرجت في القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر الدولية لعام 2018. تُرجمت أعمالها إلى أكثر من عشر لغات.
رواية "لتمت يا حبيبي".. إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه
نشر في: 13 يناير, 2025: 12:01 ص