محمد العبيدي/ المدى
أثار تصويت مجلس النواب العراقي على تعديل قانون جوازات السفر رقم (32) لعام 2015، الذي يهدف إلى منح جوازات سفر دبلوماسية لفئات عدة بأثر رجعي ومستقبلي، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، إذ ُنظر إلى هذا التعديل على أنه خرق دستوري ومخالفة لمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.
ويمنح التعديل الجديد جوازات سفر دبلوماسية لعدد من الشخصيات البارزة في الدولة، بما في ذلك رؤساء الجمهورية والوزراء والنواب، حيث يُبرر هذا التعديل بأنه يهدف إلى تسهيل الإجراءات وتحديثها بما يخدم مصلحة الدولة والمجتمع، خاصة في ظل اتهامات سابقة بمنح جوازات دبلوماسية بغير وجه حق.
وطال المقترح المعروض داخل البرلمان، اعتراضات وتحذيرات نيابية، معتبرين منح الجواز الدبلوماسي، مرتبطاً بالوظائف الدبلوماسية، والوظائف العامة ذات الطبيعة السيادية، وينتهي بانتهاء أشغال تلك الوظيفة، وليس إرثاً مدى الحياة للمسؤولين وعائلاتهم والمتقاعدين من أصحاب المناصب، ممن شغلوها بعد عام 2003. وواجه التعديل انتقادات حادة من قبل نواب وخبراء قانونيين، إذ حذر عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد جاسم الخفاجي، من أن منح الجواز الدبلوماسي يجب أن يكون مرتبطًا بالوظائف الدبلوماسية والسيادية، وينتهي بانتهاء تلك الوظائف، وأن التعديل المقترح يمنح هذه الامتيازات مدى الحياة وبأثر رجعي، مما يتنافى مع مبادئ العدالة الاجتماعية.
وأوضح عضو اللجنة القانونية النائب محمد عنوز أن "التعديلات شملت أي مسؤول سابق لديه جواز سفر دبلوماسي، عند خروجه من مهام وظيفته يتم التجديد له بشكل طبيعي له فقط"، نافيًا في تصريح صحفي، أن "عوائل المسؤولين غير مشمولين بالجوازات الدبلوماسية".
خرق دستوري واضح
بدوره، قال الباحث في الشأن القانوني علي التميمي إن "تصويت البرلمان العراقي على تعديل جزئية في قانون جوازات السفر رقم 32 لعام 2015، المتعلقة بمنح جواز السفر الدبلوماسي لرؤساء الرئاسات الثلاث وأسرهم وأبنائهم، بُأثر رجعي ومستقبلي، يشكل خرقًا دستوريًا واضحًا." وأضاف التميمي لـ(المدى) أن "هذا التعديل يخالف المادة (14) من الدستور التي تنص على المساواة بين جميع العراقيين دون تمييز، فضلًا عن مخالفته لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والتي حددت شروط منح جواز السفر الدبلوماسي للأشخاص الذين قدموا إسهامات بارزة للبشرية مثل براءات الاختراع أو المؤلفات."
وأشار إلى أن "منح جوازات السفر الدبلوماسية لأسر المسؤولين وأبنائهم يجعل هذا الامتياز وكأنه إرث يُورث، وهو أمر غير مقبول قانونيًا، حيث يجب أن ينتهي العمل بالجواز الدبلوماسي بانتهاء المهام الرسمية للشخص نفسه، ولا يمكن أن يُنقل بصفة مستقبلية لعائلته". وأثار التعديل غضبًا شعبيًا واسعًا، حيث اعتُبر محاولة لتكريس الامتيازات للمسؤولين وعائلاتهم على حساب المواطنين العاديين، حيث عبر نشطاء وحقوقيون عن امتعاضهم من فقرات القانون مشيرين إلى أن التعديل يأتي في سياق الفساد والمحسوبية في البلاد. وأظهرت تقارير أن دولًا ذات تعداد سكاني كبير، مثل اليابان والهند، تمنح عددًا محدودًا من الجوازات الدبلوماسية، حيث لا يتجاوز العدد في اليابان 15 ألف جواز، في المقابل، تشير بيانات لجنة النزاهة إلى أنه في عام 2023، أصدر العراق 32 ألف جواز دبلوماسي، بينها 10 آلاف لأشخاص ليسوا من السلك الدبلوماسي ولا موظفين بوزارة الخارجية.
الفئات المشمولة
وأثارت هذه الخطوة تساؤلات حول مدى قانونية ودستورية هذا التعديل، خاصة أنه يأتي بعد استبعاد أعضاء مجلس النواب من الاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي عند التقاعد وفقاً لنظام عام 2018. بدوره، انتقد النائب المستقل أمير المعموري، تعديل قانون الجوازات الذي يمنح امتيازات إضافية للمسؤولين وعوائلهم "جواز دبلوماسي مدى الحياة". وقبل تمرير القانون، قال المعموري، في بيان تلقته (المدى) إن "هذا الجواز سيُمنح حتى لمن تقاعد من المسؤولين، وسنعمل مع باقي النواب على سحب القانون، أو تعديل المادة بما يخدم المصلحة العامة دون تمييز وتحديد فترة زمنية بخصوص منح الجواز اثناء الخدمة وحسب الحاجة". ووفقاً للقانون الجديد، فإنه يشمل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الاتحادية العليا وأعضاؤها، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس الإقليم ورئيس مجلس وزراء الإقليم، ونواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس النواب الاتحادي، ونواب رئيس مجلس وزراء الإقليم. كما يشمل التعديل أعضاء مجلس النواب ووزراء الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية ورئيس ديوان مجلس الوزراء والمستشارين في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء وممثلي السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية.
الجواز الدبلوماسي العراقي.. من رمز سيادي إلى بطاقة عائلية!
نشر في: 15 يناير, 2025: 12:02 ص