بغداد/ تميم الحسن
أخذت زيارة محمد السوداني، رئيس الحكومة، إلى بريطانيا نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية في العراق، خصوصًا وأنها تزامنت مع الحديث عن «أزمة الفصائل» والتغيرات المتوقعة في المنطقة بعد ما جرى في سوريا.
وقد يكون السوداني قد ناقش في لندن، خلف الأبواب المغلقة، احتمالية تعرض البلاد لضربات من الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب اتهامات تلاحق بغداد بالارتباط مع إيران، وفق ما يرجح محللون.
واهتمت مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية بطريقة جلوس السوداني التي ظهر فيها غير مرتاح، كما بدا في الصور، مع نظيره البريطاني كير ستارمر.
وأشاد عراقيون بوضع رئيس الحكومة العراقي قدمه على الأخرى مقابل ستارمر، الذي فعل الشيء ذاته.
وعاد البعض للتذكير بدور بريطانيا في احتلال العراق مرتين؛ في بدايات القرن الماضي، وفي عام 2003 بالإطاحة بنظام البعث المحظور.
واعتبر مؤيدون للسوداني أن ذلك «تحدي لأبو ناجي» (وهي التسمية الشعبية لبريطانيا في العراق)، في طريقة جلوسه، رغم أن مراقبين اعتبروه أمرًا غير مهم، وليس سلوكًا بروتوكوليًا، وبأنه لا يفرض على رئيس الحكومة الجلوس بطريقة معينة في مثل تلك الزيارات.
حزمة تفاهمات
وخارج قضية جلوس السوداني، كان الأخير قد كشف عن ما وصفته الحكومة بأنه «تعاون تاريخي» مع المملكة المتحدة واسع النطاق بشأن التجارة والتعاون الاقتصادي والستراتيجي، والاتفاق على حزمة تجارية بقيمة 12.3 مليار جنيه إسترليني.
وأكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أن زيارة رئيس الوزراء إلى بريطانيا ستعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه، مشيرًا إلى أن العراق يعمل على جعل المملكة المتحدة حليفًا ستراتيجيًا داعمًا.
وذكر أن «الزيارة تتضمن ما يقارب 13 لقاء اقتصاديًا و8 لقاءات سياسية و5 لقاءات إعلامية مع البي بي سي والفايننشال تايمز ووسائل إعلام أخرى».
بالمقابل، أثارت هذه الزيارة أسئلة بخصوص التركيز على ملفات اقتصادية في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من عقوبات أمريكية، وتوقيت الزيارة الذي جاء بعد أيام فقط من عودة السوداني من طهران.
دافع عن الفصائل وإيران
ونفى السوداني خلال مقابلة مع (بي بي سي) البريطانية، وجود نفوذ إيراني في العراق، ومضيفاً أن «سياستنا ألا نتدخل في شؤون الدول الأخرى، وبالتأكيد عدم التدخل في الشؤون الداخلية في العراق».
وأكد السوداني خلال المقابلة أن مسألة تسليح، ووجود فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران هو شأن عراقي يُحدد وفق القوانين.
وأشار إلى أن هذه الفصائل «سواء تتفق معها أو تختلف»، لديها غاية في رفض الوجود الأجنبي في العراق، لافتاً إلى أن حكومته تعمل على إنهاء مهمة التحالف الدولي في البلاد، خلال السنتين الماضيتين.
وكانت زيارة طهران قد بدت وكأنها توجيهات إلى بغداد برفض «حل الحشد»، وهو أمر كان متداولًا بشكل واسع في العراق قبل لقاء رئيس الحكومة بالمرشد الإيراني علي خامنئي، الذي دعا إلى «تعزيز الحشد» و»طرد أمريكا» من العراق.
ورفض الإطار التنسيقي، بعد ذلك بأيام قليلة، «دمج الحشد»، ونفى مناقشة هذا الأمر من الأساس داخل التحالف الشيعي، خلافًا لما كان يسربه مقربون من «الإطار».
زيارة في الوقت الضائع
يقول إحسان الشمري، أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، إن «الزيارة إلى بريطانيا قد تكون زيارة في الوقت الضائع، وهي معدة لها قبل نحو شهرين».
وفي 26 تشرين الأول 2024، كانت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر، التي زارت بغداد والتقت بالسوداني، قد دعت الأخير إلى زيارة المملكة.
ويتضح من تاريخ ترتيب الزيارة أنها ربما لم تكن مخصصة لغرض البحث في التطورات الأخيرة، التي تصاعدت بعد الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، والذي حدث بعد ذلك بأسابيع.
ويرجح الشمري، في مقابلة مع (المدى)، أن الزيارة قد تأخرت نتيجة الوضع وتداعيات ما حدث في لبنان واحتمالية الضربة الإسرائيلية على العراق وسقوط الأسد، وهو ما دفع إلى إعادة ترتيب هذه الزيارة، وهي «ليست مفاجأة أو نتيجة الأحداث التي جرت في المنطقة».
وأضاف أن «الزيارة مرتبطة بسياق الدولة، أولًا في محاولة إيجاد معادل خارجي من قبل السوداني، وفي الوقت الذي توجه فيه إلى المحور التركي القطري، يحاول إيجاد شريك لدولة كبرى مثل بريطانيا، ولذلك أُعدت الزيارة بشكل كبير من قبل الدولة والمؤسسات وبعض الوزارات، حيث تمت مناقشة ملفات في قضية الطاقة والتجارة والشركات الاستثمارية، وإعادة شركة بريتش بتروليوم بعد أن انسحبت وشكل انسحابها ضربة قوية حينها للعراق».
وجرت في لندن، مساء الثلاثاء الماضي، مراسيم توقيع مذكرة تفاهم لتقييم إمكانية إعادة التطوير الكامل لحقول كركوك الأربعة مع شركة بريتش بتروليوم، بحسب مكتب رئيس الحكومة.
وتستهدف المذكرة العمل على إحالة مشروع إعادة تأهيل وتطوير حقول شركة نفط الشمال الأربعة في كركوك إلى شركة BP (بريتش بتروليوم)، من أجل زيادة الإنتاج والوصول إلى أفضل المعدلات الإنتاجية المستهدفة من النفط والغاز.
على المستوى الأمني والعسكري، يرى الشمري، وهو يرأس المركز العراقي للتفكير السياسي، أن بغداد تريد إيجاد اتفاقية بعد أن بدأ التفكير بإنهاء مهمة التحالف الدولي، وبريطانيا من الدول التي سيتم توقيع معاهدة ثانية معها على غرار الولايات المتحدة.
أما عن توقيت الزيارة وتعلقها بالأحداث المتسارعة في المنطقة، يقول الشمري: “بما لا يقبل الشك أن السوداني يبحث عن دول تؤثر في القرار الدولي. وبريطانيا بحكم تحالفها مع الولايات المتحدة يمكن أن تمثل مساحة الضغط والتأثير على إدارة ترامب القادمة، لتخفيض الضغوط”.
ويتابع الشمري: “قد يكون السوداني راغبًا بالتحول نحو علاقات مع بريطانيا، خصوصًا وأن طاقم ترامب قد لا يكون متصالحًا مع حكومة الإطار التنسيقي. طاقم الرئيس الأمريكي المنتخب ينظر لها على أنها حكومة الفصائل المسلحة”.
وحتى يوم أمس، يؤكد الشمري أن “الزيارة تبادل وجهات النظر وتوقيع مذكرات تفاهم، وهي ليست زيارة ستحدث نقلة كبيرة للعراق، هذا تقييم استباقي. الحديث عن علاقات فارقة هو مع أمريكا وليس مع بريطانيا”.
لكنه يقول أيضًا إن “الزيارات الخارجية مفيدة، إلا أنه من المهم أن تُنفذ على أرض الواقع”.
ومع الأشهر المتبقية لحكومة السوداني قد لا يتم الأخذ بمثل هذه التفاهمات مع الحكومات القادمة، فالوضع قد يتغير بشكل كبير، بحسب ما يقوله الشمري.
ويضيف رئيس مركز التفكير السياسي: “هي زيارة في الوقت الضائع كان يفترض أن تحدث من بداية استلام السوداني للحكومة، لكن الحسابات السياسية هي من فرضت نفسها”.