متابعة/ المدى
في تطورات سياسية ملموسة على صعيد تحجيم دور الفصائل العراقية، وطرح سيناريوهات التفكيك أو الدمج، ابدى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين موقفاً جديداً.
ومصطلح الفصائل الشائع في العراق يقصد به عملياً التفريق بين "الحشد الشعبي"، الذي يضم نحو 70 تشكيلاً شيعياً مسلّحاً من جهة، وبين الجهات التي تُقدّم نفسها باعتبارها "مقاومة إسلامية"، وأبرزها: كتائب حزب الله، والنجباء والطفوف، والبدلاء، والأوفياء، وسيد الشهداء، والإمام علي، والعصائب، لكن في الواقع أنّ الجماعات هذه تمتلك وجوداً ونفوذاً داخل "الحشد الشعبي" نفسه، يُقدّره مراقبون عراقيون بأنه يشكل أكثر من 60% منه، وتسيطر على المناصب القيادية فيه، أبرزها رئاسة الأركان بقيادة عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك).
في المقابل، فإنّ حضور فصائل عراقية مرتبطة بالعتبات الدينية في العراق، وتُعرف باسم "حشد العتبات"، إلى جانب وحدات مرتبطة بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وأخرى لعشائر عربية سنية، تكاد تقوم جميعاً بدور ثانوي.
ومع إعلان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين صراحة عن وجود حوار مع تلك الفصائل التي تمتلك ترسانة ضخمة من الطائرات الهجومية المسيّرة والصواريخ، واستخدمتها في هجمات ضد الجيش الأميركي والاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، فإنّ الحديث سياسياً يتركز على كيفية احتواء الضغوط الأميركية والغربية على العراق وتجنّب أي خطوات أو عقوبات تُفرض على البلاد.
وفي مقابلة مع وكالة رويترز، أمس الخميس، اعتبر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن السلاح خارج إطار الدولة العراقية "غير مقبول"، مؤكداً محاولة إقناع الفصائل المتحالفة مع إيران بالتخلي عنه.
وقال حسين إنّ "العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة القوية في البلاد التي حاربت القوات الأميركية وأطلقت الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية".
وبشأن التغييرات الجذرية في المنطقة، والحديث عن كون العراق قد يشهد عاصفة تؤدي إلى تغيير النظام، قال حسين: "لا نعتقد أنّ العراق هو التالي. الحكومة تجري محادثات لكبح جماح الجماعات مع الاستمرار في السير على الحبل المشدود بين علاقاتها مع كل من واشنطن وطهران.. وقبل عامين أو ثلاثة أعوام كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا، لكن الآن أصبح وجود جماعات مسلحة تعمل خارج الدولة غير مقبول".
وأكمل: "بدأ العديد من الزعماء السياسيين والعديد من الأحزاب السياسية في إثارة المناقشة، وآمل أن نتمكن من إقناع زعماء هذه الجماعات بإلقاء أسلحتهم، ثم أن يكونوا جزءاً من القوات المسلحة تحت مسؤولية الحكومة.. نأمل أن نتمكن من مواصلة هذه العلاقة الجيدة مع واشنطن، ومن السابق لأوانه الآن الحديث عن السياسة التي سيتبعها الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب تجاه العراق أو إيران".
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر وتوت، إنّ "العمليات التي أقدمت عليها الفصائل العراقية تندرج ضمن مفهوم الإسناد والدفاع عن شعب غزة، وترد على الاعتداءات الوحشية من الكيان الصهيوني، لكنها في الوقت نفس كانت تحرج الموقف الحكومي من الأزمات الخارجية".
وأشار وتوت إلى أنّ "حصر السلاح بيد الدولة كان من أبرز الملفات التي أدرجت ضمن المنهاج الحكومي لحكومة محمد شياع السوداني، بالتالي فإنّ العمل عليه بالحوار مع الفصائل أو غير الفصائل هو إجراء حكومي، وربما تكون التطورات الأخيرة في المنطقة واتفاقات وقف إطلاق النار والتهدئة على جبهتي لبنان وغزة قد سرعت هذا الحوار".
من جانبه، استبعد الصحافي والباحث في الشأن السياسي ثائر جياد أن "تقبل الفصائل مطالب واشتراطات ترك السلاح أو حتى الاندماج مع القوات الأمنية العراقية ولا حتى مع الحشد الشعبي، إلا بما تراه يخدم مشروع المقاومة، وبالتالي وبعد مسيرة الاغتيالات الإسرائيلية والأميركية فقد بات زعماء الفصائل يدركون أنهم في خطر دائم ولن تسامحهم أميركا أو إسرائيل، لذلك فهم لن ينخرطوا في مفاوضات يكون هذا عنوانها مطلقاً"، وفق قوله.
وقال جياد، إن "الفصائل العراقية الفاعلة لا يمكنها أن تتصرف بعيداً عن محور المقاومة ووحدة الساحات، وهي ترى في المرشد الإيراني علي خامنئي ونظام إيران قائداً لهذا المحور، لذلك لا أعتقد أنها ستتخلى عن سلاحها".
ونفذت جماعة المقاومة الإسلامية في العراق، وهي تحالف من عدّة فصائل مسلّحة مدعومة من إيران، أكثر من 200 هجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ، استهدفت مواقع للاحتلال في فلسطين والجولان السوري المحتل، وأقرّ الاحتلال بمقتل وإصابة عدد من جنوده في أحدها.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، قتل ثلاثة عسكريين أميركيين وأُصيب آخرون في هجوم بطائرة مسيّرة على قوات أميركية متمركزة في شمال شرقي الأردن، قرب حدود سورية، وهو ما دفع الجيش الأميركي حينها إلى تنفيذ ضربات واسعة في الأراضي العراقية والسورية.
أما أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد علاء مصطفى، فقد بيَّن أنّ "رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني كان قد أكد أكثر من مرة على عدم وجود أي اشتراطات أو ضغوط أميركية في ما يخصّ سلاح فصائل المقاومة، لكنه في الوقت نفسه تحدث قبل أيام عن ضغوط لإجراء إصلاحات، وهذا الغموض الحكومي في قضية التعامل مع الفصائل العراقية غير مفهوم، إلا أن الضغط الأميركي يبدو حقيقياً ولا جدال فيه".
وأضاف، أنّ "ظروف المنطقة حالياً وما حدث في لبنان وغزة قد يدفع إلى خلق بيئة للحوار والتجاوب بين الحكومة والفصائل، لكن السؤال الأهم: هل الإدارة الأميركية الجديدة تقبل بأنصاف الحلول؟".
المصدر: العربي الجديد