بغداد/ تميم الحسن
اقترب «الرعب» – كما يسميه محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، في وصفه لدونالد ترامب، الرئيس الأمريكي – من الجلوس في البيت الأبيض، ومعه تراجعت «الفصائل»، وقدمت بغداد وصفة حل تمهيدية لأزمة الجماعات المسلحة في العراق.
ويفترض أن يتسلم ترامب، غدًا الاثنين، السلطة رسميًا في الولايات المتحدة، وستكون أمامه خطة لضرب إيران وإجراءات ضد الفصائل العراقية، بحسب ما تقوله الصحافة والمسؤولون في واشنطن.
وأعطت نتائج زيارة السوداني الأخيرة إلى بريطانيا (انتهت يوم الجمعة) جرعة أمل للمجموعة الشيعية التي تسيطر على الحكومة منذ أكثر من عامين، حيث ما زال «الإطار التنسيقي» يعتقد بأنه «ليس المستهدف» من رد ترامب على إيران وحلفائها في المنطقة.
وتقول مصادر سياسية إن الحوارات مع الجماعات المسلحة العراقية، التي كشف عنها مؤخرًا وزير الخارجية فؤاد حسين، والتي تجري مع الفصائل الثلاثة «المتمردة»، «قد لا تصل إلى نتائج إيجابية».
وبحسب التسريبات، فإن حركة النجباء، بزعامة أكرم الكعبي، رفضت تلك الحوارات المتضمنة «نزع السلاح» و»الالتزام بخط الحشد الشعبي» في اتباع سياسة عدم التدخل التي تحدث عنها قبل أيام قيس الخزعلي (زعيم العصائب).
وفي مقابلة مع وكالة «رويترز»، قال وزير الخارجية فؤاد حسين إن «العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة القوية في البلاد، التي حاربت القوات الأمريكية وأطلقت الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية».
وبشأن التغييرات الجذرية في المنطقة والحديث عن احتمال أن يشهد العراق عاصفة تؤدي إلى تغيير النظام، قال حسين: «لا نعتقد أن العراق هو التالي. الحكومة تجري محادثات لكبح جماح الجماعات مع الاستمرار في السير على الحبل المشدود بين علاقاتها مع كل من واشنطن وطهران. قبل عامين أو ثلاثة أعوام، كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا، لكن الآن أصبح وجود جماعات مسلحة تعمل خارج الدولة غير مقبول».
وتابع: «بدأ العديد من الزعماء السياسيين والأحزاب في إثارة هذا النقاش، وآمل أن نتمكن من إقناع زعماء هذه الجماعات بإلقاء أسلحتهم، ثم أن يكونوا جزءًا من القوات المسلحة تحت مسؤولية الحكومة. نأمل أن نتمكن من مواصلة هذه العلاقة الجيدة مع واشنطن. ومن السابق لأوانه الآن الحديث عن السياسة التي سيتبعها الرئيس الأمريكي (دونالد) ترامب تجاه العراق أو إيران».
وكان «الإطار التنسيقي» قد نفى الأسبوع الماضي مناقشة «دمج الحشد» مع وزارة الدفاع، بعد أسبوع من زيارة السوداني إلى طهران ولقاء المرشد علي خامنئي، الذي دعا إلى «تعزيز الحشد».
وعمليًا، فإن «النجباء» والمجموعتين الأخريين اللتين يتم التفاوض معهما (سيد الشهداء وكتائب حزب الله) منضوية فعليًا بالحشد (لديهم 5 ألوية على الأقل) لكنها لا تلتزم بالتعليمات.
ومعروف أن «سيد الشهداء» يرأسها أبو آلاء الولائي، وهو أحد زعامات «الإطار التنسيقي» ويحضر دائمًا الاجتماعات الخاصة بالتحالف، كما يظهر في الصور التي ينشرها التحالف.
وترجح المصادر أن «الإطار التنسيقي» يحاول إقناع ترامب والدول الغربية بأن المشكلة في تلك الفصائل (الخارجة عن صف الحشد)، فإن طلبت واشنطن بـ»حل الحشد أو تقوم هي بذلك»، كما ذكر مستشار للسوداني في وقت سابق.
ولا تعرف المصادر ما هي الخطة البديلة في حال رفض ترامب «الحل الإطاري»، وهل ستقوم الحكومة بدمج الحشد مع وزارة الدفاع، رغم نفي ذلك رسميًا؟ خصوصًا أن الرئيس الأمريكي ستكون أمامه «خطة لضرب إيران»، فور تسلمه السلطة، بحسب صحيفة «واشنطن بوست».
وكان السيناتور الجمهوري، جو ويلسون، قد توعد منظمة بدر (هادي العامري)، مما دفع المنظمة إلى الرد في بيان، وطلبت من السيناتور الأمريكي التركيز على قضايا بلاده الداخلية، مثل حرائق كاليفورنيا ولوس أنجلوس.
وقال ويلسون في تغريدة على «إكس» إن «ترامب سيقوم بتصحيح الخطأ مع بدر» ووضعها على قوائم الحظر الأمريكية.
وأضاف أن «على الحكومة العراقية أن تستعد للتعامل مع إدارة ترامب بالتخلص من تنظيم بدر وبقية الميليشيات التي تمولها الحكومة أو الدخول في أزمة مع واشنطن».
«النجباء» تتراجع
وسط ذلك، أعلن أمين حركة النجباء، أكرم الكعبي، تعليق عملياتها ضد إسرائيل، بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال الكعبي في بيان: «نبارك للشعب الفلسطيني والأحرار في العالم هذا التطور المهم (اتفاق وقف إطلاق النار)، ونعلن أننا سنعلّق عملياتنا العسكرية ضد الكيان تضامنًا مع إيقافها في فلسطين».
وقرار الإيقاف، وفق الكعبي، يأتي في إطار «تعزيز استمرار الهدنة في غزة»، لكنه استدرك بالقول: «ليعلم الكيان الغاصب أن أي حماقة منه في فلسطين أو المنطقة ستقابل برد قاس».
وأضاف: «أصابعنا على الزناد وصواريخنا ومسيراتنا بجهوزيتها الكاملة، فإن عادوا عدنا».
منذ نهاية تشرين الثاني الماضي، أوقفت الفصائل العراقية جميع أنشطتها المسلحة ضد إسرائيل، بعد أن كانت شنت أكثر من 200 هجمة صاروخية وبطائرات مسيرة ضد إسرائيل.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قدم العام الماضي شكوى إلى مجلس الأمن الدولي حمل فيها بغداد مسؤولية الهجمات التي تشنها الفصائل ضد بلاده، وكانت النجباء من بين ستة فصائل ورد اسمها في الشكوى.
هل خفف الإنكليز قلق التغيير؟
يتداول في الأوساط السياسية، منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية العام الماضي، أحاديث عن قرب التغيير في العراق.
ويقول مشعان الجبوري، النائب السابق، إن هناك «جهودًا سنية» في الخارج لتغيير النظام في العراق.
ورغم أنه رفض «التغيير»، بحسب كلامه في لقاء تلفزيوني، واعتبر السنة المؤيدين لهذا النهج «انتحاريين»، إلا أنه توقع «قيام شخص شيعي بالإصلاح». وقال: «أعتقد سنصفق له».
وكان محمود المشهداني، رئيس البرلمان والقوى السنية (ائتلاف القيادة السنية)، التي تعارض محمد الحلبوسي، زعيم «تقدم»، الذي صار أقرب من باقي السنة لـ»الإطار»، قد طلبوا «إجراء إصلاحات» بالتزامن مع الأحداث السورية.
ويبدو التحالف الشيعي غير مستعد الآن لإعطاء أي تنازلات، حيث أوضح الأخير في بيان صادر عن «ائتلاف إدارة الدولة»، الذي يضم كل القوى السياسية الرئيسية، من بينها «الإطار»، بأنه تم تلبية نحو 80% من الاتفاقيات مع السُّنة.
وحصل التحالف الشيعي، بحسب ما يتسرب من معلومات، على جرعة أمل من الإنكليز بمواجهة «الرعب من ترامب»، أثناء زيارة السوداني إلى بريطانيا.
السوداني عاد إلى بغداد يوم الجمعة وهو يحمل «سلة تاريخية» من مذكرات التفاهم، كما وصفتها البيانات الحكومية، والتي تعني أن الدول الغربية «راضية» عن المعادلة السياسية الحالية بالعراق.
وكان عمار الحكيم، الزعيم «الإطاري»، قال نهاية العام الماضي، إن المعلومات التي وصلته حول استهداف «ترامب» للفصائل ليست موجهة لـ»الإطار التنسيقي» وإنما لتلك الجماعات.
وتداولت منصات إخبارية محلية تسجيلًا صوتيًا لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، خلال زيارته الحالية للندن، يتحدث فيه عما يصفه بـ»الرعب» من إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بسبب سياسته المرتقبة، معتبرًا في الوقت ذاته أن ترامب سيركز على شؤون ومشاكل الولايات المتحدة الداخلية.
وأجرى السوداني زيارة رسمية على رأس وفد وزاري كبير، منذ الاثنين الماضي، إلى لندن، التقى خلالها عددًا من كبار المسؤولين البريطانيين، ووقع اتفاقيات في مجالات الطاقة والبيئة والتعليم والإصلاح المالي.
ويظهر التسجيل الصوتي للسوداني خلال اجتماع له مع صحفيين عراقيين وعرب في لندن، وجاء في معرض حديثه عن تطورات المنطقة عمومًا والعراق على وجه التحديد، قائلًا: «أكو (هناك) جو رعب من إدارة ترامب مسيطر على العالم كله»، مستدركًا بالقول: «كل إدارة راح تجي (ستأتي) تتخذ القرارات. ترامب جاء بملف داخلي ومحتار بمشاكله الداخلية، والدول لها مكانتها المستقلة».
ولم يصدر أي توضيح من المكتب الحكومي العراقي إزاء حديث السوداني حتى الآن.