- رئيس المجمع العلمي العراقي: أحمد خلف الطهر العميق يمشي على رجلين
- حنون مجيد: في معظم مؤلفاته، يمتلك حمية على القيمة الفنية في العمل الأدبي
- عمر السراي: أحمد خلف لا يمثل أديباً فحسب، فهو في الدرجة الأولى الأب الذي لا يموت
بسام عبد الرزاق
اقام بيت المدى في شارع المتنبي، الجمعة الماضية، جلسة استذكار للروائي والقاص احمد خلف، الذي فارق الحياة مؤخرا، وبحضور عائلته قدم نخبة من أصدقاء الراحل قراءة في سيرة احمد خلف الإنسانية والوجدانية والأدبية الثرة.
واخبرني انه لم يكن بوضع طبيعي بعد سماع الخبر، وتكلم لي وقال ان الوقت مبكر على وفاة محمد علوان، ليس الوقت مبكرا كونه شابا غرا، ولكنه قال، ان مخطوطة محمد علوان بيدي وفيها وضعت ملاحظات فلمن اسلمها؟ والتي اشتغلت عليها لمدة شهر، وأضاف ربما نلتقي يوما ونحن تحت التراب واسلمه ملاحظاتي"، هذا ما جال في خاطري وانا استذكر الراحل احمد خلف؛ والكلام للزيدي.
وأضاف، ان "الراحل احمد خلف كان يسأل عن كل كتاب في السرد او القصص ويسأل عن هذا الكاتب الجديد، وبعض الكتاب من الشباب كانوا يذهبون اليه الى البيت لتصويب بعض الملاحظات إليهم".
وأضاف الزيدي، ان "احمد خلف صنع ونحت اسمه بشكل دقيق واستمر الى مماته متواصلا في الكتابة والقراءة وحين التقيته حدثني عن شراء رواية ستاندال بمجلداتها ولم يكن شبح الموت قريب منه ولكن هذه مشيئة القدر".
الشاعر د. محمد حسين ال ياسين، قال ان "تحية المؤمن باننا لا نؤبن احمد خلف، فالتابين لا يكون الا لمن مات واحمد خلف حي لا يموت، احمد خلف بما أبدع وما كتب وتصرف وبإنسانيته وموقفه الجميل حي بيننا ولا نؤبنه انما نتحدث عنه وهو يستحق كل حديث".
وأوضح آل ياسين، ان "علاقتي به من أقدم علاقات الادباء عمرا، وربما تستغربون إذا قلت إني تعرفت عليه واحببته عام 1964 قبل ستين عاما وهو يتجلى كل يوم بانصع نفسا وأرقى ضميرا وأطهر سريرة من اليوم السابق، ستين سنة ولا أجد في احمد خلف الا الطيبة والمحبة والمودة والنظافة والطهر العميق يمشي على رجلين، ولم اسمعه يوما يذكر غائبا بسوء او يسمع حاضرا بكلمة مزعجة، كان نقيا بلسانه وقلبه". وتابع، انه "كان سبب التعارف ان بغداد شهدت عام 1964 صدور مجلة جديدة اسمها (القنديل) مقرها شقة في شارع الرشيد في منطقة تمثال الزعيم الحالي، مجلة تصدر في جو مجدب من المجلات ووسائل النشر الطبيعية التي ظهرت بعد ذلك، ولم يكن لدينا في بغداد في تلك السنوات مجالات للنشر غير الجرائد، فكانت مجلة ملونة منوعة ثقافية وفكرية وادبية وكبيرة الحجم وكثيرة الصفحات فأغرتنا بالنشر فيها، صاحبها محام كما عرفنا يوما ما، وكنت اذهب لإعطائه قصائدي وكان يعتني بنشرها اعتناء فنيا مغريا لمن كان في عمري، وتنشر القصيدة على زاوية خضراء وحولها أوراق من الشجر الجميل، وصادف في رواحي للمجلة اني التقي بقاص يريد نشر قصصه في هذه المجلة فصار التعارف وكان اسمه احمد خلف وتكرر اللقاء في المجلة معه وصرنا نتواعد للذهاب الى المجلة ليكون اللقاء مضمون فيها وتكرر ذلك مرات، نر هو قصصه في المجلة ونشرت قصائدي فيها، واذكر انه في يوم من الأيام ونحن في المجلة ان سمعنا صخبا قادما الى مقر المجلة واذا بالقادم رشدي العامل بصخب عال وبحركات وباحاديث عرفنا منها انه كان في اقصى حالات السكر تلك الليلة، فجاء واحترمه صاحب المجلة واستقبله بحفاوة واجلسه وحاول تهدئته، وهو يكيل الشتائم بحرية كاملة من الصخب، فكانت مناسبة ان نعرف رشدي العامل أيضا في هذه المجلة".
وأكمل، انه "استمرت علاقتي مع احمد خلف تتنامى يوما بعد يوم واقرأ له وأعجب، وكلكم تعرفون انه مر بفترة مادية عصيبة وكان يتألق فيها شامخا غير هياب نظيفا لا يداري ولا يجامل، انه الاب ولكنه عصي على الموت، فموت الاب قصته ولكن له اب لا يموت".
من جانبه قال القاص والروائي حنون مجيد، انه "لابد من القول عند الحديث عن الراحل احمد خلف انني عرفته منذ صدور قصته (خوذة لرجل نصف ميت) كان ذلك عام 1969 ثم تاكدت العلاقة عندما قرأت له مجموعته (نزهة في شوارع مهجورة) واستمرت العلاقة، لكنها انقسمت الى قسمين، الأول قسم ادبي خالص والقسم لاخر الاجتماعي، نتناول في الشطر الأول هموم الادب والثقافة وما يصدر منا ومنه ثم بفعل تقارب بيتينا نتزاور مشيا على القدم وهناك نتطارح قضايا سياسية واجتماعية كثيرة بعيدا عن ساحة الادب، وعندما ازوره في بيته اجد في فضاء البيت الأول كرسيا ومنضدة خشبية واجلس معه ونشرب القهوة او الشاي وحين يبادلني الزيارة يكون قد وجدني في مكتبة تعود لي اسمها مكتبة افاق وهي قبالة بيتي وكذلك نشرب الشاي". وأشار الى انه "تتمدد العلاقة بيني وبين احمد خلف وهي من العلاقات النادرة التي تنظم على كثير من الاسرار والخبايا التي لا يمكن ان يبوح بها لاح وكذلك لا ابوح بها لغيره، وتمتد الى خارج هذه العلاقة الداخلية في فضاء بغداد، فنحن نحضر في مهرجانات المربد ونتشارك غرفة واحدة، وكان لذيذ المعشر ولماح ثم تتمدد الى حضور احتفائية جامعة ديالى في بعقوبة بمنجزه الثقافي وكان مقيم هذه الاحتفالية الدكتور فاضل التميمي، وكان في ذلك القاء صحب زوجته معه، وحضرت له مواقع أخرى". وبين ان "احمد خلف يمتلك حساسية عظيمة إزاء ما يحدث في البلد، ولذا نجد معظم هواجسه السياسية والاجتماعية مسطرة في كتبه، بدءا من (خوذة لرجل نصف ميت)، الى (الحلم العظيم)، الى (موت الاب) ونجد ذلك في معظم مؤلفاته، كما انه يمتلك حمية على القيمة الفنية في العمل الادبي وكان يطرب لفنه، ومن طريف ما حصل بيننا في هذا المجال انه زارني الى مكتبتي وكنت اعددت قصة كتبتها توا وكانما حضرتها له وعنوانها (لوحة فنان) وحين قرأتها عليه قال اعطنيها انا اكتبها، واعتقد ان هذا الحديث لم يدر على بال أي من صديقين في الحياة كلها، ان يكتب محمد ال ياسين قصيدة ويقول له السياب اعطنيها او غيرهم، وبفعل محبتي له قد فهمت ان هذه القصة يجب إعادة كتابتها، واعدت صياغة هذه القصة اكثر من مرة ونشرتها في واحدة من الصحف العراقية واهديتها الى احمد خلف".
بدوره قال امين عام اتحاد الادباء الشاعر عمر السراي، ان "احمد خلف لا يمثل اديبا فحسب، فهو في الدرجة الأولى والطراز الأول هو الاب، الاب الذي لا يموت دائما ويظل مشيرا الى ابناءه وهو المدرسة السردية والنقدية وهو الموقف والناصح والمحتضن للاخرين، لذلك تجد موقعه الثابت دائما عبر كل جيل ومع كل الذين رافقوا حياة احمد خلف، وانا الان استمع الى اساتذتنا الاجلاء وهم يتعرفون الى احمد خلف منذ الستينات وهو أيضا صديق الأجيال التي جاءت بعده وقائد هذه الأجيال والماسك بيديها ولديه من الانفتاح نحو الشباب والطلبة".
وأضاف، انه "يصل قلبه الى خارج حدود المنطقة العربية والى المنطقة العالمية وهذا دليل على انه بتماس طيب مع الاخرين، فنجلس في رحابه تلاميذ في الصف الأول، نتابع الهدوء الذي يسرد به، وهو سارد ماهر على الورق وسارد ماهر شفويا حين يتحدث عن المدرسة وذكريات السجن ومظفر النواب عن جموح امد خلف هذا الكائن الممتلئ كبرياء". وتابع القول، انه "نجلس معه في البيت ويخرج الينا كل تراثه وذكرياته على الأرض، فهو كائن منظم الى درجة مفرحة، بوكس فايلات تفتح وفيها دعوات منذ الستينات ومؤرشفة بالتواريخ ومكتوب عليها جذاذات ومسودات الروايات التي كتبها والقلم الذي كتبت به وكذلك هدايا من ادباء وكذلك المكتبة الانيقة التي تحمل صورت شامخا في باحة اتحاد الادباء، ولديه رواية المدرج لم تنشر قط كتبها في السبعينات ويريد لها ان لا تنشر وارادها ان تبقى في متحف الادباء".
وانهي السراي الحديث بقوله: انه "اشعر بفخر كبير لانني حبيت بان التقي بمن سأفخر بهم جدا امام الأبناء والاحفاد حينما يكبرون، فكل صورة وكل لقاء جمعني بهم سيظل جزءا كبيرا مما افخر به أولا قبل تجربتي التي اكتبها، والامر الثاني هو الموقف الذي استلهمه من اساتذتنا الكبار الذين حرصوا على ان يكون الادب طريقا لهم ومغزى وليس وسيلة وان تكون الثقافة هي همهم الأكبر وان يكونوا قريبين من الجميع، ونتمنى ان نتحلى قليلا من سجاياهم".
الناقد محمد جبير، أشار الى انه "يقينا اعتقد ان الكاتب المبدع لا يموت لان الابداع يبقى خالدا، واحمد خلف يكتب بطريقة خاصة به، وأول قصة نشرها عام 1969 في ملحق جريدة الجمهورية الثقافي وكانت الستينات ساحة محتدمة ثقافيا وأيديولوجيا وفيها صراع وصل الى الصراع الدموي، وكان احمد خلف في هذا الوسط كتلة من الحيوية في الكتابة بحيث لم يحاول ان يتعكز على منجز الخمسينات رغم ان هذا المنجز نقطة تحول في الكتابة السردية القصصية ولأنه مشاكس مع نفسه ومع مشروعه الثقافي اتخذ طريقة التجريب في النص ليكون صوت خاص به، بدليل حين كتب قصته (خوذة لرجل نصف ميت) اخذت صداها على المستوى العربي". وتابع، ان "احمد خلف يكتب بطريقة خاصة، وبفكر بسيناريو خاص به قبل ان يدون، وثم يبدأ بكتابة مسوداته ومن ثم يقوم بتفريغ الاحداث والتفاصيل على الورق، والمرحلة الثانية تبدأ باعادة قراءة النص وتشمل على خريطة من الحذف والاضافات، وتأتي المرحلة الثالثة لتجد فيها اللغة تسمو وتتألق والنص يبدأ يتضح وفي هذه اللحظة يقتنع احمد خلف انه كتب القصة ومستعد لنشرها.
د. جاسم محمد جاسم، قال انه "أعزى نفسي وأعزي كل ادباء الوطن برحيل القامة الكبيرة، قامة السرد العراقي والعربي احمد خلف، الذي رحل وهو وفيا لهذه الثقافة".
واضاف، انه "ذات يوم وقبل أكثر من 4 سنوات اتصل بي احمد خلف وهو يقول لي احتاج ان تأتيني لان لدي عمل خاص معك، ذهبت اليه وسألني سؤالا محددا وواضحا وقال من سيكتب تاريخ احمد خلف؟ وصمت وكذلك انا صمت تجاه هذا السؤال، وبعد برهة قال لي (ها جاسم ما جاوبتني؟) قلت إذا سمحت لي سأكتب انا تاريخ احمد خلف بعد عمر طويل، فقال اذن لنتفق على الجلوس كل يوم جمعة لمدة ساعة كاملة، وفعلا بدأت أزوره كل جمعة ونجلس معا وهو يتحدث لي عن هذا التاريخ وهذه السيرة الحافلة بالإنجازات والمليئة بمسارات مهمة وهي مسارات التجديد في كتابة القصة والدخول الى مناطق جديدة على مستوى اللغة والتقنيات".
وتابع، انه "بدأ يتحدث في أولى الجلسات عن مدينة الحرية وعلاقته باصدقائه، حميد الخاقاني وجمال العتابي ونصر محمد راغب، وصولا الى منزله وعائلته، وبدأ يسرد لي اول قصة كتبها وهي (وثيقة الصمت) عام 1966 في جريدة الجمهورية وتبعتها قصة (خوذة لرجل نصف ميت)، وبعد ذلك بدأ يتحدث عن عمله في تلفزيون العراق وبالتحديد في البرامج الثقافية وأصدقائه هناك، ثم انتقل تباعا للحديث عن عمله في دار الشؤون الثقافية وبالتحديد في مجلة الأقلام، وحديثه عن حسب الشيخ جعفر وجعفر العلاق وملابسات العمل في الدار وكيف كانت قبلة حقيقية للمثقفين العراقيين".
وأشار جسام الى ان "احمد خلف كان وفيا لفنه بشكل لا يصدق، بهذا العمر وهو يقرأ ما يقارب 12 ساعة، واذهب اليه في ساعات متأخرة من الليل واجده يكتب ويقرأ ويقول لي سأنام لساعتين ثم اصحوا لقراءة كتاب جديد.".
د. عقيل مهدي قال ان "احمد خلف ولد في الديوانية في مدينة الشنافية عام 1943 وكتب اول قصة قصيرة بعنوان (وثيقة الصمت) وعمل في الإذاعة والتلفزيون مشرفا على القسم الثقافي من عام 1978 الى عام 1985 ثم في مجلة الأقلام وسواها". وأضاف، ان "احمد خلف قرأ واستلهم من الروايات والدراسات التي كتبت عنها، واستلهم أيضا من معلمه مظفر النواب وعمق لديه البعد اليساري وأيضا يقال انه زاره في السجن ونصحه النواب بعدم زيارته خوفا عليه".
ولفت الى انه "تعرفت عليه بشكل راقي ونوع من الاخوة النبيلة كون من عرفني عليه هو الزميل من نفس دورتنا الفلسطيني النبيل نصر محمد راغب، وكان ينبهنا الى أشياء ونحن نتحدث بشكل صريح عن السياسة، ويحذرنا من عثرات هذا الحديث".