TOP

جريدة المدى > سياسية > "عام الصناعة".. شعار جديد تتبناه الحكومة وسياسيون يعلقون "لا تغيير دون رؤية واضحة"!

"عام الصناعة".. شعار جديد تتبناه الحكومة وسياسيون يعلقون "لا تغيير دون رؤية واضحة"!

انطلاقة جديدة أم تحديات مستمرة؟

نشر في: 20 يناير, 2025: 12:03 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

تسعى حكومة السوداني إلى جعل عام 2025 عامًا للصناعة، ضمن خطة تنمية وطنية تستهدف رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.2%. ورغم التوجهات الطموحة لتطوير الصناعات التحويلية والشراكة مع القطاع الخاص، ما تزال التحديات قائمة، أبرزها ضعف البنية التحتية والمنافسة القوية من المنتجات المستوردة. بالإضافة الى وجود جهات سياسية نافذة لا تريد للعراق أن يصبح بلدًا "صناعيًا". يشير خبراء إلى أن نجاح هذه الخطط يتطلب سياسات فعالة، وإدارة حكومية داعمة، وتحفيز الاستثمار لتحقيق تنمية صناعية مستدامة تسهم في تنويع الاقتصاد الوطني.
مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، د.مظهر محمد صالح، تحدث لـ(المدى)، عن وجود خطة للتنمية الوطنية للأعوام 2024-2028 تسعى إلى تعزيز مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 2.2 في المائة، بعد أن كانت أقل من 1.8 في المائة في السنوات السابقة. وفقاً للمستشار، تعتمد الخطة على تنويع القطاع الصناعي، سواء الأهلي أو الحكومي، مع التركيز على الانتقال من إنتاج النفط الخام إلى تصنيع المشتقات النفطية وتطوير صناعة البتروكيماويات. أشار صالح إلى، أن "العراق يصنف ضمن أغنى تسع بلدان عالميًا بالثروات الطبيعية بقيمة تتجاوز 16 تريليون دولار، ويملك فرصة كبيرة لزيادة القيمة المضافة لهذه الموارد من خلال الاستثمار في تصنيعها، سواء لأغراض تعزيز الصناعات الوطنية أو التصدير".
ويوضح بشأن الخطة: "تتضمن جهودًا لإعادة بناء الصناعة التحويلية من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، حيث ستساهم الدولة بتمويل المشاريع الصناعية بنسبة 85 في المئة، فيما يتحمل القطاع الخاص نسبة 15 في المئة، وستتركز هذه الاستثمارات على خمسة مستويات، في مقدمتها الصناعات المتعلقة بالإعمار والإسكان ومشاريع طريق التنمية، إضافة إلى الصناعات الدوائية"، مضيفاً، أن "فلسفة الحكومة الاقتصادية تقوم على الشراكة بين الدولة والسوق مع ضمان اجتماعي واسع، بما ينسجم مع نظرية "السوق الاجتماعي"، التي تبتعد عن المخاطر المصاحبة للاقتصاد الليبرالي".
يتابع "الحكومة أطلقت مصرف ريادة لدعم القروض الصغيرة والمتوسطة للشباب، بعد نجاحها بتقديم آلاف القروض لتحفيز الابتكارات والمبادرات الشبابية، كما أن 60 في المائة من قوة العمل تُوظف في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مع استمرار التركيز على الصناعات الاستراتيجية مثل البتروكيماويات والصناعات الرقمية".
ويرى صالح، أن "هذه الخطوات تتجه نحو خفض نسبة البطالة التي تبلغ حاليًا 14 في المئة، إلى مستويات طبيعية لا تتجاوز 4 في المئة من إجمالي قوة العمل. بالإضافة الى توفير فرص عمل مستدامة ودعم تنمية الاقتصاد الوطني في مختلف القطاعات".
وذكر مستشار رئيس الوزراء، حمودي اللامي في تصريح له، أن "الحكومة الحالية تولي القطاع الصناعي اهتماماً كبيراً ضمن برنامجها الحكومي، حيث اتخذت قرارات غير مسبوقة، من بينها، منح الضمانات السيادية للقطاع الخاص، والتي كانت تقتصر سابقا على القطاع الحكومي"، مبينا أن "هذه الضمانات، تهدف إلى إنشاء خطوط إنتاج جديدة وإقامة مصانع حديثة".
بالحديث عن أهمية تطوير القطاع الصناعي، يقول عامر الجواهري، الاستشاري في مجال التنمية الصناعية والاستثمار، أنه "يعتبر ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة"، وشدد على ضرورة تمكين القطاع الخاص وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، واعتماد خطط تنموية مدروسة بعيدًا عن الأساليب الإدارية التقليدية التي أعاقت تقدم الصناعة العراقية لعقود.
أوضح الجواهري لـ(المدى)، أن "تطوير القطاع الصناعي يتطلب قيادة حكومية فعّالة تعمل على جلب الاستثمارات من خلال تعزيز بيئة العمل للشركات بمختلف أحجامها. وقال: "يجب الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة جنبًا إلى جنب مع المشاريع الكبرى. وحتى المشاريع الكبيرة يجب أن تُدار وفق خطط استراتيجية تتضمن إدخال التكنولوجيا الحديثة واتفاقيات دولية تُسهم في تعزيز هذه المشاريع". لكنه انتقد الأسلوب الإداري الذي اتبعته الحكومات العراقية السابقة منذ عام 2012، معتبرًا أنه لم يُفضِ إلى تحقيق تنمية صناعية حقيقية، على الرغم من إقرار الستراتيجية الصناعية الوطنية في يونيو 2014، لافتاً الجواهري إلى أن القطاع الصناعي العراقي يواجه منافسة إقليمية ودولية شرسة، ما يتطلب أسلوبًا جديدًا في الإدارة والتمويل. وأشاد بتوجه في إنجاز مشاريع خدمية وصحية بالمحافظات عبر استخدام أساليب تنفيذية أكثر فاعلية وإدارة جديدة.
وأكد أن تحقيق تنمية صناعية حقيقية يتطلب تشكيل مجلس تنسيق صناعي جديد يضم ممثلين من الوزارات ذات العلاقة ومجلس النواب، بالإضافة إلى اتحادات ومنظمات أعمال مثل اتحاد الصناعات العراقية، اتحاد رجال الأعمال، الأكاديميين، ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة.
وأشار الجواهري إلى أن جذب الاستثمارات لا يمكن تحقيقه إلا بوجود ملفات استثمارية تفصيلية تُعلن بشفافية تامة. واقترح اعتماد أسلوب الحوكمة الدقيقة في اختيار الشركات المؤهلة للمشاركة في المشاريع الاستثمارية، مشيرًا إلى تجربة وزارة النفط في إدارة جولات التراخيص كمثال ناجح يمكن البناء عليه.
كما دعا إلى تجنب الإعلان عن عشرات المشاريع دفعة واحدة، بل تقسيمها إلى حزم قطاعية واضحة تُطرح بشكل تدريجي بهدف ضمان جودة التنفيذ وجذب المستثمرين المناسبين. وأكد أهمية استقطاب الشركات الرصينة لتقديم العروض الاستثمارية بما يضمن تحقيق الأهداف في المدى الزمني المحدد لكل مشروع. الجواهري أكد على ضرورة العمل الفوري والمدروس لتحفيز القطاع الصناعي العراقي، مؤكدًا أن التحدي الأكبر أمام الحكومة والقطاع الخاص هو تحقيق التكامل بين الإرادة السياسية والتخطيط الإداري والتطبيق الفعّال، بهدف إطلاق عملية تنموية مستدامة تضع العراق في مصاف الدول الصناعية.

دعوة لتبني رؤية ستراتيجية شاملة
يواجه قطاع الصناعة في العراق تحديات كبيرة أثرت بشكل مباشر على دوره في الاقتصاد الوطني. ويشير الباحث الاقتصادي أحمد عيد إلى أن هذا القطاع يعاني من بنية تحتية متدهورة، إذ توقفت العديد من المصانع والمؤسسات الصناعية عن العمل بسبب الأضرار التي لحقت بها، إلى جانب تعرضها للسرقة والتفكيك والتهريب. نتيجة لذلك، أصبحت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي ضعيفة للغاية، مما أدى إلى تراجع تنوع الاقتصاد العراقي.
يضيف عيد لـ(المدى)، أن "الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل مفرط على قطاع النفط، مما تسبب في تهميش القطاعات الأخرى، بما في ذلك الصناعة، كما أن الصناعات التحويلية، مثل النسيج والصناعات الغذائية والميكانيكية، تعرضت لتراجع حاد نتيجة المنافسة من المنتجات المستوردة الرخيصة، وهو ما عمّق الأزمة الصناعية".
وتحدث عيد عن ضعف التشريعات والسياسات الحكومية في دعم القطاع الصناعي، مشيرًا إلى غياب ستراتيجيات فعالة لحماية المنتج الوطني وتعزيز الإنتاج المحلي. وبيّن أن "هذا النقص في السياسات والإدارة السليمة أدى إلى تراجع قدرة الصناعة العراقية على المنافسة، سواء في الأسواق المحلية أو العالمية". رغم هذه التحديات، يؤكد عيد على أهمية الصناعة في تحقيق التنمية الاقتصادية. ويرى أن القطاع الصناعي يمتلك إمكانات هائلة لتنويع مصادر الدخل الوطني، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الصادرات، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويوفر العملات الأجنبية لدعم الاقتصاد. وأشار الباحث إلى ضرورة استغلال هذه الإمكانات من خلال رؤية استراتيجية واضحة تهدف إلى تحقيق نهضة صناعية شاملة. وشدد على أهمية تحييد القطاع الصناعي عن التدخلات السياسية والفساد، والعمل على تطوير سياسات صناعية مستقلة تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة. أكد عيد أن إعادة إحياء الصناعة العراقية تتطلب إصلاح السياسات الاقتصادية وحماية المنتج الوطني. كما دعا إلى الاستثمار في الموارد البشرية وتعزيز الابتكار التكنولوجي كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى بناء اقتصاد عراقي متوازن ومستدام. بالإضافة إلى ذلك، شدد على ضرورة توزيع المشاريع الصناعية بشكل عادل بين المحافظات لضمان تحقيق تنمية شاملة.
وبين، أن القطاع الصناعي يمكن أن يصبح ركيزة أساسية لتحقيق التطور الاقتصادي في العراق، إذا ما تم استغلال إمكاناته بالشكل الأمثل ووضع سياسات فعالة تدعم الصناعة الوطنية.
الباحث السياسي محمد زنكنة يشير إلى أن العراق يمتلك كافة المقومات التي تؤهله لأن يكون دولة صناعية بامتياز، نظرًا لوفرة الثروات الطبيعية المنتشرة على امتداد أراضيه، وأوضح لـ "المدى"، أن "العراق يعاني من مشكلات مزمنة مثل الفساد والتدخلات السياسية التي أعاقت نمو قطاع الصناعة لعقود".
لفت زنكنة إلى أن "العراق يزخر بالموارد الطبيعية والبشرية اللازمة لقيام صناعة قوية". وذكر على سبيل المثال الصناعات التي كانت موجودة سابقًا، مثل معامل الأدوية في سامراء، مصانع التعليب في كربلاء، معامل الزجاج، الكبريت، والفوسفات في المناطق الغربية، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية والنفطية في إقليم كردستان. لكنه أوضح أن هذه الصناعات لم تحقق نجاحًا بسبب التدخل السياسي، الفساد، والحروب التي استنزفت البلاد خلال العقود الماضية.
وأضاف، أن "الصناعة يمكن أن تكون بديلًا ستراتيجيًا عن النفط، الذي يهيمن على الاقتصاد العراقي حاليًا". وأكد أن تطوير الصناعة سيسهم في دعم قطاعات أخرى مثل الزراعة، مما يقلل من اعتماد العراق على الاستيراد، ويوجه البلاد نحو استغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية.
بحسب زنكنة، هناك جهات سياسية نافذة لا تريد للعراق أن يصبح بلدًا صناعيًا، لأنها ترى في الصناعة تهديدًا لمصالحها الاقتصادية المرتبطة بالنفط. كما أن العديد من العقود الكبرى مع شركات النفط العالمية تتضمن مصالح لهذه الأطراف، التي تتحكم بشكل كبير في الوضع الاقتصادي والسياسي داخل البلاد.
وانتقد الباحث افتقار الحكومة العراقية إلى رؤية واضحة وخطط تنفيذية حقيقية لتحقيق شعار "العراق بلد صناعي". وقال: "عندما تحمل الحكومة شعارات الإنجازات، نتساءل: أين هذه الإنجازات؟ هل هي مجرد مشاريع وهمية أم حملات إعلامية تفتقر إلى التنفيذ الفعلي؟".
تابع حديثه بطرح تساؤلات حول جدية الحكومة العراقية في تحقيق أهدافها الصناعية، مؤكدًا أن الاستمرار في تبني شعارات دون وضع خطط وآليات تنفيذية واضحة لن يؤدي إلى أي تغيير حقيقي. ودعا إلى ضرورة التخلص من الفساد والتدخلات السياسية التي تعرقل أي تقدم في القطاع الصناعي، مع تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

البرلمان يصوت على تعديل الأحوال الشخصية والعفو وإعادة العقارات.. وحراك نيابي لإقالة المشهداني
سياسية

البرلمان يصوت على تعديل الأحوال الشخصية والعفو وإعادة العقارات.. وحراك نيابي لإقالة المشهداني

بغداد / المدى صوت مجلس النواب، على مشاريع قوانين تعديل الأحوال الشخصية والعفو العام وإعادة العقارات إلى أصحابها.وافتتح جلسة البرلمان، أمس الثلاثاء رئيس المجلس محمود المشهداني.وجرى خلال الجلسة، التصويت على "مقترح قانون الاحوال الشخصية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram