المدى/متابعة
ما زال ملف التلوّث البيئي في العراق، وخصوصاً في أنهار البلاد، وعلى رأسها نهر دجلة، يشهد تفاقماً مستمراً من دون حلول ملموسة على أرض الواقع.
وزارة البيئة العراقية أقرت نهاية العام الماضي بارتفاع معدلات التلوّث في نهر دجلة إلى مستويات قياسية، ما يثير المخاوف بشأن صحة المواطنين وسلامة البيئة.
وقالت خالدة الكناني، المسؤولة في شعبة الأمراض الانتقالية بوزارة الصحة العراقية: "رصد عينات مياه تحتوي على أمراض انتقالية خطيرة خلال الفحوصات الدورية".
وأوضحت أن "الفرق المختصة اكتشفت وجود أوبئة، وحشرات، وبيوض قمل وديدان معوية داخل أنابيب الصرف الصحي، والتي تتفاوت نسبة التلوّث فيها تبعاً لحالة البنية التحتية".
وأضافت الكناني أن"هذه العينات تُرسل مع تقارير رسمية إلى أمانة العاصمة للتحرك"، مشيرة إلى أن "المناطق العشوائية في بغداد تشهد تزايداً في الأمراض نتيجة الحفر غير القانوني لأنابيب الصرف الصحي، مما يؤدي إلى اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري. لمواجهة هذه المخاطر، تقوم الفرق الصحية بتوزيع حبوب التعقيم على السكان، خصوصاً في حال رصد أمراض معدية".
في منطقة حي المعلمين بجانب الرصافة، تعاني الأسر من سوء نوعية مياه الشرب. تقول فوزية محمود (أم شاكر): "المياه التي تصلنا إلى المنازل غير صالحة حتى للاغتسال. لونها غريب ورائحتها كريهة، ونضطر إلى شراء المياه، ما يشكل عبئاً مادياً كبيراً علين".
وأشار أوس إبراهيم، أخصائي أمراض السرطان، إلى أن "المياه الملوثة تؤثر بشكل مباشر على خلايا الجسم، استناداً إلى الفحوصات التي أجريت على المرضى".
من جهته، يرى باسم الغرابي، عضو لجنة الصحة النيابية، أن "التلوّث تفاقم بسبب إلقاء الدوائر الحكومية النفايات الصناعية والطبية في الأنهار، إضافة إلى انخفاض منسوب المياه، مما يزيد من تركيز الملوثات".
كما أشار إلى "غياب الدراسات والخطط الواضحة لمعالجة هذه الكارثة".
في السياق، يرى أسعد الخفاجي، خبير السياسات المائية، أن "الحل يكمن في فرض غرامات على الجهات التي ترمي المخلفات في الأنهار، ومنع تصريف مياه المنشآت الصحية والصناعية دون معالجتها".
كما دعا إلى "تطبيق صارم لقوانين البيئة، وإتاحة الفرصة للمتخصصين لاستعادة سلامة الأنهار، على غرار الدول المتقدمة".
إلى ذلك، مدير قسم التخطيط في دائرة بيئة بغداد، حيدر يوسف محمود، كشف أن "مياه الصرف الصحي تطرح في نهر دجلة دون معالجة كافية، حيث تصل نسبة المعالجة إلى 50% فقط بسبب تآكل الأنابيب وزيادة الضغط على البنية التحتية. يومياً، يُطرح ما بين 500 ألف إلى مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي في نهر دجلة، ما يجعل مياهه غير صالحة للاستهلاك".
وتُحمل وزارة الموارد المائية دوائر المجاري مسؤولية تلويث الأنهار بسبب طرح كميات كبيرة من المياه غير المعالجة في دجلة والفرات.
وأكد خالد شمال، المتحدث باسم الوزارة، إلى أن "المستشفيات والمنشآت الصناعية، بما فيها مصانع البتروكيماويات ومحطات الطاقة، تسهم بشكل كبير في تفاقم التلوّث. ورغم إصدار الحكومة توجيهات ربط المشاريع بمحطات معالجة المياه، إلا أن التنفيذ لا يزال محدوداً".
من جانبه، أكد وزير البيئة، نزار محمد سعيد آميدي، أن "فرق الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة والبلديات وأمانة بغداد للحدّ من التلوّث".
وأشار إلى أن "البلديات مسؤولة عن النفايات المرمية في الأنهار، بينما تعمل الصحة على تحديد نوع الملوثات".
وأضاف أن "جميع القطاعات تعمل ليلاً ونهاراً لتقليل نسب التلوّث في المياه، وسط تحديات كبيرة".
ورغم الجهود الحكومية المعلنة لمعالجة التلوّث في العراق، لا تزال المشكلة قائمة وتشكل تهديداً مباشراً لصحة المواطنين والبيئة. يتطلب الوضع اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة تشمل تعزيز البنية التحتية، تطبيق قوانين البيئة، وتحفيز الابتكارات في مجال معالجة المياه، للحد من الكارثة البيئية المتفاقمة.
المصدر: وكالات