بغداد/ تميم الحسن
هنأت بغداد تسلم دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية رسميًا، في وقت ظهر فيه خطاب التنصيب "غير مرعب" للعراق كما كان متوقعًا.
هذه التطمينات سرعان ما ستختفي بإجراءات على الأرض ضد حلفاء إيران في الداخل، بحسب سياسي مستقل.
وأخطر ملف يمكن أن يحركه ترامب، المعروف بقراراته المثيرة للجدل ضد العراق، هو "النفط" و"الدولار".
وأدى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يوم الاثنين الماضي اليمين الدستورية، ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، في حين لم تحضر أية شخصية عراقية الحفل.
وقبل ساعات من حفل التنصيب، شنت الفصائل "هجومًا كلاميًا" على مسؤولين حكوميين وقيادات في الإطار التنسيقي الشيعي على خلفية معلومات بـ"حل الجماعات المسلحة".
ورفضت الفصائل تسليم السلاح، بحسب تصريحات قيادات في تلك الجماعات، إلا بطلب "واضح ومباشر" من المرجع الأعلى علي السيستاني.
وتصاعد الحديث عن "مصير الفصائل" بعد فوز ترامب نهاية العام الماضي بانتخابات الرئاسة الأمريكية.
وكان ترامب قد أعلن في ولايته الأولى، قبل 5 سنوات، مقتل أبو مهدي المهندس (نائب رئيس الحشد السابق) والجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية قرب مطار بغداد.
وبعد عام من خروج ترامب من السلطة، أصدر القضاء العراقي مذكرة اعتقال ضد الرئيس الأميركي على خلفية حادث المطار، فيما لم تتحدث بغداد بعد ذلك عن مصير المذكرة.
أول رسالة عراقية
وعلى خلاف موقف المحكمة العراقية من ترامب، بعث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني برقية تهنئة إلى الرئيس الأمريكي بمناسبة تسلمه مهام منصبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي للسوداني، أمس، أن "برقية التهنئة تضمنت تأكيد رئيس الوزراء تطلع العراق لتعزيز أواصر التعاون والشراكة مع الولايات المتحدة، ضمن اتفاق الإطار الاستراتيجي والمصالح المشتركة للبلدين"، مشيرًا إلى "أهمية العمل على دعم أسس الاستقرار والأمن والتنمية إقليميًا ودوليًا".
وأكد رئيس الوزراء أن "الحكومة العراقية تتمسك بالعلاقات الستراتيجية مع الولايات المتحدة وتسعى إلى تفعيل وتوسيع مديات تنفيذ جميع مذكرات التفاهم الثنائية، والتنسيق الثنائي الأمني والاقتصادي تحت مظلة احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، لافتًا إلى "ضرورة تدعيم التبادل الثنائي في المجالات الثقافية والتكنولوجية ومجالات الاستثمار والتنمية المستدامة".
كذلك بعث رئيس الجمهورية رسالة تهنئة إلى الرئيس الأمريكي، فيما كان رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني أول المهنئين من المسؤولين العراقيين.
وسبق أن هنأت الحكومة دونالد ترامب فور فوزه بالانتخابات في تشرين الثاني من العام الماضي.
كما لحقت التهنئة اتصال هاتفي بين السوداني والرئيس الأمريكي، واعتبر حينها (الاتصال) بمثابة "طي صفحة مذكرة الاعتقال"، بحسب بعض التحليلات.
ولم تعلق السلطات في العراق حتى الآن بشأن المذكرة، فيما أشارت العلاقات الخارجية في البرلمان إلى أنه يمكن تجاهل الاعتقال لـ"مصلحة العراق".
وقال النائب مختار الموسوي، القيادي في بدر وعضو اللجنة، "ترامب بالنسبة للعراق وحسب القوانين العراقية هو مجرم، لكن العراق سيتعامل معه بشكل طبيعي، فهناك مصلحة للعراق بذلك".
واعتبر الموسوي أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض لن يؤثر على العلاقات بين بغداد وواشنطن، وأن "أمريكا دولة مؤسسات ولا تتأثر كثيرًا برؤساء في التعاملات الخارجية المهمة".
متى يبدأ "الرعب"؟!
وفور وصوله إلى المكتب البيضاوي، وحتى قبل انتهاء مراسم حفل تنصيبه، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوقيع سلسلة من القرارات والأوامر التنفيذية بإلغاء وتجميد قوانين اتخذتها الإدارة التي سبقته.
وتعهد في ثلاثة خطابات ألقاها يوم تنصيبه باتخاذ جملة من القرارات الخارجية والمحلية التي ستعيد "العصر الذهبي لأمريكا"، ما أثار ردود فعل واسعة.
ولم يعلق ترامب، الذي وصفه السوداني بـ"الرعب" في مقابلة سابقة مع صحفيين في لندن، بشأن إيران وحلفائها في المنطقة كما كان متوقعًا بالعراق.
وتحدث ترامب في حفل التنصيب عن الوضع في "غزة"، واعتبر أن "الهدنة قد لا تصمد".
ودفعت الهدنة التي جرت في نهاية حكم سلفه جوزيف بايدن إلى أن تتوقف الفصائل العراقية رسميًا عن "مهاجمة إسرائيل".
ودفع خطاب ترامب الأخير إلى إرسال رسائل اطمئنان للعراق، بحسب مقربين من "الإطار التنسيقي".
وكان هوشيار زيباري، وزير الخارجية السابق، قال في لقاء تلفزيوني إن قرارات ترامب حول الشرق الأوسط لن تحدث قبل "5 أشهر" من تسلمه السلطة.
وتوقع زيباري أن تتعرض بغداد لعقوبات اقتصادية، فيما أفاد بأن واشنطن لديها "ملاحظات على الجانب الميليشياوي في العراق".
وتعمل الحكومة على "دمج" فصائل توصف بـ"المتمردة"، وثلاث جماعات تعمل خارج سياقات الحشد الشعبي، بحسب وزارة الخارجية العراقية.
بالمقابل، تنفي تلك الجماعات وجود نقاش بشأن "الدمج"، كما ترفض تسليم السلاح.
ويعتقد مراقبون أن ترامب سيفتح قريبًا ملف العراق، بحسب الباحث في الشأن الاقتصادي زياد الهاشمي.
ودعا الهاشمي في تغريدة على "إكس" إلى مواجهة عقوبات محتملة لترامب بـ"وقف تهريب النفط والدولار إلى إيران".
وسبق لـ"الإطار التنسيقي" أن نفى مناقشة "دمج الحشد"، ما يظهر انقسامًا داخل القوى الشيعية بشأن الفصائل.
وطلب "الإطار" عقب إعلان "رفض الدمج" القوات في العراق إلى "الاستعداد لخطر محتمل".
تحليل سياسي
في غضون ذلك، علق النائب السابق والسياسي المستقل مثال الآلوسي على خطاب ترامب وعدم التطرق لطهران وحلفائها في المنطقة، بأنه "لا يمكن لرئيس أكبر دولة في العالم أن يطلق التهديدات على طريقة الفصائل وإيران".
وقال الآلوسي في حوار مع (المدى)، إن "السياسة الأمريكية الجديدة هي نقيض متكامل لسياسة بايدن وأوباما (الرئيسين الأمريكيين السابقين)"، مبينًا أن "ترامب أطلق في حفل التنصيب ووقع قرارات، وقال بشيء من السخرية (لا أعتقد أن الرئيس بايدن يستطيع أن يفعل هذا)".
ويرى النائب السابق، أن ذلك يعني سياسة أمريكية جديدة "علينا الحذر من أن نُورّط بلادنا وشعوبنا بمتاهات هذه السياسة الجديدة"، على حد وصف الآلوسي.
وتابع الآلوسي: "المعلن، الرئيس ترامب سيفعل الاستفادة من الثروات الأمريكية وتحديدًا النفط، وأكيد أسعار النفط ستنخفض ربما لا تتجاوز 40 أو 50 دولارًا، وستدخل ميزانية العراق وقتذاك في متاهة رهيبة".
وأشار النائب السابق إلى أن إجراءات ترامب البعيدة عن الحرب ستكون بملاحقة من يقوم بالتهريب ودعم إيران بالدولار، وقد يصل الاتهام بها إلى "الإرهاب".
وتوقع أن تلاحق هذه الاتهامات مسؤولين، وفصائل، ومصارف، وأحزابًا، وكل من يهرب الدولار، على حد قول الآلوسي.
وأكد النائب السابق أن دعوة ترامب لإنهاء الحروب وإحلال السلام وتفعيل المجتمع المدني والقانون "لا تنسجم مع إيران، والفصائل، والأحزاب الفاشلة".