TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

نشر في: 30 يناير, 2025: 12:41 ص

د. كاظم المقدادي

(2-2)
التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحة
مطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون تمييز، ليس وليد اللحظة، وإنما هو مطروح من 15 عاماً.
وقد قامت من أجله الهبة الشعبية في 2011 وإنتفاضة تشرين في 2019، وضحت الجماهير العراقية وفي مقدمتها الشبيبة، بأغلى ما تملك، أكثر من 30 ألف شهيدأ وجريحاً ومعوقاً جسدياً باعاقات مستديمة، نجمت عن إطلاق الأجهزة القمعية للرصاص الحي على المتظاهرين السلميين.إضافة الى مئات المعتقلين والمختطفين والمعذبين والمغيبين، وممصير العديد منهم مجهول لحد اليوم.
لقد أرادت القوى المدنية والوطنية الديمقراطية ان يتحقق هذا المطلب المشروع سلمياً، وان يكون داخلياً صرفاً، وفق مشروع وطني، إلا ان الطبقة السياسية الحاكمة رفضت الإستجابة له بكل صلافة وإستهتار، تمسكاً بكرسي السلطة وإمتيازاتها غير المشروعة على حساب فقر وجوع ومرض ومعاناة الغالبية العظمى من العراقيين، الذين دفعتهم للتظاهر مطالبين بوطن وخدمات وحياة أفضل.
تأكيداً لهذا، كتب جاسم الحلفي مقالآ بعنوان: "التغيير موضوعة داخلية"، جاء فيه: "ان التغيير نحو الدولة المدنية الديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية، غير ممكن الا عبر الإرادة الشعبية، وبتنسيق جهود قوى التغيير الحقيقي مع المعارضة الشعبية الواعدة " ("طريق الشعب"، 7/6/2022).
ومن هذا المنطلق إنبثقت في اَب 2022 " قوى التغيير الديمقراطية"،التي ضمت كلاً من الحزب الشيوعي العراقي، حركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، حزب البيت الوطني، التيار الديمقراطي، تيار الوعد العراقي، حراك البيت العراقي، حركة تشرين الديمقراطية والتيار الإجتماعي الديمقراطي.وأكدت في مؤتمرها الأول توجهها لتحالف واسع، يمثل بديلا وطنيا لإدارة الدولة العراقية، ينهض بمهمة إحداث التغيير المنشود في النظام السياسي،وتحقيق الاستقرار والازدهار.وفتح الحوارات مع كل القوى الديمقراطيّة الوطنية المتبنية لهذا النهج.
وأكد برهم صالح، رئيس الجمهورية السابق:" يتوق العراقيون بشدة إلى معالجات جذرية للخلل البنيوي في منظومة الحكم، وتجاوز ما خلّفه العقدان الماضيان من إخفاقات، عبر حوار وطني حقيقي وإصلاح يحقِّق لهم حكماً رشيداً يضمن حقوق جميع المكونات ويحفظ خصوصياتهم، عبر إعلاء مبدأ المواطنة" ("الشرق الأوسط"،28/12/2023).
ومؤخراً تساءل محمد عبد الرحمن:"هل العراق على أبواب التغيير؟ "، ورأى: "منذ تحقيق النصر العسكري على داعش عام 2016 وحتى اليوم لم نلمس إجراءات جدية تطمئن المواطن العراقي الى ان بلده يسير في الاتجاه السليم، فيما تفاقمت ظواهر سلبية عديدة بضمنها ظواهر الفساد والسلاح المنفلت، وافشال كل مسعى للخروج من شرنقة المحاصصة والولوج الى فضاء المواطنة المبرّأة من ادران الطائفية والانغلاق والتقوقع باختلاف أنواعه".وبين "إن الهوة تكبر بين المواطنين والأقلية الحاكمة المحتكرة للسلطة والمال والاعلام".وإختتم: "نعم التغيير الشامل مطلوب، ولكن بأيدٍ عراقية وعلى وفق اجندة وطنية، وهو ليس استحقاقا وليد اللحظة وردّ فعل على التطورات الراهنة في المنطقة، التي قد تكون دفعته الى المقدمة وأبرزته.. انه مطلوب منذ سنين، لأجل سلوك نهج يضع مصالح الشعب والوطن أولاً("طريق الشعب"،15 /12/2024).
وفي هذا السياق، شهدت السنوات الأخيرة إطلاق العديد من القوى الوطنية والديمقراطية والمدنية والتشرينية دعوات بناءة لإحلال البديل الوطني بديلآً عن منظومة الفساد والمحاصصة ونهب الدولة. ونشرت الصحافة العراقية،وفي مقدمتها "المدى" و"طريق الشعب"، والعديد من برامج الفضائيات،حوارات مع شخصيات عراقية، سياسية وإجتماعية وثقافية وأكاديمية، من بغداد والمحافظات العراقية بشأن حالة الانسداد السياسي ونتائج المحاصصة الطائفية التي تنتهجها القوى المتنفذة في إدارة البلاد.وقد أبدت استياءها من الفشل الذريع للقوى الحاكمة، فيما شددت على أن المرحلة أصبحت تتطلب ايجاد بديل سياسي يغير الواقع الحالي، وينتهج سياسة وطنية، بعدما عاث المتنفذون فسادا منذ عام 2003 وحتى اليوم.
وقبل أيام أكد الصحفي فاضل النشمي تداول العراقيون، على المستويين السياسي والشعبي، في هذه الأيام، إمكانية تأثير التطورات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، على العراق، وما قد ينجم عن ذلك من ارتدادات وتغيرات محتملة.ونقل رأي الباحث والمحلل الأكديمي د.يحيى الكبيسي بأن " النظام السياسي العراقي الذي تشكل في عام 2003 لم يعد سوى شكل فارغ، وأصبحت علاقات القوة هي العنصر الحاكم. لذا، عندما يحدث تغيير في علاقات القوة على مستوى المنطقة، ستكون له ارتدادات حتمية في العراق".
وتأكيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، د. إياد العنبر، بأن " موضوع التغيير في العراق أصبح يشغل حيزاً كبيراً من النقاشات، بناءً على التحولات في المنطقة، وما ترتب عليها من تغييرات في النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد ما حدث في لبنان وسوريا ".ويعتقد أن " هناك عدة سيناريوهات يمكن التفكير بها، مثل حدوث انقلاب بنيوي داخل السلطة في العراق، حيث تتخذ الحكومة إجراءات لإعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية، بما يسمح بإلغاء ثنائية وجود الفصائل والحشد وسلاح موازِ ("الشرق الأوسط"، 15/12/2024..
وكتب أ.د. سامي الموسوي مقالآ بعنوان: "التغيير المطلوب: إنهاء الهيمنة الإيرانية وبناء نظام سياسي وطني ومستدام في العراق"، جاء فيه: " لقد أصبح العراق دولة فاقدة للسيادة، تحكمها طبقة فاسدة وغير مؤهلة تخدم المصالح الإيرانية بشكل علني. هذا الواقع المؤلم غذى أغلب مشكلات البلاد، مهما كان ذلك مؤلمًا، وجعل الجيش العراقي في حالة من الضعف، وأبرز دور الميليشيات المسلحة ذات الولاء لإيران، والتي تستغل الوضع لتحقيق أهدافها التعسفية. لقد اندلعت ثورة تشرين من وسط المدن الشيعية، مطالبة بالإصلاح وبتحرير العراق من الهيمنة الإيرانية، لكن قُوبلت بالقمع بوسائل وحشية، وبمشاركة قناصين وميليشيات مسلحة تستلم أوامرها من مكتب المرشد الإيراني".
وأكد ان تغيير النظام السياسي في العراق يتطلب إجراء إصلاحات قانونية ودستورية عميقة، تبدأ بمراجعة الدستور العراقي لتعزيز توازن أفضل بين الحقوق والحريات، واستبعاد المحاصصة الطائفية القائمة. وسن قوانين تعزز الديمقراطية، وتدعم الشفافية، وتُفعّل مكافحة الفساد.وتعزيز المؤسسات الحكومية وإستقلالية القضاء، وتطوير نظام قضائي فعال. وتشكيل هيئات مستقلة لمكافحة الفساد والمفسدين، دون تمييز. وحل الميليشيات وتسليم أسلحتها للدولة، مع دمج بعض أفرادها في القوات الأمنية على أن يتعهدوا بعهد مكتوب بالولاء للعراق فقط.ويتوجب إعادة تشكيل البرلمان، من خلال نظام جديد يُعزز من التعددية ويضمن تمثيل جميع فئات المجتمع وينهي الحقبة الطائفية ("صوت العراق"،14/12/2024)..
ان التغيير مطلوب، لاسيما وان العراق يواجه تهديدات خارجية، أمريكية صهيونية وتركية، لفرض إرادتها عليه بالقوة، والحكومة لن تستطيع مجابهتها من دون دعم كافة قوى الشعب، التي يتعين كسبها وتفعيل دورها، يداً بيد االجيش والشرطة الإتحادية والقوات الأمنية الأخرى.
لكن الدعم الواسع للجماهير العريضة لن يحصل من دون إجراءات ضرورية وعاجلة لكسبها،وأولها تضييق الهوة بينها وبين الأقلية الحاكمة المهيمنة على الاسلطة، وتأمين الخدمات العامة، وتحسين الحالة المعيشية، بإجراءات فورية، تتزامن مع الشروع بالتغيير المطلوب للمنظومة السلطوية، الذي يُمهد عملياً لتغييرها جذرياً، مُلغياً نهج المحاصصة وتقاسم المغانم، وإحتكار السلطة،ويكسر ظهر كبار الفاسدين والقتلة، ويطلق الحريات العامة.
والشروع بالتغيير المطلوب يبدأ بأول خطواته: عقد مؤتمر وطني واسع وجامع، يتبنى حواراً واسعاً تشارك فيه كافة القوى السياسية الوطنية والمدنية والديمقراطية، والإتحادات والنقابات العمالية والمهنية، الى جانب ممثلي مؤسسات الدولة،التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وان يستهدف المؤتمر إعادة النظر بالعملية السياسية الراهنة، بما يمهد الطريق لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية، دولة المؤسسات وسيادة القانون.
وان ينهض بتشكيل اللجان الوطنية المطلوبة لإقتراح الإجراءات والقوانين التي تحتاجها الإصلاحات، دستورياً وقانونياً وسياسياً وإدارياً وإقتصادياً.
ولتأمين الإصلاحات مادياً يتعين إرغام الأحزاب المتنفذة والمسؤولين وسراق المال العام، قانونياً، على إرجاع ما نهبوه من أموال وممتلكات.
ولابد من تفعيل القوانين، وتطهير القضاء ليكون له الدور الفاعل في ردع كبار الفاسدين والحرامية وعصابات الجريمة المنظمة، الى جانب حماية حقوق الإنسان ومعاقبة منتهكيها.وإطلاق سراح كافة المعتقلين والسجناء الأبرياء،والكشف عن مصير المغيبين.ومحاسبة قتلة المتظاهرين ومن ورائهم.
والشروع فوراً في حصر السلاح بيد الدولة، وحظر نشاط أي تشكيل أو فصيل مسلح خارج إطار القانون، وولاءه لغير العراق. وتطبيق قانون الأحزاب الذي يحظر على الكيانات السياسية إنشاء مجاميع مسلحة.وإعادة تشكيل الحشد الشعبي وإندماج قواته بالقوات المسلحة، وتحديد مهماته داخل العراق فقط، وإعلان ولاءه للدولة العراقية. وبعيد عن النفوذ الإيراني.
والمهم جداً ان يدرك الجميع بان المطلوب ان تكون عملية التغييرعملية داخلية صرفة، بأيادي عراقية نظيفة وحريصة،وبموجب الدستور والقوانين المرعية.ولا تغيير جذري بوجود المحاصصة، والفساد المالي والإداري، وفوضى اللادولة، والمليشيات، والسلاح المنفلت، وبقاء أموال وممتلكات الدولة بيد ناهبيها، وإستمرار كبار الفاسدين والقتلة طلقاء ويصولون ويجولون..
تلكم هي خطوات تكسب جماهير الشعب العريضة،وتستنهضها للمشاركة الفاعلة في درء المخاطر المحدقة بالبلد.وقد أكدت طموحها بتغيير المنظومة السلطوية تغييراً داخلياً وسلمياً.ولو يوجد متدينون حقيقيون وسط الطغمة الحاكمة لضغطوا عليها لتسمح،بل ولتشارك في عملية التغيير المطلوب، لتكفر عن ذنوبها التي إقترفتها بحق الشعب والوطن طيلة عشرين عاماً، وعن فشلها الذريع الذي أقرته وأرجع العراق للوراء قرناً كاملآ. وعندئذ سيُسَجلُ لها تلافي أخطائها، وقطعها الطريق بوجه القوى الخارجية ومشاريعها الغاشمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جيوب نظيفة!!

العمود الثامن: بروتوكولات مقهى ريش

العمود الثامن: الفشل بامتياز

قناطر: كسل وغباء "رأس المال" العراقي

عن التقاطع التنموي في المشهد السياسي

العمود الثامن: القاهرة واستذكار بغداد

 علي حسين تقيم معظم البلدان متاحف لفنونها وحضارتها، ومتاحف اخرى تحتفظ فيها بكنوز الفن العالمي، لكي تذكّر الأجيال القادمة بالذين نثروا ألوانهم وأقاموا النصب المرمرية، لأن الذاكرة البشرية بحاجة إلى تذكّر ان التاريخ...
علي حسين

كلاكيت: عدي رشيد في «أناشيد آدم» سعي للنهوض بوعي المتلقي من أجل إثارة الأسئلة

 علاء المفرجي تأريخ السينما العراقية طويلا قياسا الى مثيلاتها باقي شعوب المنطقة، فالسينما العراقية لم تبدأ بالإنتاج إلا في منتصف الأربعينيات، ولم يكن الإنتاج الأول، إلا انتاجا مشتركا مع مصر، ولم تستطع منذ...
علاء المفرجي

المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

د. كاظم المقدادي (2-2)التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحةمطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون...
د. كاظم المقدادي

الشُّعوبيَة والشّعبويَّة.. لكلٍّ زمنه

رشيد الخيون يعيد اِصطلاح "الشَّعبوبيَّة" اليوم إلى الأذهان الحركة "الشُّعوبيَّة" في الأمس البعيد، مع أنَّ كلاً له زمنه ودلالته، كلاهما منحوتان مِن "الشَّعب" و"الشُّعوب". نَعتَ البعضُ بالشَّعبويَّة الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب، في حملته الانتخابيّة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram