بغداد/ تميم الحسن
يستمر محمود المشهداني، رئيس البرلمان، في فرض صورة مختلفة عن "النمطية" التي كانت متوقعة حين اختير للمنصب قبل أكثر من 3 أشهر، وهو يحاول، على ما يبدو، سحب "فيتو إيران" ضد تطبيع العلاقات العراقية – السورية.
ويخالف رئيس البرلمان، في زيارته الأخيرة إلى طهران، نهج الإطار التنسيقي الشيعي، الذي ما زال مترددًا في التواصل مع الوضع الجديد في سوريا، ويعتقد (الإطار) أن هناك "مؤامرة" لنقل "التجربة السورية" إلى العراق.
المشهداني، وبحسب بيان لمكتبه، قال أمس إن الأخير "قدم مقترحًا لتبني العراق مؤتمرًا لدول الجوار العربي والإسلامي لدعم استقرار سوريا والوقوف معها في ظل التغيير الذي تشهده".
وجاء ذلك خلال لقاء جمع المشهداني مع مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي لاريجاني، أثناء الزيارة التي يجريها رئيس البرلمان إلى طهران.
وأكد المشهداني، بحسب البيان، أن "العراق حريص على وحدة سوريا واستقرارها، وينبغي دعم نظام ديمقراطي فيها بمشاركة جميع الأطراف دون تهميش أو إقصاء".
ومن جانبه، ثمّن لاريجاني "المقترح العراقي"، مؤكدًا أن "طهران ستكون أول الدول المشاركة في هذا المؤتمر، فيما لو اتفق عليه الجميع".
مقترح المشهداني، بحسب تسريبات، يحاول إزالة "فيتو إيراني" على التطبيع العراقي مع سوريا، منذ استلام المعارضة هناك مقاليد الحكم نهاية العام الماضي.
وترى أصوات في الداخل أن من مصلحة بغداد التقارب مع الأوضاع الجديدة في سوريا.
هوشيار زيباري، وزير الخارجية الأسبق، قال على منصة "إكس": "الحكومة العراقية متأخرة في التواصل مع قيادة سوريا الجديدة، بعكس الدول العربية المشرقية، وتحديدًا الأردن، السعودية، الكويت، قطر، فلسطين، لبنان، عُمان، البحرين. ومن مصلحة البلد التعامل الإيجابي مع الوضع القائم كما هو، لأن الفوضى في سوريا سوف تهدد أمن واستقرار العراق مباشرة".
وحتى الآن لم تقدم بغداد التهنئة إلى أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد، منذ تسلمه المنصب الأسبوع الماضي.
وبحسب مسؤولين في الإطار الشيعي، فإن سبب تأخر "التهنئة" يعود لوجود ملاحظات عراقية على "الشرع" وعدد من طاقم الحكومة الانتقالية في سوريا.
وقبل أيام، أعلنت الحكومة العراقية أنها تدرس قيام وزير الخارجية بزيارة رسمية إلى دمشق، بحسب نائب رئيس الوزراء فؤاد حسين.
وجاء هذا التطور بعد زيارة أجراها هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، إلى بغداد الأسبوع الماضي، تناولت الأوضاع في سوريا.
ويخشى العراق، بحسب وزير الخارجية، انتقال بين 10 إلى 12 ألف عنصر من تنظيم "داعش"، الموجودين في سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وتأسيسًا على ذلك، تتداول الأوساط السياسية معلومات عن احتمال طلب بغداد من واشنطن تأجيل انسحاب القوات الأمريكية، المقرر تنفيذ المرحلة الأولى منه هذا العام (اتفاق الانسحاب على مرحلتين، وينتهي في 2026).
ويظهر نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، من أشد المعارضين للتطبيع مع سوريا، بل يحذر من التعامل مع دمشق.
ويوم السبت الماضي، دعا المالكي، في كلمة له خلال مؤتمر لقبائل وشيوخ محافظة كربلاء، إلى ضرورة "الوقوف في وجه من يحاولون تكرار التجربة السورية في العراق".
وأشار إلى أن "العراق بلد مستقر وديمقراطي، رغم وجود بعض الثغرات والاختراقات التي يجب الانتباه إليها".
وقال: "إن الطائفيين والبعثيين بدأوا يتحركون في غفلة من الأجهزة الأمنية"، مستدركًا: "ما دمنا موجودين والسلاح بيدنا، فسيندمون".
الزعيم السُني
بعد أيام فقط من اختيار المشهداني لرئاسة البرلمان، نهاية تشرين الأول 2024، دعا، في بيان مشترك مع 5 رؤساء سابقين للبرلمان، إلى إطلاق حوار وطني شامل، ومعالجة مظالم السجناء وقضايا العنف السياسي، في بيان عكس حينها التطورات الأخيرة في سوريا والمنطقة.
وظهر المشهداني وهو يكسر الصورة النمطية التي رُوّجت له أثناء فترة البحث عن رئيس برلمان خلفًا للحلبوسي، بأنه "غير جدلي" و"مطيع للإطار التنسيقي".
وأفادت تحليلات عرضتها جريدة (المدى) عقب اختيار المشهداني لرئاسة البرلمان، بأنه "متمرد" وبأنه "سينقلب على الحلفاء الشيعة".
وفي الشهر الماضي، أسس المشهداني، مع أطراف سنية، باستثناء محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، مجموعة قريبة من فكرة "الإطار التنسيقي" بغلاف سُني، تحت اسم (القيادة السنية الموحدة)، أظهرت انجذاب المشهداني لفكرة "الزعامة" التي يطمح لها كل شخصية سنية تتسلم رئاسة البرلمان.
ونجحت هذه المجموعة (القيادة السنية) في الحصول على قانون العفو العام، الذي مُرِّر الأسبوع الماضي، وهو يعتبر مطلبًا سنيًا طالبت القوى الشيعية 7 سنوات قبل الموافقة عليه.
وترى أطراف شيعية أن الظروف في المنطقة ساعدت على تمرير القانون، بعد نصيحة إيرانية بعدم إثارة غضب الشركاء، خوفًا من تسلل الأوضاع الجديدة في سوريا إلى العراق.
ويبدو المشهداني، وفق تلك القراءة، يستثمر في "القلق الشيعي" ويريد الحصول على أكبر مكاسب تحفظ في سجله السياسي، الذي تعرض إلى هزّات بسبب ملاحظات على أدائه السابق في المجلس.
وكان المشهداني قد وصل، مساء الأحد، إلى العاصمة الإيرانية طهران، تلبية لدعوة رسمية من رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف.
ونصح المشهداني، في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني، بحل خلافات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الولايات المتحدة وأوروبا "عبر الحوار".
لماذا زار المشهداني طهران؟
يجيب الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، زياد العرار، على ذلك، قائلًا: "إن زيارة المشهداني إلى طهران تأتي في سياق ما اعتاد عليه رؤساء البرلمان، باستثناء أسامة النجيفي (رئيس البرلمان الأسبق)، الذي لم يكن متوددًا إلى إيران، لكن أغلب الرؤساء يتوددون إلى إيران، وذلك لأن إيران فاعلة في المشهد العراقي".
ويضيف العرار لـ(المدى): "بطبيعة الحال، هذه الزيارة ليست مضرة بالمشهداني إلى طهران، لأنه يتباحث ويتناقش في أمور كثيرة حول الدور الإيراني، وتأثير إيران على القوى السياسية العراقية، وإذا حصل توافق، فبالتأكيد سيكون لهذا تأثير إيجابي على استقرار البلاد".
ويرى الباحث أن ما يطرحه المشهداني بصفته الشخصية، لا يعني أنه ممثل عن القوى السنية، فهناك تباين واختلافات داخل المنظومة السنية، وهو لا يمثل وجهة النظر الرسمية للبرلمان، وإنما وجهة نظره كـ"زعيم سياسي".
وقال العرار: "إن المشهداني من صقور العملية السياسية، ولديه رؤى وتوجهات، ومن حقه أن يطرح ما يراه مناسبًا لعقد مؤتمر ولقاء، وبحث وضع إقليمي، لأنه رئيس برلمان العراق، والعراق الآن فاعل في المحيط الإقليمي".
المشهداني، والكلام للعرار، يحاول أن "يلعب دورًا شخصيًا له، ودورًا للعراق في أن تكون هناك بوصلة في طبيعة العلاقات بالإقليم، لأن واقع الحال وقواعد العمل السياسي في المنطقة تغيرت بعد أحداث غزة ولبنان".
ويتابع الباحث: "وفي سياق الشد والجذب بين طهران وواشنطن، يحاول المشهداني أن يجعل منها حالة جديدة يكون هو راعيها".
وعن الزيارة أيضًا، يؤكد العرار أنها "مهمة لأنها تأتي في خضم أوضاع ملتهبة، والعراق يحاول أن يتجنب مخاطر ما يحدث في المستقبل في ظل احتدام الصراع والتصعيد منذ وصول ترامب (الرئيس الأمريكي)، والذي يبدو أنه قد يشمل العراق".
ويرى الباحث أن نتائج الزيارة ستظهر في غضون أسبوعين أو الثلاثة القادمة، مشيرًا إلى أن "من سيقوم بزيارة بغداد بعد ذلك من المسؤولين الإيرانيين، حينها ستتضح نتائج زيارة المشهداني".