بسام عبد الرزاق
اقام بيت المدى في شارع المتنبي، الجمعة الماضية، اصبوحة تأبينية للمهندس والمعماري العراقي الكبير الراحل هشام المدفعي، استهلها الباحث رفعة عبد الرزاق بالحديث عن حياته المساهمة النوعية في اصدار مذكرات الراحل الشخصية.
وقال عبد الرزاق، ان "الراحل المهندس هشام المدفعي شخصية عراقية مرموقة قدم لهذا البلد الشيء الكثير وقد قدم خدمات كبيرة على مدى سبعة عقود من حياته العملية، وهو طالما قدم لوطنه ما يجعلنا نطمئن الى انه من الشخصيات الوطنية والمؤسسة لهذا الوطن".
وأضاف، ان "هشام الدفعي المهندس الاستشاري فارقنا بعد حياة مليئة بالمنجزات العمرانية والهندسية، والفاجعة برحيله هي فاجعة وطن ونكبة شعب، وهؤلاء الراحلون لم نجد من يعوض رحيلهم، حتى كأني أرى العراق في عقوده الأخيرة قد عقم عن ولادة مثل هؤلاء الراحلين".
وبين انه "لقد انتهت حياة هشام المدفعي بعد شيخوخة صالحة لم يترك سنواتها هباء، فقد أصدر في سنواته الأخيرة مذكراته الكبيرة بعنوان (نحو عراق جديد) وقد ساهمت شخصيا بتحرير هذه المذكرات بعد ان قرر المدفعي ان ينشرها، وقدم لي آلاف الأوراق والملفات والكاسيتات والصور، حتى استوت بهذا الكتاب الكبير".
وأوضح عبد الرزاق، ان "المدفعي عاش 97 سنة قضى منها 70 سنة في بالعمل العام، ولاسيما في مدينته بغداد، وكان أحد اركان النهضة العمرانية في العاصمة بغداد وقد ذكر تفاصيلها في مذكراته".
أول المتحدثين الضيوف، المهندس المعماري علي النوري، قال ان "الأستاذ المدفعي من عائلة بغدادية اصيلة ومعروفة، واخوه الكبير قحطان المدفعي علم من اعلام العمارة العراقية وروادها، وعصام علم من اعلام العراق في التصميم الداخلي، وكذلك سهام في الكيمياء وخوه الصغير الهام المدفعي في الموسيقي والفنون، وابوه كان صديقا للرصافي والكرخي".
وأشار الى ان "المدفعي خريج سنة 1950 ومارس العمل في القطاعين العام والخاص، اشتغل مع شركة النفط الوطنية وأشرف على تنفيذ قناة الجيش، وفي القطاع الخاص أسس مع اخوه قحطان المدفعي مكتب دار العمارة الذي صمم وزارة المالية والعديد من الأبنية في بغداد، وذهب بعدها الى منطقة المنصور واسس مكتبه الذي اهتم بشكل رئيسي في التخطيط بالعراق، ومن أشهر اعماله اعداد قانون للتخطيط العمراني في العراق وإعادة النظر بكافة القوانين الخاصة بالتخطيط العمراني منذ عام 1936 لغاية 2010".
وأكمل حديثه بالقول، انه "من ضمن إنجازاته في التخطيط الاعداد لتخطيط 10 مدن في العراق، من بينها الزبيدية والشحيمية والقاسم والمحاويل، وخطط اربع محافظات (المثنى وكربلاء وبابل وصلاح الدين) ومؤخرا خطط محافظة الانبار، وفي التخطيط الحضري لديه مشروعان رائدان، الأول تخطيط مدينة الموصل القديمة وأيضا خطط مركز مدينة الكوفة التاريخي وحصلت إشكالات في ذلك التصميم وبعد اعداد التصميم لمدة سنة ومناقشته مراحله وعندما رفع الى المحافظ رفضه كليا، والمشروع للحفاظ على مدينة الكوفة القديمة، والمحافظ جاء بفكرة جديدة واراد إزالة المدينة وبناء مدينة جديدة من 60 طابقا لا علاقة لها بالمدينة، ورفضنا هذا المقترح كونه يدمر المدينة".
المستشار في رئاسة الجمهورية، عادل اللامي، أوضح ان "المدفعي لم يكن مهندسا فقط، بل كان فنانا ويعشق الحياة والموسيقى وكذلك الحياة الاجتماعية، وعلاقتي بالراحل استمرت 20 سنة وهي علاقة حميمة وكنا نتبادل الزيارات ونحضر جلسات نتحدث فيها عن الأمور السياسية والاجتماعية، وكان الحديث عن أحوال البلد وهو يذكر مشاكل البلد دائما لاسيما بعد 2003 وحديثه يكون بالم كبير ويطرح مقترحات كثيرة عن الوضع".
وأضاف، ان "الراحل المدفعي اصطم ببعض العقليات في الحكومة العراقية ولم تمضي المشاريع التي تقدم بها، ومنها ثلاث مشروعات معنية بتسهيل اجازات البناء والاستيراد والتصدير وتسجيل الشركات، وهي الان في رفوف المستشارين تعلوها الاتربة".
استاذة الهندسة المعمارية د. شذى العامري، قالت في كلمة انه "باسم مهندسي العراق نعزي أنفسنا بفقدان ركيزة مهمة واساسية من ركائز العمل الهندسي وعلم من اعلام الهندسة والتخطيط في العراق، بدءا من العهد الملكي والجمهوري وحتى بعد سقوط بغداد عام 2003 والى ان وافاه الاجل".
وأضافت انه "المدفعي سجل الإنجازات التي نفخر بها والتي تعد دروسا يستمد منها الأجيال الهندسية علما وإدارة وجهدا هندسيا ملموسا على ارض الواقع".
وتابعت، ان "هشام المدفعي تلك الشخصية النادرة والمحبة والواعية لكيفية بناء العراق وفق أسس تخطيطية مدروسة، جمع بين الهندسة والفن والثقافة والادب من خلال نشأته في أحضان اسرة متجانسة ومحبة للخير والجمال، ومنذ ان تخرج من كلية الهندسة عام 1950 ولمدة 70 عام من العمل الهندسي المتواصل، وتعرض الى الضغوطات الكثيرة التي لم تستطع قهره عن الاستمرار في عمله".
بدوره قال الأستاذ عادل العرداوي، انه "عملت معه وظيفيا بحدود 10 سنوات وشعرت انه يختلف عن باقي المسؤولين في الدولة واكن الشخص الثاني بعد أمين العاصمة بغداد، ويحمل كاريزما خاصة وشخصية مختلفة وحازم في العمل الميداني ولا يعترف بانتهاء الدوام وإذا أحس ان هناك خطأ انشائي يعيد العمل من جديد".
وأكمل ان "هشام المدفعي ابن حسن فهمي المدفعي، وهو أحد بناة الدولة العراقية الحديثة، وهذا الوالد تولى مناصب مهمة وحساسة في بدايات تأسيس الدولة العراقية ومنها مدير عام الشرطة العراقية ومتصرف لواء كربلاء وكركوك، وهو الذي سلط الضوء على الطريق البري الذي يربط العراق بالسعودية".
ومضى بالقول، ان "هشام المدفعي عمل في مجلس الاعمار عام 1950 وهو المجلس الذي أصبح في العهد الجمهوري مجلس التخطيط، وعمل في القطاع الخاص فترة طويلة وكان يعتني بالمهندسين الشباب وتفرت لي الفرصة حضور هه الاجتماعات في الثمانينات، وهو محب وصديق مخلص ومتذوق للأدب ومن أصدقائه د. حسين علي محفوظ ود. كمال السامرائي ود.علي الوردي ود.مصطفى جواد وناجي الساعاتي وعبد الحميد الرشودي واحمد سوسه".
في ختام الجلسة التأبينية، اقتبس د. حميد حسون العكيلي بيتا لأمير الشعراء احمد شوقي عندما قال: الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون في بطن الأرض احياء.
وأضاف، انه "لا شك ولا ريب ان الحديث عن شخصية أسهمت ولازالت إنجازاتها شاخصة هكذا شخصية لن ولم تموت، بل باقية بمنجزاتها وما تركته من أثر طيب على الأرض".
وأشار الى انه "التقيت الراحل وكان معينا لا ينضب وقلبه وداره مفتوحة لجميع الباحثين، وعندما تحدث عن نفسه وكأنه يتحدث عن ومضات ودروس لمن يريد الاعتبارات، وقال ان والدي دائما ما يرغب بإبعادنا عن السياسة، وانا عندما تخرجت عام 1949 وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان هناك انفراج سياسي وعندما وصل الى السلطة توفيق السويدي اتاحوا حرية للأحزاب السياسية وكان يحرص المدفعي عن ابعاد أبنائه عن السياسة والأحزاب ويبدو انه اكتوى من السياسة".