TOP

جريدة المدى > محليات > متلازمة الغطرسة لدى الحكّام العرب

متلازمة الغطرسة لدى الحكّام العرب

(تحليل سيكولوجي)

نشر في: 10 فبراير, 2025: 12:02 ص

د. قاسم حسين صالح

يعدّ (اللورد دافيد أوين) وزير خارجية بريطانيا الأسبق ورئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي، هو الذي ابتكر مفهوم (متلازمة الغطرسة).. ووصفه بانه اضطراب يشيع بين السياسيين، وأنه يؤثر في صانعي القرار من الحكام والمسؤولين.ولقد توصل الى ذلك من خبرة نظرية وميدانية جمع فيها عمليا بين الطب النفسي والسياسة!
ويستشهد(دافيد اوين) الطبيب النفسي والسياسي المخضرم بالقرارات التي اتخذها جون كنيدي في مشكلة خليج الخنازير للأطاحة بالرئيس الكوبي فيديل كاسترو، ولندن جونسون الذي اصيب بالأكتئاب وقراراته الخاطئه الخاصة بمشكلة فيتنام، ورئيس الوزراء البريطاني أنتوني ايدن أثناء العدوان الثلاثي على مصر واستعماله للمهدئات، وفرانسو متيران، وشاه ايران، والرئيس الامريكي نيكسون الذي اصيب بالقلق والاكتئاب.
ولدى تمعننا بأعراض متلازمة (الغطرسة) وجدنا ان اخطر هذه الاعراض متوافره لدى معظم القادة العرب. فالحاكم العربي مهووس بـ(ذوبان الذات في السلطة) كذوبان العسل بحليب الصباح، بحيث يستحيل فصل نفسه عن السلطة، بل انه يضع علامة (=) بينه والوطن، ولكم ان تتذكروا شعار: (صدام حسين هو العراق!).
ولذا يبيح الحاكم العربي لنفسه استخدام اقسى وسائل العنف ضد من يهدد بقاءه في السلطة، وان اقتضى الأمر فأنه يتخذ قرار (عليّ وعلى اعدائي) لأن من اعراض (الغطرسه) ايضا (اندفاعية القرار) وهذا ما جسده القذافي ضد شعبه وآخرين تعرفونهم.
حاكم معاصر بجلباب خليفة!
مع ان معظم الحكام العرب (افندية) بمن فيهم آخرهم (احمد الشرع)! فانهم مصابون بثلاثة اعراض من متلازمة الغطرسة، هي: (استعمال لقب نحن) و (الاعتقاد الراسخ بتبرئته امام الله والتاريخ) و (الاقتناع بالاستقامه).
فمع ان الحاكم العربي ارتكب افضع القبائح (افقار الناس وكنز المليارات وافساد الضمائر، والقتل والتعذيب،..) فأنه يخص نفسه بالاستقامة الاخلاقية، ويعدّ نفسه مثال المتحلي بالاخلاقيات الرفيعة، وان مساءلته هي من اختصاص الله وحده وليس للشعب حق في ذلك. وهذه ناجمة من حالة كنّا شخصناها هي ان رئيس الدولة العربي تتحكم به (سيكولوجيا الخليفة) التي تعني اعتقاده بأنه امتداد للخليفة..سلطة الله في الأرض..التي تشفرت في اللاوعي الجمعي عبر 1400 عاما.
ديمقراطي و..متغطرس!
انك لتعذر الحكام الدكتاتورين المتغطرسين عذرك لقاتل مصاب بخلل عقلي..ولكن لا عذر لحاكم ديمقراطي يكون متغطرسا، وان التمس الاعذار لدفع الاخطار وبدا متواضعا من دون جبروت.والمفارقة ان الكثير من اعراض الغطرسة موجودة في الحكّام العراقيين الديمقراطيين،نكتفي منها بثلاثة قاتلة:استخدام وسائل العنف ضد من يهدد بأخذ السلطة،وافقار الناس وكنز المليارات، وافساد الضمائر.
واضف لها ما هو اوجب.. فمع انهم نهبوا المليارت فانه ما من حاكم (ديمقراطي) عراقي تجرأ بتطبيق مبدأ (من اين لك هذا).. بدءا من السيد نوري المالكي في 2006 الذي اعترف علنا بأن لديه ملفات للفساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها..وما كشفها ليبريء ذمته امام الله، وصولا الى السيد محمد شياع السوداني (2025) الذي لم يجرؤ على تطبيق مبدأ من اين لك هذا. بل انهم وقفوا مع (حيتان الفساد) بوصف مرجعيتهم الدينية وتخلوا عن وقوفهم مع 13 مليون عراقي اوصولوهم الى ما دون خط الفقر باعتراف وزارة التخطيط، مع انهم يعيشون في بلد هو الأغنى بالمنطقة.
وتوأم الغطرسة هو السطوة، التي تعني (القهر بالبطش)..ولها أربعة مصادر: المنصب والثروة والخبرة والعلاقات. أولها واخطرها، سطوة المنصب التي تعتمد على السلطة الرسمية..وبها قتلوا اكثر من ستمئة شاب في وثبة تشرين لأنهم طالبوا سلميا بمحاكمة الفاسدين واستعادة وطن.
فعبر دراسة نماذج لأسوأ طغاة العالم(هتلر، موسليني، ستالين، بول بوت،عيدي أمين، وصدام حسين) تبين أن جميعهم يتبعون اسلوبا" (مسرحيا") في بناء سطوتهم، يمر بأربع مراحل: في الأولى يبدأ الدكتاتور المتوقع بتشكيل علاقات مع أناس لديهم نوايا أو مطامح نحو سلطة من نوع ما. وقد لايكون هؤلاء أكثر من مجرد مفكّري مقاهي أو كانوا نجحوا في تكوين نوع من الهوية السياسية.
في الثانية ينتقل من مرحلة التعرف على الناس الى مرحلة تكوين التحالفات بأن يستغل صاحب سطوة المنصب مهارات اجتماعية وأنماط تأثير مراوغة، وقدرة على الأقناع السياسي، وتفكير سياسي له وجاهة، ووعد بتحسين الأوضاع بعمل مشترك..رسمي وشعبي..ويعمد الى استيعاب من يطمح لدور قيادي فيضعه في مركز يرضى به..ويصبر على التخلص من منافسيه لفرصة ملائمة..ليصل الى المرحلة الثالثة..السيطرة..بطريقة (ناعمة). فهتلر جاء الى السلطة بانتخابات ديمقراطية، ولكن ما أن صار زعيما" للحزب القومي الأشتراكي الحاكم حتى اسرع بتثبيت اركان الحكم مكتسبا" قدرة كبيرة على التأثير في الناس تخوله أن يقرر ويسيطر ويوجّه ويكافيء ويعاقب و(يحيي ويميت!).
اما حين يصل صاحب سطوة المنصب المرحلة الرابعة فأنه يتوجه نحو التخلّص من منافسيه السياسيين ووضع الموالين له في مناصب سلطويه، وبناء آليه تمكّنه من بث الخوف والهيبة فيهم وفي الشعب بأكمله لدعم سطوته..ولهذا وصل صدام حسين..والأخطر،أن المشهد السياسي العراقي الحالي يفيد بوجود قادة سياسيين يبدون في ظاهرهم ديمقراطيين فيما تعمل بداخلهم نزعة السطوة..ما يعني ان المرض الذي كان مصابا به الحاكم الدكتاتوري،مصاب به ايضا الحاكم الديمقراطي..فكما أن الليل والنهار لايمكن أن يجتمعا، كذاك السطوة والديمقراطية. ولهذا يعيش هؤلاء حالة تناقض وجداني وسلوكي، لأنهم يحاولون جمع اتجاهين متعاكسين لابد أن يتغلب أحدهما: اما السطوة أو الديمقراطية.
وما حصل ان حكام العراق بعد 2003 تمكنوا من استملاك مصادر السطوة الثلاثة الأخرى: سطوة الثروة، بحيازته القاعدة الذهبية (من يملك الذهب هو القادر على وضع القواعد)، وسطوة الخبرة بامتلاكه دراية ومعلومات تكسبه التأثير في العامة، وسطوة العلاقات باكتسابه قبول أناس يمتلكون سطوة عشائرية،أو اجتماعية، أودينية، أوثقافية أيضا.
لقد نبهنا الى ذلك قبل سبع سنوات في كتابات موثقة قلنا فيها بالنص: (ان ما هو حاصل ينذر بخطر كبير على الناس والوطن.. وعلى أنفسهم أيضا)..وننبّه من جديد الى انه ما لم يتخلى الحكّام والمسؤولون والقادة السياسيون عن سطوتهم وغطرستهم وتفردهم بامتلاك السلطة والثروة، فانهم سيبقون في حياتهم من شعبهم مكروهون..ومنه بعد مماتهم ملعونون!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

محاكم ذي قار تحسم التحقيق بقرابة 90 ألف قضية خلال العام 2024
محليات

محاكم ذي قار تحسم التحقيق بقرابة 90 ألف قضية خلال العام 2024

 ذي قار / حسين العامل كشفت محكمة استئناف ذي قار، عن حسم نحو 60 ألف قضية مختلفة في محاكم التحقيق وبنسبة 94 بالمئة خلال عام 2024، مشيرة الى حسم نحو 24 الف قضية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram