TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ترامب والعصر الجديد من السياسات في الشرق الأوسط

ترامب والعصر الجديد من السياسات في الشرق الأوسط

نشر في: 10 فبراير, 2025: 12:03 ص

عبد الله كيران

ترجمة: عدوية الهلالي

عندما يبدأ ترامب ولايته الثانية، فإن الولايات المتحدة قد تواصل التدخل في الشرق الأوسط بسبب التهديد المستمر الذي تشكله إيران، التي تسعى للتأثير على منطقة الخليج. وقد تتمكن إيران، التي أضعفتها انتكاساتها في سوريا ولبنان، من تركيز المزيد من جهودها على الخليج، مما يؤدي إلى تكثيف منافستها مع المملكة العربية السعودية وأعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، في حين يؤدي إلى تأجيج التوترات الإقليمية. ومع ذلك، فإن استمرار التدخل الأميركي يظل غير مؤكد، ويعتمد على التطورات السياسية والاستراتيجية المقبلة. ويجب مراقبة هذا الوضع عن كثب، لأن أي زيادة محتملة في الوجود العسكري الأميركي قد تؤدي إلى تصعيد الصراعات القائمة.
في فترة ما بعد الحرب الباردة، ساهمت ستة تطورات حاسمة في تشكيل سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتتمثل هذه التطورات فيما يلي: 1) غزو العراق للكويت في 2 آب 1990؛ 2) توقيع اتفاقيات أوسلو للسلام بين إسرائيل وفلسطين في 13 آب 1993؛ 3) هجمات 11 أيلول 2001 التي شنها تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة؛ 4) الاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق في 21 آذار 2003؛ 5) الربيع العربي والحرب الأهلية السورية التي اندلعت في عام 2011؛ و6) هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023. وقد أدت هذه الأحداث إلى انخراط الولايات المتحدة بشكل أعمق في المنطقة، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تدخلات عسكرية وتدخل طويل الأمد.
وقد أدى التدخل الأمريكي في العراق عام 1991، إلى جانب قوات التحالف، إلى انسحاب العراق من الكويت بحلول أواخر شباط، واستعادة السيادة الكويتية. ولكن هذا التدخل لم يعالج بشكل كامل القضايا الأساسية في منطقة الخليج، مما استلزم المزيد من التدخل الأميركي في الشرق الأوسط في السنوات اللاحقة إذ أرسلت قوات التحالف بقيادة واشنطن أكثر من 600 ألف جندي إلى المملكة العربية السعودية خلال فترة قصيرة لطرد قوات صدام من الكويت. وقد أدى وجودهم على الأراضي السعودية إلى تكثيف العداء الجهادي تجاه الولايات المتحدة والغرب، مما ساهم في صعود الجماعات المتطرفة وبلغ ذروته في هجمات 11 أيلول، والتي أدت بدورها إلى غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.
لقد فتح سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 آفاق الحرية للأكراد، ولكنه أدى أيضاً إلى تفاقم الصراعات السنية الشيعية في العراق وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط إلى درجة غير مسبوقة. وقد ساهم هذا التصعيد في تعزيز وتوسع الشبكات الجهادية،وأدى في نهاية المطاف إلى خروجها عن السيطرة مما أدى إلى إعلان تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة في العراق وسوريا. ومع تطور تنظيم الدولة الإسلامية والهياكل الجهادية هذه إلى تهديد عالمي، لا يقتصر على العراق وسوريا، أصبح تدخل الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها أمرا لا مفر منه.
ولا شك أن إحدى النتائج الأكثر أهمية للتدخل الأميركي في العراق كانت خلق بيئة مواتية لطموحات إيران السياسية في المنطقة. طهران التي خاضت حرباً لمدة ثماني سنوات مع العراق دون أن تكسب أي أراض عراقية، برزت فجأة كقوة حاسمة على مصير العراق من خلال نفوذ السكان الشيعة في البلاد بعد التدخل الأميركي. وبعد عام 2003، أصبح يُنظر إلى بغداد على أنها ولاية تذكرنا بعصر الإمبراطورية الفارسية، مما عزز تطلعات إيران وسياساتها الفارسية الجديدة.
لقد أدت هجمات السابع من تشرين الأول 2023 وسقوط نظام الأسد في سوريا في أوائل كانون الأول 2024 إلى تحولات كبيرة في ديناميكيات القوة في المنطقة. وستدفع هذه التحولات دولاً مثل إسرائيل وتركيا وإيران ودول الخليج إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، مما قد يدفع بعض البلدان إلى شفا صراعات جديدة. وخلال حملته الانتخابية، ذكر الرئيس ترامب مرارا وتكرارا مسألة إعادة القوات الأمريكية المتمركزة في أجزاء مختلفة من العالم. ولكن يبدو من غير المرجح أن تمتد هذه السياسة إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى الحفاظ على تركيزها الاستراتيجي على هذه المنطقة في المستقبل المنظور.فبعد الحرب الباردة، تبنت الولايات المتحدة "نظاما دوليا ليبراليا" في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا. ومع ذلك، وخلال حملته الانتخابية، أكد ترامب مرارا وتكرارا على شعارات مثل "أميركا أولا" و"جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وإذا أعيد تعريف السياسة الخارجية الأميركية على غرار شعاري "أميركا أولا" و"جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، فمن المتوقع حدوث تغييرات كبيرة في سياساتها تجاه الشرق الأوسط. ويرجع ذلك إلى أن خطاب "أميركا أولا" يؤكد على الميل إلى الانعزالية في السياسة الخارجية الأميركية.
كان شعار "أميركا أولاً"، الذي كرره ترامب مراراً وتكراراً أثناء حملته الانتخابية، أول من اكتسب شعبية على يد باتريك جوزيف بوكانان، المعروف أيضاً باسم بات بوكانان، في أوائل تسعينيات القرن العشرين. كان بات بوكانان مرشحًا جمهوريًا في الانتخابات الرئاسية لعامي 1992 و1996، وعمل مساعدًا ومستشارًا خاصًا خلال رئاسات ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد ورونالد ريجان. وخلال حملته الانتخابية ضد الرئيس جورج بوش الأب في عام 1992، أكد بوكانان على هذا الشعار بقوله: "هذه الحملة لا تتعلق بالعالم الخارجي؛ بل تتعلق بالولايات المتحدة". كانت وجهة نظره في السياسة الخارجية انعزالية إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن شعار "أميركا أولاً" يعود إلى ما قبل بوكانان، وقد استخدمه الانعزاليون بشكل بارز في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين لمعارضة دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
وتشير تصريحات ترامب بشأن إسرائيل والشرق الأوسط إلى أن الولايات المتحدة قد تصبح مشاركة بنشاط أكبرفي المنطقة بدلاً من الانسحاب منها. كما إن تأكيده على أن "حماس لم تكن لتنفذ هجمات السابع من تشرين الأول لو كنت في السلطة" يشير إلى أن سياسة إدارته في الشرق الأوسط ربما تركز على ثلاثة ركائز: 1) ضمان أمن إسرائيل؛ 2) حماية دول الخليج من التهديدات الخارجية؛ و3) احتواء إيران. وهذه الجوانب الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض بشكل لا ينفصم.
ولعل ترامب، أكثر من أي رئيس آخر في تاريخ الولايات المتحدة، شكل حكومة مؤيدة لإسرائيل بقوة. ورغم أن الحكومة الجديدة مؤيدة لإسرائيل، إلا أنها تتبنى موقفا مناهضا لإيران بنفس القدر من الحزم. وفي الحرب بين حماس وإسرائيل، من الواضح أن الولايات المتحدة ستتبنى موقفا أكثر تأييدا لإسرائيل في عهد ترامب مقارنة بموقفها أثناء إدارة بايدن. إن موقفه الثابت ضد حماس واضح أيضاً من خلال تصريحاته المهددة: "إن المسؤولين عن ذلك سوف يتعرضون لضربة أقوى من أي ضربة أخرى تلقاها أي شخص في التاريخ الطويل والعريق للولايات المتحدة الأميركية". فمنذ هجمات السابع من تشرين الأول، لا تزال حماس تحتجز 101 رهينة، بما في ذلك مواطنون أميركيون.
وخلال حملته الانتخابية، أعلن ترامب أنه "لن يبدأ حروبًا جديدة وسيسعى إلى إنهاء الحروب القائمة". وبناء على ذلك، فمن المرجح أن تتبنى الولايات المتحدة نهجا حذرا تجاه إيران، وتضغط عليها من أجل التخلي عن برنامجها النووي دون اللجوء إلى العمل العسكري المباشر. وعلى المدى القريب، لن تشكل إيران تهديداً لإسرائيل، ولكنها ستظل تشكل تهديداً مستمراً لمنطقة الخليج.وما دامت إيران تُعتبر تهديداً لمنطقة الخليج، فإن الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها في الشرق الأوسط لضمان الأمن الخارجي للخليج. ومع استمرار حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تحتفظ الولايات المتحدة بقواتها وقواعدها العسكرية في المنطقة، وتظل في حالة تأهب قصوى، كما فعلت خلال السنوات الثلاثين إلى الأربعين الماضية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: خطابات المالكي التي لا تنتهي

سوريا وسيناريو "العرقنة"

العمود الثامن: احزاب نَّحنُ ونَّحنُ ونَّحنُ

العمود الثامن: تكريم المستقبل في دبي

إشكالية العلاقة بين الدين والديمقراطية في ظل النظام العراقي المتقلب

العمود الثامن: ديموقراطية الصوت العالي

 علي حسين كرّس العراقي مصطفى جواد حياته من أجل غنى اللغة العربية التي تعمّق فيها، حتى قال عنه مجمع اللغة العربية يؤبّنه: "كان عالماً فذّاً وذوّاقاً للّغة وحريصاً على التعمّق فيها وإغنائها" وكان...
علي حسين

حرير الصين بين السفارة والجيران

ثامر الهيمص المفارقات السياسية بجذرها الاقتصادي المسيس لصالح الاولجكاريا الدوليه الغربية، تجلت واضحة بعد حرب غزة، لتعيد الى الذاكرة الاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق، اذ ثبت عمليا ان فشلهما وتراجهعما في كلا الدولتين وحسب ضغط...
ثامر الهيمص

الذكاء الاصطناعي من تهديد محتمل إلى شريك استراتيجي في تطوير وتعزيز المعرفة البشرية

د. طلال ناظم الزهيري أصبح استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أمرًا شائعًا ومؤثرًا، حيث تمتد تأثيراته إلى ميادين مختلفة ابرزها البحث العلمي والتعليم والإعلام. هذا التوسع الملحوظ ليس مجرد انعكاس للتطور التكنولوجي، بل هو شهادة...
د. طلال ناظم الزهيري

أميركا وأحجام ما بعد الزلزال

غسان شربل هذه أميركا. الاقتصاد الأوَّلُ في العالم. سيدة البحار والأجواء معاً. منجم الجامعات العريقة والمخترعين والمبتكرين ورواد التكنولوجيا والثورة الرقمية. قادرةٌ على إصابة أي هدف في القرية الكونية. وقادرة على الاستماع إلى ما...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram