علي حسين
كرّس العراقي مصطفى جواد حياته من أجل غنى اللغة العربية التي تعمّق فيها، حتى قال عنه مجمع اللغة العربية يؤبّنه: "كان عالماً فذّاً وذوّاقاً للّغة وحريصاً على التعمّق فيها وإغنائها" وكان دائم الرد على كل من يحاول أن يحطم أو يتجاهل معشوقته اللغة العربية.
وذات يوم اختلف مع الشيخ جلال الحنفي حول أصل كلمة "جوبي" فكتب الحنفي مقالاً ساخراً بعنوان "قل جوبي ولا تقل شوبي" يحاول فيه أن يقلّد طريقة مصطفى جواد في الحديث، وعندما أطلّ العلّامة جواد بعد أُسبوع من على شاشة التلفزيون، أراد مقدّم البرنامج أن يسأله عن مقال الحنفي، فقال مصطفى جواد بصوته الهادئ، سنتحدّث اليوم عن المبني للمجهول، فعرف الحنفي أنّ العلّامة، مغتاظ ويريد أن يتجاهله فذهب إليه في اليوم التالي، وهو يضحك قائلاً: يامولانا حوّلتني من فاعل معلوم إلى فاعل مجهول بفرّة سبحة!
لا أريد أن أصبح "براسكم" ضليعاً في شؤون اللغة العربية، فأنا ما أزال أخلط بين المعلوم والمجهول، مثل معظم مسؤولينا الذين يبرعون في تسجيل كلّ كارثة تصيب هذا الشعب ضد السيد مجهول، لا جديد في الأمر سوى اختلاف صفة المجهول، مرّة صواريخ وعبوات لا تُرى بالعين المجرّدة، ومرّات أخرى مليارات نُهبت وحُوّلت إلى بنوك دول الجوار، فكان الإجراء هذه المرّة معلوماً "شدّوا الأحزمة" لا رفاهية ولا تنمية ولا مشاريع، أما الخدمات فما تزال في المجهول .
منذ أن اعترف أفلاطون أنّ العدالة هي حكم الأكثر كفاءة، والناس يبحثون عن أصحاب الكفاءات الذين يملأون الأرض منجزاً وصدقاً، وكما أخبرنا صاحب الجمهورية يوماً، أن الدولة وجدت لتوفير حياة مرفّهة، أصر بناة البلدان على أنه لن تكون هناك حياة كريمة، ما لم يتوفر لها رجال شجعان.
وتذكر جنابك أنّ كلمة شجعان حرّفناها لغوياً، فاعتبرنا السارق شجاعاً والنصّاب شجاعاً، والقاتل شجاعاً، وما نزال نستخدم كلمة "شقي" للمديح والإطراء، حتى أننا قبلنا أن يخرج علينا أحد الشقاوات من البرلمان السابق ليقول: إن على العراقيين أن يحمدوا الله على النعمة التي يعيشون فيها بفضل الديموقراطية!!
ولهذا فلا أعتقد أنّ الديموقراطية العراقية ستخرج من عباءة المحاصصة او انها ستحلّ مشاكل هذه البلاد ما دام هناك من يصرّ على مواصلة الظهور على الفضائيات للتحريض على الفوضى، هذه الفوضى التي تجعل من الديموقراطية مجرّد دراما كوميدية.
سيقضي ساستنا جلّ وقتهم في التحايل على اللّغة العربيّة، ونراهم محتارين في كتابة تاريخ حقيقي لمستقبل هذه البلاد، ولا يسألون لماذا اعتمدت سنغافورة على الكفاءات واعتمدنا المحسوبية! لأنّ الشعب السنغافوري لم يكن عنده ساسة يستعبدون الديموقراطية، ولان العمل في هذه البلدان سبق الصوت العالي.