حسن الجنابي
صوت مجلس النواب العراقي في جلسته المنعقدة في 13 كانون الثاني 2025 على منح جوازات سفر لأعضائه الحاليين والسابقين وعوائلهم ولمدى الحياة كما تم تداوله. هذا فضلاً عن القائمة الطويلة من الموظفين الحكوميين من مختلف الأجهزة الحكومية وسلطاتها التنفيذية التشريعية والقضائية وحكومة الإقليم، التي كان لها حق امتلاك الجوازات الدبلوماسية أصلاً. وللأمانة فقد بحثت في الموقع الإليكتروني لمجلس النواب ولم أعثر على نص التعديل الذي صوت عليه مجلس النواب، إذ من المعتاد نشر الوثائق في الموقع الإليكتروني للمجلس، مما يثير تساؤلاً عن سبب عدم نشر الوثيقة، خاصة أنها ستنشر، كما هو الحال مع القوانين الأخرى، في الصحيفة الرسمية. لذلك سأكتفي هنا بما تداولته وكالات الأنباء وما بثته فضائيات عراقية عديدة، مفترضاً أنها اطّلعت على مشروع القانون المصوّت عليه، بحكم تواجد ممثلي تلك الوكالات في بناية مجلس النواب عادةً أثناء انعقاد الجلسات.
لقد جرى التصويت على فقرة بعنوان "مقترح التعديل الأول لقانون جوازات السفر"، والمقصود به قانون جوازات السفر المرقم 32 لسنة 2015. يبدو عنوان الفقرة بريئاً ويوحي بتسهيل حصول المواطن العراقي على جواز سفره دون تعقيدات إضافية مثلاً، أو شيء من قبيل ترصين وتحسين سمعة جواز السفر العراقي، التي تنتشر بشأنها تقوّلات سلبية كثيرة. لكن هدف التصويت، كما يتضح من الأنباء المتداولة، كان لمنح امتيازات لفئة معينة من السياسيين وعوائلهم ولمدى الحياة، دون مبرر معقول.
إن أعضاء مجلس النواب هم أفراد منتخبون لأداء مهام معلومة ولفترة انتخابية محددة، يعودون بعد انقضائها الى ممارسة أعمالهم المعتادة، كما يفترض المنطق السليم وأصول الحوكمة السياسية العقلانية. ولا شك فإن تسهيل أداء وحركة أعضاء المجلس أثناء الخدمة هو من مقتضيات المصلحة الوطنية، ومن ذلك منحهم جوازات سفر دبلوماسية مثلاً تكون صالحة حتى نهاية الدورة الانتخابية. وهذا ما تضمنه قرار مجلس الوزراء المرقم 329 لسنة 2018، الذي أصدرته حكومة الدكتور حيدر العبادي، وكنت شخصياً عضواً في تلك الكابينة الوزارية.
تضمن القرار 329 المذكور أعلاه تعديل نظام جوازات السفر المرقم 2 لسنة 2011 بإصدار نظام رقم 7 لسنة 2018 الذي ألغى النص القديم للفقرة 17 منه واستبدله بنص يمنح جوازات السفر الدبلوماسية للمناصب العليا في الدولة ومنها أعضاء مجلس النواب.
سمح القرار لبعض المناصب الرئاسية، التي شُغلت بعد 9/4/2003 طبعاً، في الاحتفاظ بجواز السفر الدبلوماسي بعد الإحالة الى التقاعد وهم (رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الاتحادية، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس إقليم كردستان، رئيس وزراء الإقليم).
شمل القرار كذلك المناصب المشغولة أصالةً من فئات نواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس النواب، ونواب رئيس مجلس وزراء الإقليم، ووزراء الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم). فيما أستُثني الآخرون من حق الاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي بعد انتهاء مهامهم الوظيفية، بمن فيه أعضاء مجلس النواب، ومستشارو رئيس الجمهورية، ومستشارو رئيس مجلس الوزراء، ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية ورئيس ديوان مجلس النواب وآخرون.
جاء في القرار كذلك وفي فقرته الخامسة ما يلي: "لوزير الخارجية على وفق الضوابط منح جواز سفر دبلوماسي لمن تقتضي طبيعة عمله أو المصلحة العامة منحه ذلك". وهذه الفقرة برغم عدم وضوحها، فهي تحتفظ لوزير الخارجية بصلاحية تناسب مهامه، باعتباره الدبلوماسي الأول في البلاد، وأن حمل الجواز الدبلوماسي من قبل أي مواطن له دلالات من صلب عمل الخارجية، والوزير بالنتيجة يتحمل مسؤولية قرارته وفق الصلاحيات الممنوحة له قانوناً.
أما السفراء المتقاعدون فلهم حق الاحتفاظ بجوازات سفرهم الدبلوماسية، انسجاماً مع طبيعة عملهم قبل التقاعد، ووفق الفقرة رابعاً من المادة 24 من قانون الخدمة الخارجية النافذ المرقم 45 لسنة 2008. وهذا الحق ثبّته أيضاً قرار مجلس الوزراء 329 لسنة 2018 الآنف الذكر، وهو أمر لا غبار عليه. فمثلما يحق للأطباء والمهندسين والمحاسبين والصحفيين وغيرهم الحصول على امتيازات وظيفية نابعة من صلب اختصاصاتهم، يحق للسفراء الاحتفاظ بامتيازات وظيفتهم التخصصية.
ما عدا ذلك يصعب تحديد أي مصلحة أو مبرر في منح الجوازات الدبلوماسية للسيدات والسادة النواب وعوائلهم بعد انتهاء الدورة الانتخابية، فضلاً عن حيازتها لمدى الحياة و"بأثر رجعي" كما نُشر، أي لكل أعضاء مجلس النواب السابقين (أفترض حتى عام 2003، فبخلافه قد يشمل الأمر أعضاء ما سمي حينها بالمجلس الوطني في النظام السابق).
لا أريد الخوض فيما قيل بأن السلطة التشريعية تحاول "الانتقام" من شقيقتها التنفيذية، وتحاول "كسب" الشقيقة الثالثة القضائية الى جانبها بمنحها امتيازات مشابهة أو مقاربة، لكن من الواضح فإن "سباق" الحصول على امتيازات جارٍ على قدم وساق في دولة ما بعد 2003 على مستويات عديدة.
لا توجد للجواز الدبلوماسي امتيازات داخلية عدا السفر، أو العودة، من نافذة خاصة في المطار العراقية للوصول الى ضابط الجوازات المعني بختم الجوازات. كذلك الأمر في المطارات العالمية التي غالباً ما تخصص نافذة مشابهة للوصول، أو للمغادرة، وتخضع بقية الإجراءات الى السياق نفسه الذي يخضع له المسافرون الآخرون في غالب الأحيان.
هناك بالطبع الحصانات الضرورية لممارسة الوظائف الدبلوماسية من قبل الدبلوماسيين في البعثات المختلفة لتسهيل تأدية مهامهم على أكمل وجه في الدولة المضيفة. ويرتبط بذلك امتيازات وحقوق إضافية لأعضاء البعثات، ويعدّ الجواز الدبلوماسي مؤشراً على التمتع بتلك الحصانات والامتيازات، وهذه تجد مرجعيتها الأساسية في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تنظم علاقات الدول. فلا يجوز مثلاً انتهاك حرمة الدبلوماسيين أو اعتقالهم أو حجزهم الى آخر إجراءات الحماية والحصانة المطلوبة لحماية مصالح البلد المعني لدى الدولة المضيفة.
وعلى سبيل التذكير، فإن وزارة الخارجية العراقية أقرّت بكتاب رسمي صادر عن الوزارة ومعنون إلى مجلس النواب العراقي بأن الوزارة أصدرت حوالي 19 ألف جواز سفر دبلوماسي وخاص وجوازات خدمة خلال اربعة أعوام منذ 2019 حتى 2023. وإذا ما خمّنا عدد الجوازات الصادرة قبل وبعد تلك الفترة الزمنية فيمكن تصور العدد تلك الجوازات الصادرة حتى اليوم. ومن هنا فاذا ما تم تفعيل قرار مجلس النواب موضوع هذه المقالة سيكون عدد الجوازات اضعاف ما هو عليه الآن دون مبرر، وهو ما لا يصب في حقل ترصين الجواز الدبلوماسي العراقي، وأدعو الأخوة في الخارجية العراقية للطعن بالقرار.