TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الذكاء الاصطناعي و صناعة الإرهاب.. بين التوّظيف والمعالجة

الذكاء الاصطناعي و صناعة الإرهاب.. بين التوّظيف والمعالجة

نشر في: 13 فبراير, 2025: 12:04 ص

د. عصام البرّام

يعد إستخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة وتجنيد الإرهاب موضوعاً حساساً ويثير مخاوف كبيرة على مستوى العالم، وتقوم اليوم الجهات الإرهابية بتوظيف الذكاء الاصطناعي بطرق عديدة لدعم أجندتها وفي مختلف الطرق، باتخاذ أساليب متنوعة في غاية السرية، حيث تعتمد هذه الجماعت على الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل البيانات الشخصية والسلوكيات على الانترنت؛ لتحديد الأفراد الذين يكونون عرضة للتجنيد، بناءاً على سماتهم النفسية والاجتماعية، وكذلك البلدان التي يعيشون فيها؛ خاصة في دول آسيا والشرق الأوسط، وهي بذلك ما تعرف بعملية أستهداف الأفراد. وبفضل تقنيات تحليل البيانات الكبيرة (Big Data) تقوم الجماعت الإرهابية، تعديل الرسائل الدعائية، بحيث تكون أكثر جذباً للأفراد المستهدفين، مما يزيد من أحتمالية التأثير عليهم وتجنيدهم؛ أي دراسة تخصيص المحتوى للشخصية.
فالجماعت الإرهابية تعتمد في الكثير من الأحيان على الروبوتات Bots لنشر محتوى متطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يتيح لهم التأثير على الرأي العام ونشر الشائعات لخلق الفوضى أو زعزعة إستقرار الدول، من خلال نشر الحسابات المزيفة؛ بغية التضليل والمتاهات المتعددة، كما تستخدم التزييف العميق باستعمال الفديوهات والصورالمزيفة، إذ تقوم هذه الجماعت باستعمال بعض التقنيات ومنها كما أشرنا (Deep fake))لتوليد مقاطع فديو وصور مفبركة، سواء لإستهداف الشباب أو شخصيات معينة أو لترويج دعاياتهم.
كما تسعى في حال التخطيط للهجمات وتنفيذها، الى عملية المراقبة والرصد، وذلك بقيام بعض الجماعات منهم، بخوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الجغرافية واستخدام الطائرات المسيرة (Drones للمراقبة، مما يساعدهم على تخطيط الهجمات بدقة أكبر، والحصول على نتائج محققة للهدف. فالجماعات الإرهابية بأمكانها أستخدام تقنيات التعليم الآلي لتطوير اساليب جديدة للهجمات، مثل أستخدام الطائرة المسيرة في تنفيذ عمليات معقدة دون أي تدخل بشري واسع في العمليات.
لقد سعت هذه المنظمات التي تقودها جماعات من كل أصقاع الأرض، بأختراق الأنظمة الأمنية، حيث وفرت لها تقنيات الذكاء الاصطناعي بالهجمات السيبرانية لأختراق الأنظمة الالكترونية وجمع المعلومات السرية، أوحتى بأمكانها تعطيل لشبكات الدولة المستهدفة كأنظمة الكهرباء أو البنوك او الانتخابات وتزويرها، أو أي مؤسسة تروم الحصول على معلومات عنها بما يخدم مصالحها وما مخطط اليه. كما وفر الذكاء الاصطناعي لهم أمكانية التنبؤ والتخطيط الأستراتيجي، إذ تستطيع هذه الجماعات من خلاله تحليل بيانات ضخمة لأستخلاص أتجاهات وتحديد الأوقات والأماكن المثلى لتنفيذ هجماتهم.
المعالجة والتأهيل
إن مواجهة الإرهاب والتطرف تتطلب نهجاً شاملاً يجمع بين الوسائل الأمنية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، واتخاذ الخطوات المهمة لمكافحة هذه الظواهر، فتعزيز التعليم والتوعية يعد من الخطوات المهمة من خلال نشر الوعي حول مخاطر التطرف والإرهاب عبر البرامج التعليمية والتوعية التي تركز على قيم التسامح والحوار واحترام الاختلافات الثقافية والدينية.
فضلا على ذلك، فان الجانب الأمني يأخذ دوره الكبير؛ إذ يعد العمل الأمني ضرورة لضبط الافراد والجماعات المتورطين في الأرهاب من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول المجاورة تحديداً وضبط الحدود، بالإضافة الى الدول غير المتجاورة من خلال تطوير قدرات الاجهزة الامنية فنياً وتقنياً.
ولابد من الوقوف على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وكيفية معالجتها، فغالباً ما يستغل المتطرفون لنشر أفكارهم، الظروف الاقتصادية والاجتماعية؛ كالفقر والبطالة وضعاف النفوس والشخصية، لذا ينبغي توفير فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة للمجتمعات الفقيرة والمهمشة، والأخذ بنظر الإعتبار إن هؤلاء الشباب هم عماد بناء الدولة والمستقبل.
كما يعد إصلاح الخطاب الديني وتشجيع الحوار بين الثقافات والأديان غاية في الأهمية، فالجانب الأول يبدأ من خلال تعزيز الخطاب الديني المعتدل وتوضيح تعاليم الدين الصحيحة، حيث يمكن أن يسهم رجال الدين في نشر قيم السلام والمحبة والمودة ونبذ العنف بين أفراد المجتمع المتعدد الأديان والمذاهب والأثنيات، أما الجانب الثاني، فأن الحوار بين الثقافات والأديان يساعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات المختلفة وتعزيز التفاهم بين الشعوب، مما يقلل من آحتمالية أنتشار التطرف بين الأفراد، وآمتصاص العدوانية او الضغط النفسي.
لاشك إن الإرهاب مشكلة عالمية، لذا يتطلب التعاون الدولي؛ خاصة الدول التي تعرضت الى هجمات أرهابية أو ربما تتعرض له من دول مجاورة تعرضت لذات الإرهاب، فينبغي التعاون والتنسيق بينهم لمواجهة تمويل كل الجهات التي تقف وراء هذا التمويل، كذلك تبادل المعلومات حول التحركات والخطط الإرهابية قبل وقوعها.
بالإضافة الى ما تقدم، فأن تأهيل وإعادة دمج المتطرفين السابقين يشكل نقطة واجب الوقوف عليها، لان بعض المتطرفين يمكن إعادة تأهيلهم من خلال برامج إصلاحية تهدف إلى تصحيح الأفكار المغلوطة وتوفير فرص جديدة في المجتمع.
ذلك إن تأهيل ومعالجة الأشخاص الذين تعرضوا الى إستدراجهم أو غوايتهم الى الإرهاب، يتطلب مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد، تهدف الى معالجة الأسباب الجذرية وإعادة دمجهم في المجتمع بشكل صحي وآمن، فيقتضي التقييم الفردي وتحليل الأسباب في فهم الظروف والدوافع النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية التي دفعت الفرد الى الإنخراط في الإرهاب، وتصنيف الحالات والتفريق بين من كانوا ضحايا الإستغلال، ومن كانوا فاعلين رئيسيين في الأنشطة الإرهابية.
من هنا يأتي دور التدخل العلاجي النفسي والاجتماعي بغية معالجة الصدمات النفسية أو الغسيل الفكري الذي تعرضوا له من خلال جلسات فردية أو جماعية، وهذه متروكة لذوي الاختصاص والأكادميين بهذا المجال؛ حتى نتمكن من إعادة بناء الهوية، بتعزيز ثقتهم ومساعدتهم على تطور هويتهم بعيداً عن الأفكار المتطرفة، بالأضافة الى إشراك الأُسرة في عملية التأهيل، لخلق بيئة داعمة ومستقرة، فضلاً عن مناقشة الأفكار التي تم تبنيها، وتوضيح المفاهيم الدينية أو الأيديولوجية بشكل صحيح من قبل رجال الدين المعتدلين، والعلماء المؤهلين بهذا الشأن.
ومما لاشك فيه، فأن تقديم ورش عمل ودروس تسلط الضوء على قيم التسامح، والتعايش، وآحترام القانون، وإعادة الدمج في المجتمع بتوفير برامج تدريب مهنية وتعليمية، أو وظائف متواظعة؛ بغية مساعدتهم على بدء حياة جديدة ومستقرة، أضافة الى أستثمار منصات التواصل الاجتماعي، بأنشاء مجموعات تساعدهم على الشعور بالإنتماء الى المجتمع وأنهم جزء منه ولهم دور فاعل فيه.
ومما ينبغي الأهتمام به، المراقبة والمتابعة، فمراقبة تقدمهم من خلال جلسات دورية مع مختصين بعلم النفس والاجتماع، والتدخل المبكر بغية الأستجابة لأي علامات إنتكاسة أو محاولة العودة الى الفكر المتطرف، وهنا يأتي دور التثقيف المجتمعي، في نشر الوعي في المجتمع حول مخاطر الإرهاب والتطرف، وأهمية إعادة دمج هؤلاء الأفراد بدلاً من نبذهم، وتعزيز دور المجتمع المحلي في دعم وتأهيل المتضررين.
ولابد من عدم إهمال الجانب القانوني، فأن توفير العدالة الإنتقالية إذا لزم الأمر، مع مراعاة التوازن بين المساءلة القانونية والتأهيل، والعمل على برامج عفو أو إعادة التأهيل لمن لم يشاركوا في الجرائم بشكل مباشر. وجدير بالذكر أيضاً، أن تهتم الدولة وتطلع وتسعى في الإستفادة من تجارب الدول الاخرى التي نجحت في برامج إعادة التأهيل والتكيف مع السياق المحلي.
من هنا ندرك، إن مواجهة الذكاء الاصطناعي في صناعة الإرهاب وتأهيل المتضررين من الإرهاب، يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومات والمؤسسات الدينية وغير الدينية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي والمجتمعات المحلية، لضمان أعلى دقة وإستدامة للجهود ونجاحها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

العمود الثامن: غابات السامرائي

العمود الثامن: عندما يغط البرلمان بالنوم !!

هل سيحول إيلون ماسك الحكومة الأمريكية الى شركة..؟

قناطر: مسلسل معاوية... جرُّ القناعات الى مسلخ الأوهام

طهران: العقوبات الأمريكية الجديدة دليل على الخداع وخرق القانون

المدى/بغداد دانت الخارجية الإيرانية بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات إيرانية بينها وزير النفط محسن باكنجاد، وناقلات نفط وشركات تجارية عدة. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن "العقوبات الأمريكية الجديدة على...

العمود الثامن: أحلام الليبرالي الأخير

 علي حسين هل شاهدتم مثلي رائد الليبرالية الحديثة في العراق قصي محبوبة وهو يقف بكل اريحية يقول لأحد مقدمي برامج هذا الوكت الفضائية: "هذا زعيم المجرمين". ولا تعتقد عزيزي القارئ أن رائد الليبرالية...
علي حسين

كلاكيت: الشباب في مهرجان الشباب

 علاء المفرجي بعد ماراثون كبير خاضته بغداد والمحافظات العراقية في أنعقاد المهرجانات السينمائية، والتي كانت تتشابه من حيث شكلها ومضمونها، بل وأخطائها حتما، فكان الفشل عنوانها، أو نتيجة للتسرع في إقامتها. انعقد نهاية...
علاء المفرجي

سوريا: من المأساة إلى الجريمة المضادة.. صيف الطوائف الحارق

أحمد حسن ما جرى ويجري في الساحل السوري، وخاصة في جبلة، يعيد إلى الأذهان أبشع الفصول الدموية التي عاشتها المنطقة، من مذابح الإيزيديين في العراق إلى المجازر التي ارتكبتها الجماعات الجهادية في مناطق النزاع...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram