حيدر هشام/ بغداد
يشهد العراق أزمة مياه خانقة تهدد وجوده كدولة زراعية وحضارية، حيث يعاني من نقص حاد في المياه بسبب قلة الأمطار وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى سياسات دول الجوار التي تستغل موارد المياه بشكل غير مسؤول.
وتأتي معظم مياه الأنهار من تركيا بنسبة 71 في المئة، تليها إيران بنسية 7 في المئة، ثم سوريا بنسبة 4 في المئة.
وبهذا الصدد، انتقد رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية فالح الخزعلي، عدم تعاون الجانب التركي في ملف المياه، مؤكداً أن العراق خسر ملايين الدونمات الزراعية بسبب هذا الملف.
وما زال استخدام طرق السقي الحديثة بشكل محدود في العراق أحد أسباب الخلاف بين العراق وتركيا عند مناقشة زيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات خلال زيارة الرئيس التركي إلى بغداد في نيسان الماضي.
وقال الخزعلي في حديث لـ(المدى)، إن "الجانب التركي مازال غير متعاون في هذا الملف، ولم يراع القوانين والاتفاقات الدولية التي أعطت للعراق حقه بالحفاظ على ملف المياه والذي يعد ملفاً سيادياً".
وأضاف أن "القرار انحسم لصالح الزراعة من 80 مليون دونم إلى 14 مليون دونم، و70 بالمئة تحولت أراضي صحراوية، وخلال العشر سنوات تأثرت 20 بالمئة الثروة الحيوانية في العراق".
وأشار الخزعلي إلى وجود خطوات حكومية جيدة لدعم قطاع الزراعة، لكنه أكد أن ذلك لا يكفي إن لم تكن هناك إجراءات مع الجانب التركي وإجراءات ملزمة على عقد اتفاقية تقاسم الضرر على مستوى الصيف والشتاء.
وأوضح أن "تركيا لديها مصالح كثيرة مع العراق، ولدينا مصالح معهم، لكنها غير جادة في هذا الملف الذي يعد ملفاً سيادياً، وعلى الحكومة العراقية أن تتحمل مسؤولياتها لمتابعة هذا الملف".
ودعا الخزعلي الحكومة العراقية إلى "متابعة هذا الملف بجدية، والضغط على الجانب التركي للتعاون في هذا المجال، بما يحفظ حقوق العراق المائية".
وفي منتصف آذار 2023، أعلنت وزارة الزراعة خروج نحو نصف الأراضي الزراعية في عموم مدن البلاد من الإنتاج، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد بين سنوات 2020 و2023 بسبب تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات وشحّ الأمطار، وهو ما عطّل استغلال 27 مليون دونم زراعي.
من جهة أخرى، دعا الباحث بالشأن المائي تحسين الموسوي، إلى استخدام أساليب ضغط أخرى على تركيا، كاللجوء إلى المحاكم الدولية ومجلس الأمن، أو استخدام ورقة الميزان التجاري والتنمية للضغط على أنقرة.
وذكر الموسوي في حديث لـ(المدى)، إن "السياسية الخارجية لم تتوصل إلى اتفاق مع الجانب التركي"، مشيراً إلى أن "أغلب المشاكل التي يواجهها العراق على حوضه، خاصة ما يحدث في تشرين وفي منبج، سببه تصرفات تركيا".
وأضاف، أن "تركيا منذ زمن تستغل الظروف المحيطة في العراق"، مؤكداً أن "العراق كان يجب أن يلتجئ إلى المحاكم الدولية أو حتى مجلس الأمن، لأن هذه حرب اقتصادية، خاصة وأن العراق بدأ يفقد الكثير من مساحاته الزراعية، ونسب التلوث باتت عالية".
وأشار إلى أن "المحميات الدولية كالأهوار بدأت تعاني من الجفاف، وجودة المياه في العراق الآن تعاني من الأمن المائي"، لافتاً إلى أن "هناك روافد من الجانب الإيراني تكاد تكون أفضل، لكنها لا تفي بالغرض في ظل الزيادة البشرية".
وتعد أهوار العراق من كبرى البحيرات والمسطحات المائية في منطقة الشرق الأوسط، وتقدر مساحتها مجتمعة بـ20 ألف كيلومتر مربع، وهي عبارة عن منخفضات من الأرض تتجمع فيها مياه الأنهار، ثم تتحول إلى بحيرات واسعة ذات أعماق مختلفة.
وتمثل الأهوار علامة مسجلة في بلاد الرافدين، وتمثل إرثا حضاريا يعود لآلاف السنين بكل ما يحمله من تنوع طبيعي وإحيائي وهوية بصرية، ومرفقا طبيعيا للسائحين شكل على مرور القرون.
وأوضح الخبير بالشأن المائي، أن "الخطة الزراعية انخفضت، وبدأنا نلتجئ للمياه الجوفية، وهذا يشكل خطر كبير في قادم الأيام"، مؤكداً أن "الطرق الدبلوماسية مع الجانب التركي لم تصل إلى نتيجة".
ودعا الموسوي، إلى "استخدام طرق قوى أخرى عن طريق اللجوء إلى الميزان التجاري، واللجوء إلى طريق التنمية للضغط على الجانب التركي للالتزام بالاتفاقيات".
وتشير آخر التقديرات إلى أن مساحة الأهوار تبلغ اليوم حوالي 4 آلاف كيلومتر مربع، بتراجع عن 20 ألف كيلومتر مربع خلال تسعينيات القرن الماضي. ولا يزال يقطنها نحو بضعة آلاف فقط.
أزمة المياه في العراق.. صراع البقاء بين الدبلوماسية والاستنزاف

نشر في: 20 فبراير, 2025: 12:01 ص