د. فالح الحمـــراني

قبل أيام قليلة من احتفال إيران بعيد، الثورة المصادف في في 4 فبراير جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بموجب مرسومه سياسة "الضغط الأقصى" على إيران. والهدف منها هو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية واحتواءها عسكريا لخفض نفوذها في المنطقة وتفكيك تحالفاتها لا سيما مع التشكيلات غير النظامية، وتتوخى كذلك خفض صادرات النفط من البلاد " إلى الصفر".
ويعيد المرسوم إلى حيز التنفيذ السياسة الصارمة التي اتبعها ترامب تجاه إيران خلال ولايته الرئاسية الأولى. وقد اتهم الرئيس مرارًا الإدارة الديمقراطية السابقة بقيادة جو بايدن بتخفيف الضغط على إيران. ووجه المرسوم التنفيذي وزير الخزانة الأمريكي بتطبيق " أقصى قدر من الضغط الاقتصادي" على إيران، بما في ذلك فرض العقوبات. وكجزء من هذه السياسة، ستشرع إدارة ترامب في اتخاذ تدابير تهدف إلى "خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الحد الأدنى". ولاحظ المراقبون أن هذا الإجراء حساس للغاية، حيث بلغت عائدات صادرات النفط الإيرانية في عام 2023، 53 مليار دولار مقارنة بـ 54 مليار دولار في العام السابق، وهو رقم قياسي بعد عام 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأدى مرسوم ترامب على الفور تقريبًا إلى انخفاض آخر في العملة الإيرانية. فقد أدى التذبذب السابق، في ليلة رأس السنة الجديدة، إلى انخفاض غير مسبوق - إذ انخفض التومان (الذي يساوي 10 ريالات) إلى 80 ألف لكل دولار أمريكي واحد. وفي اليوم التالي لمرسوم ترامب، في 5 شباط، وصل إلى مستوى تاريخي أقل من ذلك وهو 85 ألف تومان، في حين وصل سعر صرف اليورو إلى 89,100 تومان. ومن المثير للاهتمام أنه عشية وصول ترامب الجديد إلى البيت الأبيض، كان سعر صرف الدولار الأمريكي 81,000 تومان، وفي الأيام القليلة التي تلت بداية رئاسته الجديدة، ارتفع سعر الصرف بمقدار 4,850 تومان آخر. بالطبع ترجع موجة الانخفاض في قيمة العملة الإيرانية التي لوحظت هذه الأيام إلى المخاوف في السوق المحلية من التبعات الاقتصادية لقرارات ترامب بشأن إيران، بسبب التصعيد العسكري المتصاعد مع إسرائيل، والصعوبات المستمرة التي تواجه الاستراتيجية الإقليمية للجمهورية الإسلامية، والعجز الذي يواصل ارتفاعه في ميزانية حكومة الرئيس مسعود بيزشكيان. وتسلط جميع وسائل الإعلام الإيرانية الضوء على أن الدولار كان يساوي 59 ألف تومان قبل توليه الرئاسة في آب الماضي. ويقول موقع "تجارت نيوز" إن استمرار انخفاض التومان لاحقا يعتمد كليًا على الوضع السياسي، حيث تدفع الأخبار السلبية الدولار إلى مستويات مرتفعة جديدة.
ويتوقع خبير الأسواق المالية الإيرانية جواد فلاحيان أن التغييرات في سعر صرف العملة الوطنية في عام 1404 الإيراني (سيحل في 21 آذار 2025)، ستعتمد على نجاح المفاوضات مع الغرب بشأن الاتفاق بصدد البرنامج النووي الإيراني. وفي رأيه، "مع استمرار التوتر والتوقعات بارتفاع التضخم، يمكن أن يرتفع سعر صرف الدولار إلى 100 ألف تومان بحلول نهاية العام". ويعتقد محللون آخرون أن هذا قد يحدث في وقت مبكر من شهر آذار من هذا العام، أي في مطلع عام 1403-1404. فعدم استقرار السياسة الاقتصادية، إلى جانب زيادة عدم اليقين الاجتماعي، يمكن أن يؤدي إلى تقلبات حادة في سوق العملات. وتُظهر الممارسة، كما يلخص فلاحيان، أن عوامل السياسية الخارجية تؤثر بصورة حساسة على السوق في إيران. وهذا صحيح بالفعل: فقد وصلت قيمة الدولار الأمريكي الواحد إلى حوالي 89,650 تومان في صباح يوم 9 شباط كردة فعل على بيان المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يوم الجمعة بشأن رفض التفاوض مع الولايات المتحدة. وزاد هذا الرقم بحوالي 4000 تومان عن سعر صرف الدولار بعد تصريحه بأن مفاوضات إيران مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "غير معقولة وغير حكيمة وغير نزيهة".
ويرتبط التضخم أيضًا بارتفاع العملة الوطنية. وتُظهر بيانات مركز الإحصاء الإيراني لشهر كانون الثاني 2025 أن معدل التضخم الشهري للمواد الغذائية والمشروبات كان أعلى من معدل التضخم العام للمرة الرابعة خلال السنة الختامية 1403 من التقويم الإيراني (مارس 2024-آذار 2025). وهذا له أكبر تأثير نفسي على فهم الجمهور للتضخم. وتشير تقارير المركز إلى أن 27% من الإيرانيين يعيشون بدخل يومي لا يتجاوز دولارين؛ ما يعني أن ثلث سكان إيران لا يستطيعون تغطية نفقات المعيشة الأساسية. ويعاني 6.5% من سكان إيران من نقص التغذية. ومع ارتفاع سعر الدولار، ارتفعت أسعار السلع الأساسية عدة مرات، مما أجبر بعض السكان على استبعاد العديد من السلع الأخرى من سلة استهلاكهم.
وأعلنت لجنة الأجور التابعة لمجلس العمل الأعلى أن متوسط تكلفة المعيشة، المعدل حسب التضخم، اعتبارًا من كانون الثاني 2024، يبلغ حوالي 30 مليون تومان. ومع ذلك، في عام 1403، يبلغ الحد الأدنى للدخل لأسرة عاملة مكونة من 3.3 أشخاص حوالي 11 مليون تومان. وهذا يعني أن أجر الأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص يغطي 37% فقط من هذه السلة. ويشير المركز إلى أن جزءًا كبيرًا من المجتمع الإيراني يتبع نمطًا استهلاكيًّا لا يلبي الاحتياجات القياسية من السعرات الحرارية. ولكن حتى السلع الاستهلاكية التقليدية أصبحت أكثر تكلفة. وقد أكّدت صحيفة" شرق" مؤخَّرًا سياسة الإعلام الأصولي، الذي يلقي اللوم على الإصلاحيين الذين وصلوا إلى السُّلْطة في جميع مشاكل الوضع الاقتصادي في البلاد. وهناك مقال يقال فيه إن وزارة الجهاد الزراعي (كما تسمى وزارة الزراعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية) التابعة لحكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بيزشكيان قد أشارت إلى عجزها عن تنظيم سوق المواد الغذائية. كما تأثرت البطاطس أيضًا، وفي غضون أسابيع تجاوز سعر هذا المنتج 60 ألف تومان للكيلو جرام الواحد. هذا على الرغم من أن سعر البطاطس في أغسطس الماضي، عندما شُكّلت الحكومة الحالية، كان أقل من 20 ألف تومان. وفقًا للصحيفة كان سعر هذا المنتج الشعبي في البلاد مستقرًّا تمامًا، قبل مجيء حكومة بيزشكيان إلى السلطة، وكان دائمًا ما يتراوح بين 10 آلاف و20 ألف تومان. ولكن، منذ وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة، ارتفع سعر البطاطس، مثلها مثل السلع الغذائية الأخرى، ارتفاعًا حادًا في الأسعار. والآن، وفقًا لوزير الجهاد الزراعي، تخطط الحكومة لاستيراد البطاطس لخفض سعر المنتج. وقد سخرت الصحيفة من "ميزة استيراد البطاطس التي يمكن أن تُعزى إلى الحكومة الإصلاحية.