TOP

جريدة المدى > سياسية > غسيل أموال بواجهة أكاديمية.. التعليم الأهلي في العراق يتحول من "بديل تعليمي" إلى "استثمار سياسي"!

غسيل أموال بواجهة أكاديمية.. التعليم الأهلي في العراق يتحول من "بديل تعليمي" إلى "استثمار سياسي"!

إغلاق أكثر من 100 مؤسسة تعليمية مخالفة للضوابط

نشر في: 26 فبراير, 2025: 12:03 ص

 بغداد/ تبارك عبد المجيد

لم يعد التعليم في العراق وسيلة لبناء العقول وتطوير المعرفة كما يجب أن يكون، بل تحول إلى مشروع تجاري يُثقل كاهل العائلات، حيث تجد الأسر نفسها مجبرة على تسجيل أبنائها في المدارس الأهلية، بسبب تدهور التعليم الحكومي والاكتظاظ داخل الصفوف، بينما يستغل "تجار التعليم" هذه الحاجة، محولين العملية التربوية إلى سلعة تُباع وتشترى، دون وجود ضوابط للتنظيم.

توسع غير "مدروس"!
يهدد الانتشار غير المنظم للمدارس الاهلية التعليم المجاني المكفول دستوريًا وفق المادة 34. وترى سميرة الخفاجي، وهي مدرسة، أن "غياب الضوابط الواضحة لتنظيم التعليم الأهلي أدى إلى تراجع جودة التعليم الحكومي، مطالبة بسن تشريعات صارمة لضبط هذا القطاع". وتشير الخفاجي في حديثها مع مراسل (المدى)، إلى أن "العديد من المدارس الأهلية تدار من قبل جهات سياسية وأحزاب متنفذة، ما يحولها إلى مشاريع ربحية على حساب جودة التعليم"، كما أكدت أن "التوسع غير المدروس في التعليم الخاص يؤثر على فرص الطلاب في الحصول على تعليم مجاني بمستوى جيد". وتحذر الخفاجي من تصاعد نفوذ ما أسمتهم بـ"تجار التعليم"، الذين حولوا العملية التعليمية إلى سلعة، مشيرة إلى أن "العائلات تلجأ أحيانًا إلى الاقتراض لدفع تكاليف دراسة أبنائها في الكليات الأهلية، على أمل تأمين وظيفة حكومية تضمن استرداد ما أنفقوه". وتبين أن "هذه النظرة الاستثمارية أفرغت التعليم من جوهره الحقيقي، وهددت مستقبل الأجيال القادمة".
ولمواجهة هذه التحديات، شددت على ضرورة زيادة ميزانية وزارة التربية والتعليم، بهدف تطوير المدارس الحكومية وتحسين بنيتها التحتية، بالإضافة إلى تأهيل المعلمين عبر برامج تدريبية متخصصة، مما يسهم في رفع مستوى التعليم الحكومي وتحقيق العدالة التعليمية بين فئات المجتمع. والاهتمام بملف بناء المدارس في أطراف المدن واريافها.
وأكدت على أهمية التركيز على جودة التعليم الحكومي، بدلًا من ترك المجال مفتوحًا أمام التجارة والاستغلال. وترى أن المسؤولية لا تقع على الحكومة وحدها، بل على المجتمع بأسره، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فعلية لمحاسبة المخالفين، وليس الاكتفاء بالعروض الإعلامية.
وكشفت وزارة التربية في بيانها صدر بالسادس من شهر شباط الحالي، عن "إغلاق أكثر من 100 مؤسسة تربوية أهلية مخالفة للتعليمات والضوابط الوزارية الرامية إلى توفير بيئة تعليمية آمنة وخاضعة لمعايير الجودة الشاملة، وذلك بعد متابعة ميدانية حثيثة قامت بها اللجان المختصة التابعة الى المديرية العامة للتعليم العام والأهلي والاجنبي في محافظات العراق كافة".
واوضحت، أن "هذه الإجراءات شملت عددا من المعاهد والمدارس ورياض الأطفال غير المجازة رسميا في بادرة تهدف الى تحقيق استدامة تربوية متميزة مُعززة للأنظمة التعليمية الحديثة التي ترقى بالطلبة إلى درجات عليا من الإبداع الفكري والنفسي والاجتماعي دون منازع".

استثمار على حساب الجودة!
أصبح التعليم الأهلي في العراق يشكل عبئًا ماليًا متزايدًا على العائلات، في ظل تراجع مستوى التعليم الحكومي وافتقاره إلى البدائل المقبولة. ويرى المشرف التربوي، حيدر كاظم، أن أولياء الأمور "يُجبرون على تسجيل أبنائهم في المدارس والمعاهد الأهلية نتيجة لاكتظاظ الصفوف الدراسية، واعتماد نظام الدوام المزدوج والثلاثي، مما يقلل من جودة التعليم في المدارس الحكومية". وعلى الرغم من محاولات وزارة التربية فرض الرقابة على هذه المدارس، فإنها تواجه تحديات كبيرة في ضبط عملها. ويكشف كاظم لـ(المدى)، أن "العديد من المدارس الأهلية التي أغلقت بسبب تجاوزات إدارية وتعليمية عادت إلى العمل مجددًا، مستفيدة من الغطاء السياسي والدعم الحزبي الذي يحظى به مستثمروها". وأكد أن "معظم أصحاب هذه المدارس هم شخصيات سياسية أو مدعومة من جهات متنفذة، مما يمنحها حصانة من الإجراءات القانونية، ويجعلها في مأمن من المحاسبة". وشهد التعليم الأهلي انتشارًا واسعًا بعد عام 2003، إلا أن السنوات الأخيرة حملت معه طفرة خطيرة في هذا القطاع، وفقًا لكاظم، الذي يرى أن "الهدف الأساسي لهذه المدارس بات تحقيق الأرباح، إذ تجذب أعدادًا كبيرة من الطلاب عبر إغراءات شكلية، لكنها في الواقع تفتقر إلى المستوى التعليمي المطلوب".
يلخص كاظم حديثه بالقول أن "المشكلة لا تكمن في وجود التعليم الأهلي بحد ذاته، بل في تحوله إلى وسيلة لاستنزاف الأهالي ماليًا، فضلًا عن كونه أصبح ساحة نفوذ سياسي تهدد مستقبل العملية التربوية، وتعزز فكرة أن التعليم بات سلعة تُباع وتشترى، بدلًا من أن يكون حقًا مكفولًا للجميع".
بالتالي، لم يعد القطاع التعليمي في العراق بمنأى عن الظواهر الخطيرة التي تهدد مستقبل البلاد، وعلى رأسها غسيل الأموال، وهذا ما أكده المحلل السياسي، محمد زنكنة: "التجارة في العراق لم تعد تقتصر على الاستيراد والتصدير وبيع السلع، بل امتدت إلى قطاع التعليم الأهلي، الذي بات يستخدم كواجهة لتغطية أنشطة مالية مشبوهة".
ويقول زنكنة في حديث لـ(المدى)، إن "هناك شخصيات سياسية نافذة ومسؤولين في الدولة يمتلكون جامعات وكليات أهلية معترف بها رسميًا، رغم أن بعضهم حصل على شهاداتهم العليا من المؤسسات نفسها التي يديرونها. ويعتبر هذا الأمر مؤشرًا خطيرًا على تداخل المصالح الشخصية مع العملية التعليمية، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم ويحوّل الجامعات الأهلية إلى أدوات لغسيل الأموال".
ويضيف أن "أموال الطلاب تُستخدم في تمويل مشاريع أخرى، قد تكون غير قانونية، مثل تجارة المخدرات أو السلاح، في ظل ضعف الرقابة الحكومية". لا تقتصر آثار هذه الظاهرة على الجانب المالي فقط، بل تمتد إلى مستوى المخرجات التعليمية، حيث أدى ضعف الإشراف الأكاديمي إلى تخريج أعداد كبيرة من المهندسين والأطباء والمحامين ذوي الكفاءة المتواضعة. ويحذر زنكنة من أن هذا الواقع يتجلى في انتشار تصاميم إنشائية غير آمنة، وأخطاء طبية جسيمة، وتزايد أعداد خريجي القانون في سوق عمل مشبع وغير مؤهل، مما يهدد مستقبل المهن الحيوية في العراق.
يتابع حديثه: "استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة مهنية واجتماعية"، داعيًا إلى ضرورة فرض رقابة صارمة على المؤسسات التعليمية الأهلية لضمان عدم تحولها إلى مجرد أدوات للربح غير المشروع على حساب مستقبل الأجيال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

التحالفات تتحرك بين قوارب السوداني والمالكي بانتظار
سياسية

التحالفات تتحرك بين قوارب السوداني والمالكي بانتظار "بوصلة الصدر"

بغداد/ تميم الحسن حتى الآن، تبدو خارطة التحالفات الانتخابية القادمة منقسمة بين فريقين رئيسيين: فريق يقوده "السوداني"، وفريق "المالكي". وتتحرك القوى السياسية بين هذين الفريقين، حيث لا يمكن حتى اللحظة أن يُسمى تحالفًا انتخابيًا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram