ثائر صالح
قدمت الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية في حفلها يوم الجمعة 28 شباط الماضي كونشرتو البيانو الثالثة التي ألفها بيتهوفن، من أداء الفنانة عازفة البيانو العراقية المغتربة سلافة حداد بقيادة المايسترو محمد أمين عزت. وقد نفذت تذاكر الحفل في زمن قياسي ما يشير إلى الطلب الكبير على هذا النوع من النشاطات الثقافية الراقية.
اختلف مؤرخو الموسيقى في وقت تأليف هذا الكونشرتو، لكن الاتفاق يقول أن تأليفه استغرق سنوات، وربما يعني هذا إن حركات هذا العمل المكتوب وفق التقاليد الكلاسيكية قد كتبت بين فترات متباعدة. ويستنتج المحللون أن أسلوب العمل يعود إلى فترة بيتهوفن الفنية الأولى، ومن الدلائل التي يسوقونها هنا هي التقارب الشديد بين حركتها الأولى مع مثيلتها في كونشرتو البيانو كوخل 491، فالإثنتان في نفس السلم (دو الصغير)، ويتشابه البناء والشكل الموسيقي وحتى الخط اللحني. ومن يسمع الحركة الأولى سيلمس التأثير الشديد للغة موتسارت الموسيقية على بيتهوفن في ذلك الوقت. لهذا السبب يُعتقد أن مسودات بيتهوفن الأولية لهذا العمل تعود إلى حوالي 1797، لكن الجزء الأكبر قد أنجز في العام 1800، حتى قدم الكونشرتو للمرة الأولى في 5 نيسان 1803 سوية مع سيمفونيته الثانية واوراتوريو "المسيح على جبل الزيتون"، وهي فترة بدأ بيتهوفن فيها التأليف بصوته واسلوبه الخاص به.
مع ذلك ترافق العرض الأول بالعديد من المشاكل. لم تبدأ التدريبات على الحفل إلا صباح يوم العرض مع الخط الثاني للفرقة حسبما ذكر تلميذه فرديناند رَيْس. فقد تمكن متعهد حفلات منافس من التعاقد مع أفضل العازفين وضمهم إلى الفرقة التي قدمت العرض الأول لعمل يوزف هايدن الضخم اوراتوريو "الخليقة" مساء نفس اليوم. استمرت التدريبات حتى بعد الظهر حتى ارهق العازفون وساد جوٌ من الاحباط عليهم. كما كانت المدونة الموسيقية ناقصة حسب إغناتس فون سيفريد أحد تلاميذ بيتهوفن الذي كان يقلب له صفحاتها بينما عزف بيتهوفن على البيانو. وذكر أن صفحات كاملة كانت بيضاء، وأن بيتهوفن ارتجل الكادنسا، وهو الجزء الذي تصمت فيه الاوركسترا ليقدم العازف المنفرد مهاراته ويلخص العمل، وقد جرت العادة أن يكتب المؤلف ذلك الجزء للعازف المنفرد مسبقا. وقد قدم العمل للمرة الثانية بعد عام، هذه المرة بمدونة أكثر اكتمالاً وبعزف تلميذه فرناندو رَيْس.
الحركة الثانية تحمل النفس الرومانتيكي وتتطلع إلى المستقبل عندما سادت الرومانتيكية في الموسيقى. تبدأ الحركة بالبيانو المنفرد لوحده بسلّم بعيد عن سلّم الحركة الأولى في تسلسل سُلّمي قبل أن تتلقف الأوركسترا المسار. وحملت العلاقة بين الأوركسترا والعازف المنفرد روحية جديدة، مثل الحوار بين البيانو والفلوت والباسون (فاغوت).
تختتم الكونشرتو بحركة تنم عن سيادة الأسلوب الخاص ببيتهوفن والكثير من "ألاعيبه" رغم العناصر الموتسارتية والهايدنية (مثل عنصر المفاجأة في التنقل النغمي وهو أمر برع به هايدن). فهناك الكثير من التوتر والكثير من أجواء الصحوة المشرقة في نفس الوقت.
موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

نشر في: 2 مارس, 2025: 12:01 ص