TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا تبقى من القانون الدولي؟

ماذا تبقى من القانون الدولي؟

نشر في: 3 مارس, 2025: 12:48 ص

إيريك بوسنر

ترجمة: عدوية الهلالي

وعلى مدى أسابيع،هاجمت إسرائيل سوريا مراراً وتكراراً، فدمرت منشآت عسكرية واحتلت أراضٍ، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر استخدام القوة العسكرية ضد الدول الأجنبية إلا في حالة الدفاع عن النفس أو بإذن من مجلس الأمن. وفي حين أدانت بعض الدول إسرائيل، امتنعت الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى عن توجيه انتقادات، ربما خوفا من أن تقع الأسلحة في أيدي المنظمات الإرهابية. ولا يهم أن القانون الدولي لا ينص على مثل هذه الاستثناءات؛ وأصبح ضحية أخرى للأحداث.
إن الضربات الإسرائيلية في سوريا ليست مجرد مثال فردي فحالات نقض القانون الدولي موجودة في كل مكان حولنا، فقد غزت روسيا أوكرانيا في عام 2014، ثم ضمت في عام 2022 أراضي أوكرانية بشكل غير قانوني، كما استخدمت الصين العنف لتوسيع سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وهي الآن تبدو مستعدة لغزو تايوان - وهي النتيجة التي لا يعتقد أحد أن القانون الدولي سيمنعها. وعلاوة على ذلك، كانت التدخلات العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق وليبيا وأماكن أخرى في العقود الأخيرة تستند جميعها إلى نظريات قانونية مشكوك فيها. وتُرتكب الجرائم الدولية في جميع أنحاء العالم، في المناطق التي تعاني من الصراعات مثل إسرائيل وغزة وميانمار وإثيوبيا والسودان، وكذلك في البلدان الاستبدادية التي تنعم بالسلام.
وليست الحروب والعنف هي المؤشرات الوحيدة على تراجع القانون الدولي إذ يؤثر الاتجاه نفسه على الاقتصاد العالمي. وتراقب منظمة التجارة العالمية، التي أصبح جهازها الاستئنافي عاجزاً عن أداء مهامه، تصاعد النزعة الحمائية في العالم بلا حول ولا قوة. وعلى نحو مماثل، فإن الأداء الضعيف لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية يجعل طموحات مؤسسيهما موضع سخرية.
وهناك تطور أقل وضوحا، ولكنه لا يقل أهمية، وهو أن قانون الاستثمار الدولي أثار ردود فعل عنيفة من جانب المستفيدين المستهدفين. وكان من المفترض أن تعمل معاهدات الاستثمار الثنائية على تعزيز التنمية الاقتصادية في البلدان الفقيرة من خلال حماية المستثمرين الأجانب من المصادرة. ولكن هناك أدلة قليلة على أن القانون ساعد هذه البلدان على اللحاق بالركب. وعلى العكس من ذلك، استغلت الشركات المتعددة الجنسيات هذه الظاهرة لمنع البلدان النامية من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والتنظيمات البيئية التي من شأنها أن تؤدي إلى تقليص هوامشها.
وعلاوة على ذلك، أثار القانون الدولي لحماية المهاجرين ردود فعل عنيفة في العديد من البلدان، وخاصة تلك التي غمرتها أعداد كبيرة من طالبي اللجوء. ومع تراجع الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، اضطر الاتحاد الأوروبي، الذي خسر المملكة المتحدة، إلى التعامل مع الحكومات غير الليبرالية في المجر، وحتى وقت قريب في بولندا، كما يواجه تحديات جديدة مع اكتساب الأحزاب اليمينية المتطرفة السلطة في الدول الأعضاء.
وفي الولايات المتحدة، فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية لعام 2024 على الرغم من، أو ربما بسبب، تجاهله للقانون الدولي. وبعد أن انسحبت بلاده من أكثر من اثنتي عشرة اتفاقية ومنظمة دولية خلال فترة ولايته الأولى، فقد فعل الشيء نفسه مع منظمة الصحة العالمية بعد تنصيبه. ولكن من الصحيح على نطاق أوسع أن إحجام الولايات المتحدة عن تعزيز القانون الدولي كان غير متفق عليه بين الحزبين في السنوات الأخيرة.
لماذا؟ ان التفسير الأبسط لذلك هو أن القانون الدولي أصبح ضحية لردود الفعل المناهضة للعولمة إذ كانت العولمة في وقت ما الطريق الموعود للحرية والثروة، لكن الناس اليوم يربطونها بالهجرة غير المنضبطة، وفقدان الوظائف، والأوبئة، والأزمات المالية، والصراعات. ولكن الفوائد التي ولدتها للنمو العالمي لم تكن كبيرة بما يكفي، أو واسعة النطاق، أو واضحة بما يكفي للتعويض عن هذه الآثار.
وعلاوة على ذلك، فإن القانون الدولي لا وجود له إلا بقدر ما تكون الدول راغبة وقادرة على إنفاذه. ومع إدراك الحكومات بشكل متزايد أن القانون يشكل عقبة أمام تحقيق أهدافها، التي تتغير مع تغير الاحتياجات الوطنية والعلاقات الدولية، فقد تضاءل الاهتمام بالحفاظ عليه. وفي تسعينيات القرن العشرين، كان من الشائع القول إن القانون الدولي يتدخل في الاختصاصات التقليدية للدول، من خلال الأحكام التي تحكم العلاقات الأسرية، والمعايير الدينية، والقيم الثقافية، وتنظيم الاقتصاد. وكان أنصار القانون الدولي يعتقدون أن من شأنه أن يشجع الدول على تبني القيم الأخلاقية والسياسية المشتركة، وهو ما لم يكن واضحا. وكانوا يعتقدون أيضاً أن البلدان سوف تنحني أمام إجماع واشنطن ــ التجارة الحرة والاستثمار الحر، وحقوق الملكية، والأسواق القوية، والضرائب المنخفضة. ولكن الرخاء الوطني يعتمد على الاستقرار، والاستقرار يتطلب تقاسماً واسع النطاق للفوائد الاقتصادية، واحترام الثقافات والأعراف المحلية، والشعور بين المواطنين بأن قادتهم السياسيين مسؤولون أمامهم، وليس أمام المنظمات غير الحكومية الأجنبية والبيروقراطيات الدولية التي أصبحت أهدافاً سياسية ملائمة.
وفي الماضي، ركز القانون الدولي على حماية السيادة، وإنشاء أشكال أساسية من التنسيق (مثل الحدود، والمناطق الزمنية، والقواعد البحرية، وبروتوكولات الاتصالات)، ومع قدر أقل من النجاح، الحد من أشكال العنف الأكثر تطرفا، وخاصة في الحرب. ولقد حثت العديد من الدول، وليس فقط الصين وروسيا، العالم منذ فترة طويلة على العودة إلى هذا النهج المتواضع ولكن المستدام. ولقد عارضت الولايات المتحدة، بطلة الأممية الليبرالية، هذا القرار. وفي ظل حكم ترامب، فقد ينضمون إليهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: جوبز ولعبة التصريحات

العمود الثامن: تزوير ترامب !!

صمت!

العمود الثامن: مستشار كوميدي!!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

 علي حسين في العام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا...
علي حسين

باليت المدى: من يتذكر سعيد شنين؟

 ستار كاووش من سنحت له فرصة متابعة الفن التشكيلي العراقي بشكل جيد، سيعرف لماذا أتساءل عن سعيد شنين، هذا الفنان الذي كان في الثمانينيات يملأ الوسط الفني بجمال خطوطه وقوة تكويناته المبتكرة وإحساسه...
ستار كاووش

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

غالب حسن الشابندر وأنت متوجِهٌ إلى الكرادة الشرقية ـ داخل بمقدمك من الباب الشرقي تستوقفك لوحة كبيرة قد عُلّقت على أحد أعمدة الكهرباء المنتصبة قبال جامع الجندي المجهول... لوحة مزدانة بإطار تمّ إختياره من...
غالب حسن الشابندر

ماذا تبقى من القانون الدولي؟

إيريك بوسنر ترجمة: عدوية الهلالي وعلى مدى أسابيع،هاجمت إسرائيل سوريا مراراً وتكراراً، فدمرت منشآت عسكرية واحتلت أراضٍ، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر استخدام القوة العسكرية ضد الدول الأجنبية إلا في حالة...
إيريك بوسنر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram