TOP

جريدة المدى > سياسية > من الضغوط النفسية إلى الانتحار.. كيف يدفع الابتزاز الإلكتروني ضحاياه إلى الهاوية؟

من الضغوط النفسية إلى الانتحار.. كيف يدفع الابتزاز الإلكتروني ضحاياه إلى الهاوية؟

البرلمان يقول إن استحداث مديرية خاصة قد يحد من الجريمة

نشر في: 4 مارس, 2025: 12:10 ص

بغداد/ تبارك عبد المجيد

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، بات الابتزاز الإلكتروني واحدًا من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمع العراقي، مستهدفًا بشكل خاص النساء والمراهقين.
وبينما تتزايد حالات الابتزاز عبر الإنترنت، يجد الضحايا أنفسهم محاصرين بالخوف والعار، مما يدفع بعضهم إلى الصمت أو حتى الانتحار. ورغم الجهود المبذولة لمكافحة هذه الجرائم، تبقى الحاجة ملحة لتشديد القوانين، وتعزيز الوعي الأمني، وتوفير الدعم النفسي والقانوني لحماية الأفراد من مخاطر العالم الرقمي.
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ياسر وتوت، أن "استحداث مديرية مكافحة الجرائم الإلكترونية يشكل خطوة مهمة في مواجهة الجرائم الإلكترونية المتزايدة، خصوصًا حالات الابتزاز التي تستهدف النساء والمراهقين، والتي أودت بحياة العديد من الضحايا في الآونة الأخيرة".
واضاف وتوت في حديث لـ(المدى)، أن "الابتزاز الإلكتروني بات ظاهرة خطيرة في المجتمع العراقي، إذ تستغل العصابات الإلكترونية الضحايا للحصول على مبالغ مالية، مما يدفع البعض إلى الانتحار نتيجة الضغوط النفسية".
وتابع أن "المديرية الجديدة ستتولى رصد ومتابعة الجرائم الإلكترونية، بما فيها الخطاب المتطرف، بالتعاون مع الأجهزة القضائية والتنفيذية، لضمان إنهاء هذه الجرائم وتقديم الجناة إلى العدالة".
وتستهدف عصابات الابتزاز النساء بالدرجة الاولى بنسبة 70 في المئة، والذكور بنسبة 30 في المئة، وفقاً لوزارة الداخلية.
لم يعد الابتزاز الإلكتروني مجرد تهديد عابر في العالم الرقمي، بل تحول إلى واحدة من أخطر الجرائم السيبرانية التي تستهدف الأفراد والمؤسسات على حد سواء، مستغلة التطور التكنولوجي وسهولة الوصول إلى البيانات الشخصية.
بدوره، يقول المختص في الأمن السيبراني حسين يعقوب السعيدي في حديث لـ(المدى)، إن "الابتزاز الالكتروني، جريمة باتت سلاحًا بيد المجرمين لإخضاع الضحايا دون الحاجة إلى مواجهات مباشرة".
ويشير إلى أن "المبتز الإلكتروني غالبًا ما يختبئ خلف شاشته في الظلام، بينما يعيش الضحية في دوامة الخوف والإحراج، ما يدفعه في كثير من الأحيان إلى الاستسلام".
ويوضح السعيدي، أن "الابتزاز الإلكتروني ليس مجرد تهديد بنشر معلومات حساسة، بل هو عملية معقدة تجمع بين الأدوات التقنية والتلاعب النفسي. ويعتمد المبتزون على عدة أساليب، أبرزها الاختراق المباشر عبر استغلال ثغرات أمنية في الأجهزة، والتصيد الاحتيالي الذي يُخدع فيه الضحية لتقديم معلوماته دون إدراك، بالإضافة إلى الهندسة الاجتماعية التي تستغل العلاقات والثقة للحصول على البيانات الشخصية".
ويعزو السعيدي انتشار "جريمة الابتزاز الالكتروني" إلى ضعف الوعي الأمني لدى المستخدمين، وسهولة الوصول إلى أدوات الاختراق عبر الإنترنت المظلم، فضلًا عن غياب القوانين الرادعة في بعض الدول. كما أن التأثير النفسي العميق للابتزاز يدفع الضحية غالبًا للاستسلام بدلاً من المواجهة.
ويتخذ الابتزاز الإلكتروني أشكالًا متعددة، منها الابتزاز الشخصي الذي يستهدف الأفراد بمعلومات حساسة، والاقتصادي الذي يهدد الشركات للحصول على بيانات سرية، والسياسي الذي يستهدف شخصيات عامة، بالإضافة إلى الابتزاز العاطفي الذي يبدأ بعلاقات وهمية قبل أن يتحول إلى تهديد مباشر
أما المبتزون، فليسوا جميعًا على نفس المستوى، إذ يتنوعون بين هاوٍ يستخدم أدوات بسيطة، ومحترف يمتلك خبرة واسعة في القرصنة، إلى جانب شبكات إجرامية منظمة تعمل وفق خطط دقيقة، ومبتزين نفسيين يسعون للسيطرة على الضحايا أكثر من رغبتهم في المال.
ولتفادي التعرض للابتزاز، يشدد السعيدي على أن الوقاية هي الحل الأمثل لمواجهة الابتزاز الإلكتروني. ويؤكد ضرورة الامتناع عن مشاركة المعلومات الحساسة عبر الإنترنت، واستخدام كلمات مرور قوية مع تفعيل المصادقة الثنائية، وعدم التجاوب مع المبتزين مهما كانت التهديدات، وفي حال التعرض للابتزاز، ينصح السعيدي بالتعامل بهدوء والاحتفاظ بالأدلة، مع إبلاغ الجهات المختصة فورًا لضمان متابعة القضية بشكل قانوني.
ويضيف، أن "الابتزاز الإلكتروني جزء من الواقع الرقمي الذي نعيشه، ولا يمكن القضاء عليه دون تعزيز الوعي الأمني لدى المستخدمين"، ويختتم بدعوة الجميع إلى عدم الخضوع للتهديدات، لأن هناك دائمًا طريقًا للخروج والانتصار على هذا الخطر الرقمي.
تزايدت حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق خلال الفترة الأخيرة، مستهدفة النساء والمراهقين بشكل خاص، وتقول الناشطة مرح إياد لـ(المدى)، إن "الثقة المفرطة بمجهولي الهوية على الإنترنت تعد أحد الأسباب الرئيسية وراء تنامي هذه الظاهرة، حيث يتم تبادل الصور والمعلومات الشخصية دون إدراك للعواقب المحتملة".
وتضيف أن "التعامل مع أشخاص يدّعون ممارسة السحر والشعوذة يمثل تهديدًا إضافيًا، إذ يستغل هؤلاء الضحايا نفسيًا وماديًا، ويبتزونهم بنشر صور أو معلومات خاصة".
وتشير إياد إلى أن النساء والفتيات الشابات هن الأكثر عرضة لهذا النوع من الجرائم، نتيجة الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تعيق إبلاغهن عن الابتزاز خوفًا من الفضيحة. وتؤدي هذه الضغوط إلى آثار نفسية خطيرة مثل العزلة والاكتئاب، وقد تصل إلى الانقطاع عن الدراسة أو العمل.
ورغم وجود قوانين تعاقب على جرائم الابتزاز الإلكتروني في العراق، إلا أن إياد ترى أن تطبيقها بحاجة إلى سرعة أكبر وحزم أكثر لحماية الضحايا ومنع استمرار هذه الجرائم. وتضيف: "العديد من الضحايا يفضلون الصمت خشية العار، ما يساهم في تفاقم المشكلة".
وتدعو إلى تشديد العقوبات على المبتزين وتسريع إجراءات المحاسبة، بالإضافة إلى إنشاء وحدات متخصصة في الأمن الإلكتروني لمتابعة هذه القضايا بكفاءة. كما تقترح إطلاق حملات توعية وطنية لتحذير المستخدمين من مخاطر التعامل مع الغرباء عبر الإنترنت، وتوفير دعم نفسي وقانوني للضحايا.
وترى أن المؤسسات التعليمية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الوعي الرقمي لدى الشباب.
وتقول: "يجب إدراج التوعية بالأمان الرقمي في المناهج الدراسية وتنظيم ورش عمل حول كيفية التعامل مع التهديدات الإلكترونية".
وفي الوقت الذي ترى فيه إياد أهمية وجود مديرية مكافحة الجرائم الإلكترونية، فإنها تحذر من احتمال استخدامها بطريقة خاطئة لقمع الحريات أو ملاحقة الصحفيين والمعارضين. وتشير إلى أن قانون جرائم المعلوماتية المطروح في البرلمان يعاني من غموض في التفريق بين النقد المشروع والإساءة، ما يثير مخاوف بشأن حرية التعبير.
وتختتم إياد حديثها قائلة: "رغم تقديم بعض الجهات نسخة معدلة من القانون بالتعاون مع شخصيات المعنية، إلا أن البرلمان الحالي يبدو غير مهتم بتبنيها، في ظل توجهه نحو تشريعات تحد من حرية الرأي والتعبير بدلاً من حمايتها".
يعاقب القانون العراقي جريمة الابتزاز الإلكتروني بموجب المواد 430 و431 و432 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969. وتنص المادة 430 على معاقبة من يهدد شخصًا بارتكاب جناية ضد نفسه أو ممتلكاته أو سمعة شخص آخر، بالسجن لمدة قد تصل إلى سبع سنوات أو الحبس. كما تفرض المادة 431 عقوبات بالسجن على من يهدد آخر بارتكاب أفعال تضر بسمعته أو ماله.
وقامت العديد من الدول العربية بوضع قوانين خاصة بجرائم الابتزاز الإلكتروني مثل الجزائر، مصر، تونس، والمغرب وتشديد العقوبات، في الجزائر على سبيل المثال، تم فرض عقوبات قاسية للتهديد باستخدام الصور إلى جانب عقوبات أخرى تخص الابتزاز الإلكتروني.
أما في العراق، إلى الان لا يوجد قانون صريح ينظم الجرائم الإلكترونية أو يعالج قضايا الابتزاز الإلكتروني بشكل مباشر، فإن أجهزة الشرطة تعتمد على مواد من "قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969" للتعامل مع مثل هذه القضايا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

التحالفات تتحرك بين قوارب السوداني والمالكي بانتظار
سياسية

التحالفات تتحرك بين قوارب السوداني والمالكي بانتظار "بوصلة الصدر"

بغداد/ تميم الحسن حتى الآن، تبدو خارطة التحالفات الانتخابية القادمة منقسمة بين فريقين رئيسيين: فريق يقوده "السوداني"، وفريق "المالكي". وتتحرك القوى السياسية بين هذين الفريقين، حيث لا يمكن حتى اللحظة أن يُسمى تحالفًا انتخابيًا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram