TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن المصلحة وأصولها

عن المصلحة وأصولها

نشر في: 11 مارس, 2025: 12:02 ص

عبد الكريم البليخ

ماذا نفهم عندما نقول إنَّ زيداً أو عمراً من الناس لا يَعرفكَ أو يأتيك إلّا عند حاجته؟ هذه "المصلحة" قد تدوم فترةً من الوقت، وقد تكون قصيرة، بل قد لا تتجاوز ساعات معدودة! وهذا الصاحب سرعان ما ينكشف أمام الجميع.
وصفٌ بلا شك ينطبق على المتملقين، المنافقين، الوصوليين، المستغلين، ومَن يُجيدون فن التزلف، فالقائمة تطول. جميع هذه المسمّيات تتقاطع في شخصية واحدة، كيان واحد، يُعرفُ باسم "المَصلحجي". شخصية أنانية، لا ترى سوى ذاتها، محمّلة بكل هذه الصفات الذميمة التي يمقتها المجتمع ويزدريها.
وما أكثر أولئك الذين يمكن تصنيفهم تحت هذا العنوان! أمرهم غريب، فبمجرد حاجتهم إلى خدمة - مهما كانت تافهة وبسيطة - تجدهم يتوددون ويتملقون، نافخين في فريستهم روح الاستعطاف حتى يتمكنوا من السيطرة عليها. هذا النمط بات منتشراً بكثرة، يعاني منه الجميع، لأن "المصلحة" أصبحت تطغى على القيم والمبادئ، حتى تحولت علاقاتنا إلى سطحية، لا عمق فيها. بل إنّها امتدت إلى الأسرة نفسها، وأصبحت الروابط فيها واهية، تتداعى عند أول اختبار.
ويكادُ يكون هذا المشهد أكثر وضوحاً بين أبناء الجاليات العربية في دول الاتحاد الأوروبي، حيث باتت المصالح الفردية تطغى على الروابط الأسرية، وأصبحت العلاقات مبنية على تحقيق المكاسب، لا على المودة والتراحم. والأمر لم يَعُد بحاجة إلى جهدٍ لاكتشاف حقيقة هؤلاء؛ فمع الاحتكاك المباشر والتجربة، تنكشّف المعادن، ويتضح المخبوء. وللأسف، انتقلت هذه العدوى إلى الأبناء أيضاً، فأصبحت المصلحة هي الدافع وراء سلوكهم، سواء لتحقيق غاية، أو لبلوغ هدف معين.
والأسوأ من ذلك، أنّ البعض صار مستعداً لتقديم التنازلات، وممارسة التملق والتذلل، بل واللعب على كل الحبال، فقط ليحصل على ما يريد. وهذه الظاهرة لم تعد تقتصر على العلاقات الاجتماعية فحسب، بل تغلغلت إلى صميم الأسرة، فأصبح الآباء أنفسهم يلجؤون إلى هذا الأسلوب مع أبنائهم، في محاولة لكسب رضاهم أو تحقيق توازن هشّ داخل البيت.
وهذا ينطبق أيضاً على الزوجة، التي قد تسعى لتمرير "مصلحتها"، سواء أكانت مادية، أم للتملص من مسؤولياتها، أو لاختلاق الذرائع للابتعاد عن زوجها والانصراف إلى ما تراه أكثر أهميةً. المشكلة الحقيقية أنَّ المصلحة أصبحت عاملاً هداماً يُهدّد استقرار الأسرة، خاصة مع القوانين الأوروبية التي تمنح المرأة حقوقاً واسعة، قد تؤدي - إن أُسيء استخدامها - إلى تفكيك الأسرة، ومنحها سلطة تتجاوز حدود الإنصاف والعدالة.
لسنا هنا ضد تمكين المرأة أو حمايتها، خصوصاً إن كانت ضحية لزوج مستبد أو مُعنِّف. ولكن المشكلة لم تَعُد محصورة في ذلك، بل تجاوزت الحدود، حتى بات بوسع الزوجة - وبمجرد اتصال هاتفي بالشرطة - أن تُخرج زوجها من منزله، وتجرّده من كثير من حقوقه، بأبسط الذرائع والحجج. والأسوأ، أنّ بعضهن يستغللن هذا الوضع في تواصل غير مشروع، متذرعات بمبرّرات واهية، مستفيدات من وسائل التواصل الاجتماعي التي يصعب ضبطها.
وهكذا، ارتبطت "المصلحة" بكل هذا المشهد، ومعها تراجعت هيبة الرجل، ولم يَعُد أمامه سوى الإذعان، أو الصمت حيال التجاوزات التي تحدث أمامه. فالغربة لم تَعد مجرد تجربة حياتية، بل تحولت إلى اختبار قاسٍ، تتغير فيه الأدوار، ويتبدل ميزان القوة. ومن المؤسف أنَّ الاحترام والتقدير اللذين نشأنا عليهما بدأا يتآكلان أمام هذا الواقع الجديد!.
الحديث في هذا الأمر متشعب، وهناك مشاهد أخرى أكثر إيلاماً، دفعت الرجل في كثير من الأحيان إلى الصمت المطبق، لأنه بات الخيار الوحيد للخروج بأقل الخسائر. بينما تستمر الزوجة في شق طريقها، متجاوزةً الكثير من القيم والأعراف التي لا تزال مجتمعاتنا العربية تتمسك بها. لقد انقلبت الموازين، وأصبح الرجل هو الطرف الأضعف، يُجرَّد من حقوقه بسهولة، ويُلقى به خارج بيته، وكأنه شخص طارئ على حياة من كانوا يوماً أقرب الناس إليه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الانحدار الأخلاقي؟ وكيف أصبح من الطبيعي أن تتصرف بعض النساء بهذه الصورة دون أن يَردعَهُن قانون أو عرف أو حتى ضمير؟ لقد أصبحت المرأة في بعض الحالات تمتلك سلطة مطلقة، تمارسها بجرأة لم يكن لها مثيل، تدوس بها على كل من يحاول الوقوف في طريقها، حتى لو كان الأمر لا يتجاوز مجرد كلمة عابرة أو موقف عفوي.
إنَّ الحلول اليوم تبدو شبه مستحيلة، ما دامت المرأة قد تجاوزت كل الحدود، وانطلقت بلا قيد أو ضابط، حتى صار الرجل مهدداً في أبسط حقوقه. وما نأمله بعض الإنصاف، على أن تُراجع المرأة نفسها قبل أن تتخذ قراراً تعسفياً يدفع زوجها إلى الشارع، ليجدَ نفسه فجأةً بلا أسرة، بلا بيت، بلا مستقبل. وإلا، فإن المصير معروف: الطرد، السجن، أو الترحيل!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram