TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإدارة العامة ووطنية الأداء

الإدارة العامة ووطنية الأداء

نشر في: 11 مارس, 2025: 12:03 ص

ثامر الهيمص

عادة ان تكون الزراعة هي القطاع الاول في الاقتصادات، ما قبل الدولة وما بعدها، اي بعد ان تزدهر الزراعة والثروة الحيوانية، هنا تحتاج الى ادارة، محددة الاهداف من خلال قوانين واعراف. وتتطور الزراعة بعد ابتكار صناعي للترويج والتسويق, لتخرج الزراعة والانتاج الحيواني من اطارها البدائي الرعوي. من هنا يظهر دور الدولة, في حماية المنتج الوطني, حيث تحتدم المنافسة المشروعة وغير المشروعة, لتوضع القوانين التي تحمي المنتج الوطني, بكمارك والمكس, مع سيطرة نوعية وشرعية وصحية بحدها الادنى.
اذن هناك ارادة وادارة تبلورت ونضجت, اي ادارة عامة. بواكير هذه الادارة العملية, كانت في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي, (ان الصناعة العراقية لا تزال في طور نشوئها, وقد اسس حتى الان نحو من 70 من المشاريع الصناعية تمتع بالاعفاءات المنصوص عليها في قانون تشجيع المشاريع الصناعية, وذلك عدا المشاريع الاخرى التي لا تنطبق عليها احكام هذا القانون. وتدار هذه المشاريع على الغالب بالقوة الكهربائية, وهي تختص السكائر والثقاب والصابون والعطور والغزل والنسيج والحياكة والسدائر والاحذية والدباغة وحلج القطن والازرار والطابوق والكاشي والواح البردي المضغوط وتوليد الاوكسجين والاسطوانات والطباعة والورق واجزاء المحركات الزراعية وسدادات القناني واستخراج الدهون والطحين وتقطير الكحول والبيرة والالبان والحلوى والمعكروني.
وهناك صناعات حديثة اخرى كتوليد القوة الكهربائية وصناعة البضائع الجلدية والثلج والاشربة الباردة والصودا والزجاج والمرايا والخزف وغيرها. وحرية بالذكر صناعة استخراج النفط وتصفيته التي انشئت على احدث الاسس على اثر استنباط منابع النفط الغزيرة. (القيت هذه المحاضرة من دار الاذاعة العراقية في مساء 5 كانون الثاني 1941. من قبل الاستاذ مير بصري. كما وردت في كتابه / ص155/مباحث في الاقتصاد العراقي / 1948 /).
نعم هذا اقتصادنا منذ ما يقارب 90 عام, ونحن في هذا الاطار, نقول اين كنا واين اصبحنا, اي بتراجع وليس مراجعة, حيث لا نحتاج في ضوء الارقام من انحدار في الواردات غير النفطية, التي تحتاج ادارة باهداف محدده بالارقام, في ضوء القاعدة الصناعية اعلاه, وفي ضوء بداية التراجع, كما يقول: د. محمد سلمان حسن, حيث دخلنا برزخ التبعية بدل التنمية المستدامة او خاماتنا او ميزات ارضنا وموقعنا من الناحية المناخية.
(واول خصائص التبعية الاقتصادية هذه تنصب على طغيان القطاع النفطي ا لاجنبي على الاقتصاد المحلي الوطني. وقد بلغ هذا الطغيان ذروته عام 1956, حيث بلغت قيمة انتاج وصادرات النفط العراقي من شركات النفط الاحتكارية حوالي (140) مليون دينار, بيينما كان مجموع قيمة الانتاج اللانفطي (الزراعي والصناعي والتجاري)يعادل (160) مليون دينار في نفس السنة. وهذا يعني ان نسبة قيمة انتاج القطاع النفطي الاجنبي الي مجموع قيمة البضائع والخدمات المادية المنتجة في العراق كانت حوالي (47%) في عام 1956. (د. محمد سلمان حسن / دراسات في الاقتصاد العراقي /ص309 / 1966)..
التساؤل المشروع دائما هو لماذا وكيف, هل لاننا مجتمع متنوع عموديا تتقاسمه الطائفية والعنصرية فقط؟ هذا السبب غير كاف وحده, كما لمسناه, كونه يحتاج لتفاوت طبقي حاد, يعيد انتاج الدورة التي يـتأكل فيها الاخضر واليابس, كما اتضح اعلاه والتحول او التراجع منذ 1956. فالبعد الاثني والطائفي كان وراء اغلب التراجعات لاسباب داخلية. فعلى المستوى الافقي لا نستطيع ان نفهم على الاقل, ان المثنى بلغت نسبة الفقر 40% وفي اربيل 7% وفي الموصل نسبة فقر 13% بعد ان كانت 38% بالمقارنة مع 2018. (جريدة طريق الشعب ليوم 27/2/2025).
هناك عوامل غير موضوعية لم تعالج, حيث الاسباب غير معقولة في ظل الفورة النفطية, التي تلعب دور الاطفائي لمعالجة الصدمات, اذ ينخفض الفقر ليس بناءا على التصنيع والزراعة والخدمات السياحية عموما. اذن السبب (اداري مسيس في المجتمعات) تاريخيا حيث لم تكن الوطنية حاضرة بحدها المطلوب لردم الفجوات حسب جداول ونسب الفقر, اي لم تؤخذ بالحسبان, عند التخطيط الذي يعتمد مثلا مناطقية لا عتبارات سياسية, حيث تهمل مناطق الاحتجاج قبل الديمقراطية, والديمقراطية الان لاتهمل الجانب الانتخابي, لتتعزز الحالة ويتكرس تاثيرها. (ان الديمقراطية في المجتمعات المتعددة اثنيا تؤدي الى انتشار العنف الاثني وانهيار المجتمع, لان الجماعات الاثنية تسعى للهيمنة والسيطرة على العملية الانتخابية. كما انهم يعتبرون ان التعددية الاثنية ترتبط عادة بالرغبة في اقصاء الاخرين وتكوين الميليشيات والعنف. / سهام فوزي / التحول الديمقراطي في المجتمعات الاثنية / دراسة مقارنة / العراق وجنوب افريقيا / ص/ 315 / 2019 / مركز دراسات الوحدة العربية). فادارة الصراع والتفاوت تستعصي على الحل, بدون اهداف تنفيذية دقيقة واضحة بجدول زمني ورقابة وحسب اولويات علمية.
نعود لنسأل وكيف. لسنا اول شعب واخر مجتمع تعبث به عوامل الفقر, لتأخذ طابعها وغطائها المؤدلج لتكريس الهوية الفرعية, فالفقر بجهله واغطيته الثقافية المسيسة وراء ذلك اولا, ولكن للجغرافية الوطنية, كبنية تحتية للثقافة الوطنية لا تساعد على التواصل الاجتماعي في ظل جهات لازالت مستفيدة من الانغلاق, كما ان الطرق غير سالكة تماما للتجارة المحلية, اضافة الى عوامل اخرى ولعل ابرزها المشروع الديمقراطي المستورد, وليس كما اخترعه شعب منديلا واجرى المصالحة الوطنية اي حجر الاساس رغم اسوار العنصرية التاريخية.
نحن الان مهددين ارضا وماءا وسماء, وبلغة اخرى اقتصاديا لحد ادنى نتيجة الريع النفطي امنيا لاعتبارات جيوسياسية, سياسيا وحسب شاشة البرلمان ان الوضع غير مشجع سيما والحراك الانتخابي صهيل خيله يتجلى عمليا في لوحة التفاصل.
بما اننا الان في عين العاصفتين الاقليمية والدولية, سوف لا تحمينا التحالفات ومذكرات التفاهم, مالم ندرك من يحك جلدنا غير اضفارنا, لكي نتلمس طريقنا, ونحن في عين العاصفة, فلنراجع امرنا قبل ان يبلعنا التراجع, الذي كان ولازال لا يأتي من خلال التكافئ في العلاقات, بل بالتبعية حتى من اقرب الجيران, كون هذه العلاقة منتجة على المدى القريب للطرف المستفيد ومن يمثله في الداخل.
انطلاقا من هذا المبدأ, على الاقل ان نضع الجنبة الادارية الاصولية, كقاعدة مشتركة, حيث وصل التغانم لمرحلة الاستنفاذ دونه حد السيف, كما نلمسه من تعدد الاحزاب المئوية استعدادا لانتخابات برلمانية قادمة. اذ جمعيها لا تملك برنامج عملي محدد بابعاد الرقمنة العصرية قديمها وجديدها.
فالجنبة الادارية تقتضي من حيث المبدأ ما يلي: اولا / الاعتراف بالفساد وخطورته من خلال المحاصصة في الدرجات الخاصة والاعتراف بأنه وراء التراجع عموما من السياسة الخارجية الى ابسط التفاصيل من غسيل اموال وتهريبها للخارج بالوسائل المعروفة. ثانيا/ الاقرار ان العناصر القيادية في الدرجات الخاصة لم يكن المعيار الاول هو الكفاءة والخبرة مع الاعتراف ان هذا السبب كان ولازال سببا في تراجع الاداء عمدا او جهلا او كليهما. ثالثا / النظام الضريبي اذا لم يكن عاما ورقميا يصبح ثغرة تبلع اكثر من كلفة فضيحة القرن العراقي. رابعا / مجاس المحافظات مع الاحترام لدستوريتها, لكنا كانت مزرف رفيع ادى الى خسارات معروفة, بالمقارنة بين شغل الكراسي وشغورها كما سمعنا من جهات ذات علاقة, فالعبرة ليس في احترام النص بدون تطبيقة بحذافيرة. خامسا / قانون النفط والغاز والصناعة النفطية لا زالا ضحية التناحر الثلاثي, رغم خطورة وجودهما على الرف. سادسا / غياب النقابات والجمعيات وقانون الاحزاب وراء كل او اغلب المخالفت الادارية والقانونية, اذ لم يكن تربطهما علاقة العمل ولا تجندهما احزاب بلا قانون..
هذه الجنبة الادارية لا يسعى لها او للاخذ بها بنظر الاعتبار كساحة اعتراف او مناسبة الا من كان مرشحا افقيا اي من يمثل شريحة ذات طايع مهني اقتصادي, وليس ممثلا لجمعيات احسان موسمية.
لدينا ما يكفي من كوادر وكفاءات خارج وداخل الجامعات والمعلومة لم تعد سرية بفضل النت والذكاء الاصطناعي, والمعايير الدولية جاهزة لالتقاط التقدم والتراجع, بالمقابل لدينا امية تتفاقم من التسرب وعوامل الفقر وراءها, وتراجع ان لم تكن فضائح لازالت وزارة الصحة تداريها, اما عار الكهرباء فقد ضاع دمها بين الاجزاب ذات العلاقة, تتقاذفها ككرة ثلج و والاسباب معروفة حسب تصريحات السادة وزراء الطاقة العراقية.
لذلك الجنبة الادارية والرقمنة تبقى ساحة للمصالحة والاتفاق المبدئي ولمصداقية لمن يريد ان يبقى قائدا, والا مصيرنا ليس افضل من زبلنسكي واوكرانيا في الصراعات الوقحة والتقليدية, حيث رفعت غزة الغطاء وكلا باستطاعته ان يقول انا اولا ولكن التاريخ لا يعيد نفسه لا في اتنخابات ولا اديولوجيات ترطن خارجه, والله خير الماكرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram