TOP

جريدة المدى > سياسية > خسائر سنوية تصل إلى 500 مليار دينار بسبب الاختناقات المرورية في العراق

خسائر سنوية تصل إلى 500 مليار دينار بسبب الاختناقات المرورية في العراق

خبراء يتفقون: النقل الجماعي هو الحل الأمثل لتخفيف الضغط على الطرقات!

نشر في: 18 مارس, 2025: 01:34 ص

بغداد – تبارك عبد المجيد
يشهد العراق أزمة مرورية متفاقمة نتيجة الاستيراد العشوائي للسيارات، وضعف الرقابة على المنافذ الحدودية، ما أدى إلى تجاوز عدد المركبات 8 ملايين سيارة، في حين أن البنية التحتية لا تستوعب أكثر من 5 ملايين فقط. وتشير التقارير إلى خسائر سنوية تصل إلى 500 مليار دينار بسبب الازدحام، والوقت المهدر، وزيادة استهلاك الوقود المدعوم.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية، وكفاءة الأداء الاقتصادي، والبنية التحتية، وسط غياب تخطيط حكومي حقيقي. وقد دعا عدد من المختصين إلى تقييد الاستيراد، وتفعيل النقل الجماعي، وإخراج السيارات القديمة من الخدمة، كحلول ستراتيجية للتخفيف من الزحام وتحسين كفاءة النقل.
وفي الوقت نفسه، سجل سوق السيارات في العراق نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 25.2‌% خلال عام 2023، وسط تحذيرات من أثر هذا النمو غير المنظم على الاقتصاد والبيئة وواقع النقل الحضري.
يحذر الباحث الاقتصادي أحمد عيد من تفاقم أزمة الاكتظاظ المروري في العراق، ويؤكد أن "البلاد تواجه تحديًا حقيقيًا ناجمًا عن الاستيراد العشوائي للمركبات، وضعف الرقابة على المنافذ الحدودية، ما أدى إلى تداعيات سلبية تمس البنية التحتية والاقتصاد الوطني على حد سواء".
وفي حديثه لـ(المدى)، يبين عيد، أن "الاستيراد غير المنظم للسيارات، ووجود شركات غير مرخصة تقوم بإدخال المركبات دون الالتزام بالمعايير التنظيمية، ساهم بشكل كبير في خلق اختناقات مرورية خانقة"، لافتًا إلى أن "غياب التخطيط الحكومي لمراعاة الطاقة الاستيعابية للطرق زاد من حدة الأزمة".
ويضيف، أن "العراق يشهد إدخال أعداد هائلة من المركبات من مناشئ غير رصينة، دون تقييم أثرها على البيئة أو كفاءتها الفنية، الأمر الذي تسبب في ارتفاع استهلاك الوقود، وزيادة الضغط على شبكات الطرق، وارتفاع تكاليف الصيانة العامة".
ويشدد عيد، على أن المشكلة لا تقف عند حدود الازدحام فقط، بل تتعداها إلى آثار اقتصادية مباشرة، قائلاً: "الازدحامات تعطل حركة الأفراد والبضائع، وتؤثر على سلاسة العمليات التجارية، مما ينعكس سلبًا على الإنتاجية ويبطئ دوران العجلة الاقتصادية".
ويشير الباحث إلى "وجود تفاوت في تطبيق الرسوم الجمركية، ووجود فساد إداري في بعض المنافذ الحدودية، ما مكّن بعض الجهات من إدخال مركبات دون دفع الرسوم القانونية"، مضيفًا أن "ذلك أضر بالسوق المحلية، وخلق منافسة غير عادلة مع الشركات الرسمية الملتزمة بالقانون".
كما أشار إلى أن بعض الشركات العاملة في السوق تفتقر للتراخيص الرسمية وتقوم باستيراد سيارات قد لا تكون مطابقة للمواصفات المعتمدة، مما يفاقم من التلوث البيئي ويرفع تكاليف التشغيل والصيانة بالنسبة للأفراد والدولة على حد سواء.
ويدعوا أحمد عيد إلى "إعادة النظر في السياسات الخاصة باستيراد المركبات، وتفعيل الرقابة على المنافذ الحدودية، وتطبيق القوانين بشكل صارم على الشركات والمستوردين غير الملتزمين"، مشددًا على أهمية "تعزيز الاستثمار في النقل الجماعي كحل استراتيجي يخفف من الازدحام، ويوفر بدائل عملية للمواطنين، ويحسن كفاءة النقل والتنقل داخل البلاد".
وكشف تقرير لمؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية، أن العراق يتكبد خسائر سنوية تصل إلى نحو 500 مليار دينار بسبب الاختناقات المرورية في بغداد وحدها، بالإضافة إلى عمليات الهدر اليومي بالوقود.
أعلنت وزارة التجارة مطلع الشهر الجاري عن خطوات جديدة تهدف إلى كبح جماح الاستيراد غير المنظم للسيارات، والذي أصبح يشكّل ضغطًا هائلًا على الشوارع والبنية التحتية في البلاد. وأشار مدير عام الشركة العامة لاستيراد السيارات، هاشم السوداني، إلى أن العراق يستورد سنويًا قرابة 200 ألف مركبة، ما أدى إلى تضخم العدد الكلي للمركبات ليصل إلى أكثر من 8 ملايين سيارة، في وقت لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لشبكة الطرق 5 ملايين فقط.
هذا الفارق الكبير بين الاستيعاب والحجم الفعلي للمركبات، دفع السلطات إلى تشكيل لجان مختصة مهمتها وضع محددات دقيقة تتعلق بنوعيات وأعداد السيارات المستوردة، بما يتماشى مع الحاجة الفعلية والقدرة التنظيمية.
وأوضح السوداني أن الحكومة تتجه لفرض ضوابط جديدة على الاستيراد، بشكل لا يُثقل كاهل المواطنين أو يؤثر على الأسعار، وإنما يُسهم في تنظيم السوق، والتخفيف من الاختناقات المرورية المتفاقمة.
ومن بين المقترحات المطروحة، إعادة تسقيط السيارات القديمة التي استهلكتها الطرق والزمن، وهو حل يُمكن أن يفتح المجال أمام مركبات أكثر كفاءة وأقل ضررًا بالبيئة. كما يجري العمل على مراجعة ضوابط التعامل مع تنوع العلامات التجارية الموجودة في السوق، بالتنسيق مع الجهات المعنية، لضمان توافقها مع المواصفات والاحتياجات المحلية.
وأكد السوداني أن مشاريع البنى التحتية الجديدة، كافتتاح الجسور وتوسيع الطرق، من شأنها أن تُحدث انفراجة ملموسة في أزمة المرور، لا سيما مع اقتراب تنفيذها في نهاية العام الجاري، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى تعزيز منظومة النقل الجماعي كخيار ستراتيجي لتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتخفيف الضغط على شبكات الطرق المكتظة.
في ذات السياق، يقول الخبير في مجال النقل، باسل الخفاجي، إن "الاستيراد العشوائي للسيارات دون ضوابط أو تخطيط أدى إلى "فوضى مرورية" في عموم المحافظات، لا سيما في العاصمة بغداد، التي تشهد اكتظاظًا متزايدًا بالسيارات، وسط غياب أي تحرك فعّال من وزارتي التخطيط والنقل".
وتابع الحديث عن مشاكل الاستيراد العشوائي للسيارات لـ(المدى)، قائلاً: "تسبب بتكدس كبير في الشوارع، مما يستدعي ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة، مثل إيقاف استيراد السيارات لمدة لا تقل عن سنتين إلى ثلاث سنوات، حتى يتم إنجاز مشاريع الطرق والجسور التي من شأنها أن تستوعب هذا العدد الكبير من المركبات.
ويشير إلى أهمية معالجة ملف السيارات القديمة، قائلاً: "يجب إخراج السيارات التي مرّ على صنعها أكثر من 15 سنة من الخدمة، واستبدالها بسيارات حديثة أو الاعتماد على النقل العام".
الخفاجي يؤكد أن الحل الجذري لأزمة النقل يكمن في تطوير وسائل النقل الجماعي، مثل الحافلات الحكومية التي يمكن أن تستوعب 45 إلى 50 راكبًا في الرحلة الواحدة، موضحًا: "لو شغّلنا 1,000 باص من هذا النوع، فسنقلل من وجود ما يعادل 45,000 سيارة يوميًا على الطرق".
وتابع بالقول، أن "توفير حافلات مريحة ومجهزة بالتدفئة والتبريد، سيشجع المواطنين، خصوصًا الموظفين، على ترك سياراتهم الخاصة في المنازل والاعتماد على النقل العام، ما يخفف من الزحام ويوفر مساحات كانت تشغلها المركبات في الشوارع والمواقف الخاصة بها".
أظهر تقرير صادر عن شركة "Focus2Move" أن مبيعات السيارات في العراق ارتفعت بنسبة 25.2‌% خلال 2023، في ظل تواصل الاستيراد غير المنظم وغياب قيود واضحة على الأعداد المستوردة. وتصدّرت شركة كيا السوق بـ27,325 سيارة منذ بداية العام وحتى تشرين الثاني/نوفمبر، تلتها تويوتا بـ26,080 سيارة، ثم هيونداي بـ12,195 سيارة.
وجاءت MG الصينية في المركز الرابع بـ 10.779 سيارة، ثم شيفروليه بـ4.392، وشيري بـ3.176، وأخيرًا سوزوكي بـ2,927 سيارة، ويأتي هذا النمو وسط دعوات لفرض ضوابط تنظيمية جديدة لضبط الاستيراد، وتحقيق توازن في السوق، في ظل تزايد المخاوف من أثره على البنية التحتية والازدحام المروري.
يؤكد الباحث الاقتصادي د. نوار السعدي أن "الازدحام المروري لم يعد مجرد إزعاج يومي، بل أصبح عبئًا اقتصاديًا ثقيلًا يؤدي إلى خسائر مادية مباشرة نتيجة انخفاض الإنتاجية"، موضحًا أن "الساعات الطويلة التي يقضيها الموظفون والعمال في الطريق بدلاً من مواقع عملهم تؤثر بشكل كبير على كفاءة الأداء الاقتصادي، وتُعطل مسارات التنمية وتُخفض من معدلات الإنتاج".
ويلفت السعدي، لـ(المدى)، إلى أن الخسائر الناجمة عن الازدحام لا تقتصر على الوقت فقط، بل تمتد لتشمل الاستهلاك المرتفع للوقود خلال التوقفات الطويلة، مما يرهق كاهل المواطنين ويضغط على الميزانية العامة للدولة، خاصة في ظل استمرار الدعم الحكومي للمحروقات.
ويشير أيضًا إلى أن البنية التحتية في العراق تتحمل ضغطًا يفوق طاقتها نتيجة التوسع الكبير في عدد السيارات، مع استمرار استيراد أكثر من 200 ألف مركبة سنويًا، دون أن تشهد شبكة الطرقات أي تطور يتناسب مع هذا التزايد. وبيّن أن غياب السياسات الفعالة لتنظيم حركة المرور جعل من شوارع بغداد وسائر المدن أماكن مكتظة شبه مشلولة، تعاني يوميًا من اختناقات مرورية خانقة.
يوضح أن الحل الأساسي يجب أن ينبع من ربط السياسات المرورية بالسياسات الاقتصادية، ضمن مخطط تنموي شامل يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المستقبلية للسكان، والتحولات المتوقعة في النمو السكاني والتوسع الحضري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

فصائل
سياسية

فصائل "بلا أب".. رسائل باحتمال ضرب طهران بعد "الحوثيين"

بغداد / تميم الحسن أفادت معلومات من داخل الإطار التنسيقي الشيعي عن وجود "إرباك" داخل التحالف بشأن رسائل "مقلقة" يتم تداولها حاليًا. وتتعلق هذه "الرسائل" بالأحداث في المنطقة، التي تفجرت "عسكريًا" بالحملة الأمريكية الأخيرة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram