TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: الوردة والتراب

باليت المدى: الوردة والتراب

نشر في: 24 مارس, 2025: 12:05 ص

 ستار كاووش

أنظرُ دائماً الى الأشياء التي تصادفني فى الطريق، أتأملُ أشكال الناس وقصات الشعر وألوان الملابس، أحدق بتصاميم الدراجات والسيارات وأشكال الكتب، أُعاين الإختلافات بين القناني التي تملأ الرفوف فى المخازن والمتاجر، أتوقف أمام الحدائق لأرى الفروقات بين ألوان الزهور وأحجام الأوراق. ففي ذلك متعة جمالية تساوي متعة الرسم، كذلك أكتشاف أن الجمال يكمن في التفاصيل، ويمكننا تحسسه بطرق متعددة. فالنبيذ أو العصير أو أية قنينة شراب، تجذبنا أولاً من خلال (الأتيكيت) أو الليبل إن كان جميلاً أو مرسوماً ومصمماً بعناية، وبذلك يبدو الشراب لذيذاً إن كان تصميم القنينة واليبل جذاباً وجميلاً.
نحن بطبيعتنا نصدق الكلام الجميل دائماً حتى لو ساورتنا الشكوك حول صحته، ونبتعد عن الكلام العفوي البسيط غير المرتب حتى وان امتلأ بجواهر العاطفة الانسانية، وذلك لأننا في الغالب مجبولين على التعلق ببعض الوهم والكذبات التي نزينها ببعض المكياج. فالحياة في الكثير من جوانبها هي مجموعة من الكذبات الجميلة. حتى الرسم الذي أمارسه كل يوم، هو كذبة بصرية، فليست هناك امرأة جميلة في اللوحة ولا رجل عاشق ولا حتى منظر للطبيعة، والعملية كلها عبارة عن قطعة قماش مسطحة أضع عليها مجموعة من الألوان بطريقة مناسبة ومتناغمة.
نسيرُ في الشارع، ونرى شكلاً عشوائياً لقطعة من الخشب فنعجب به، أو نشاهد ظلالاً طريفة على جدار قديم فنرى فيها الكثير من الجمال. حتى زقزقة العصافير نستمتع بها ونراها جميلة لكننا لا نعرف لماذا هي جميلة. غروب الشمس أو حتى شروقها نراه ساحراً لكننا لا نستطيع أن نشرح لماذا ينتابنا هذا الشعور.
وأحياناً تتغير نظرتنا الى الجمال، بل تنعكس تماماً، لدرجة يصبح فيها الجمال خالياً من معايير العدل أو الحق، كرؤيتنا الجمال في بعض الأشياء دون سبب واقعي، مثل نظرتنا الرومانسية الى أوراق الأشجار التي تتساقط من الأشجار وقت الخريف، بينما لا نُعير إهتماماً لتهاوي مدن كاملة لأنها بعيدة عنا. ومن خلال هذا المعيار نرى -دون سبب واضح- أن الريشة أكثر جمالاً من المسمار، والوردة أشد عذوبة من التراب، وهكذا نمضي متعاطفين مع شكل العصافير، فيما نشمئز من هيئة الضفادع.
يمكننا الإدعاء دائماً بأن الأعمال الصالحة هي التي تقودنا لمحبة هذا أو ذاك، مع ذلك يفتقر الأمر في الغالب للعدل والمنطق، فنحن رغمَ إعجابنا ببريجيت باردو المُسنة وهي تدافع عن الحيوانات الضعيفة، لكننا في ذات الوقت نهفوا أكثر لصورة بريجيت الشابة الشقراء الجميلة. ومن هنا نُقدِّرَ الناس من خلال ثيابهم التي نراها جميلة، لكننا لا ننتبه في الغالب الى عقولهم المضيئة
كتب الرسام ديلاكروا ذات يوم فى مذكراته (الجمال… الجمال، من أين لي أن أبدأ بهذا الذي إبتلعَ كل مبدعي العالم؟). هكذا يظهر الجمال بصيغ وهيئات مختلفة وحتى متباينة ولا يمكن الإلمام بها. وبشكل شخصي، أعيرُ المهارة إهتماماً خاصاً، فهي في حد ذاتها نوعاً من الجمال، وهي تجعلنا نتعاطف مع من يستعملها أو يَتدبر بها الأمور، مثل ذلك الرجل النحيف الذي شاهدته البارحة في المقهى، غارقاً بعالمه الخاص ومنشغلاً بلف السجائر بيده، والغريب في حالة ذلك الرجل هو أن إحدى يديه كانت مقطوعة، لكنه مع ذلك استطاع أن يلف سيجارته بمهارة فريدة، حيث وضع قليلاً من التبغ على الورقة التي ثناها قليلاً بأصابع يده الوحيدة، ثم وضعها وهي نصف مغلقة على بنطاله الجينز بمنطقة الفخذ ودحرجها تحت أصابعه بطريقة رشيقة، حتى إلتفت على بعضها وتحولت بلمح البصر الى سيجارة وضعها في طرف فمه وردَّ بسرعة على الإتصال التلفوني الذي أتاه فجأة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram