TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

نشر في: 27 مارس, 2025: 12:03 ص

محمد علي الحيدري

يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن تلك التي سادت خلال عقد مضى. في الأيام الأخيرة، عاد الخطاب الأميركي إلى نغمة الدعوة لمحادثات "مباشرة" مع طهران، مدعومًا بتهديدات مبطّنة بالتصعيد العسكري، ورسائل صريحة نقلها وسطاء إقليميون ودوليون إلى القيادة الإيرانية. لكن اللافت في المشهد أن إيران، وعلى خلاف ما كانت تفعله سابقًا، لم تندفع إلى قبول فكرة الجلوس على الطاولة، بل أغلقت الباب بوجه التفاوض المباشر، وأصرت على بقاء أي حوار ضمن قنوات غير مباشرة، وبشروطها.
هذا الموقف الإيراني لا يُقرأ بمنأى عن سياقين متداخلين: الأول، شعور طهران بأن تجربة الاتفاق النووي لعام 2015 — وما تلاه من انسحاب أميركي مفاجئ في 2018 — كشفت هشاشة أي التزام أميركي طويل الأمد، وأفقدت الإيرانيين الثقة بجدوى الرهانات الدبلوماسية مع إدارة تبتزها الاستحقاقات الانتخابية أكثر مما يحكمها منطق الدولة. أما السياق الثاني، فهو تمكين إيران من أدوات النفوذ الإقليمي خلال السنوات الماضية، ونجاحها في نسج تحالفات استراتيجية مع قوى دولية مثل الصين وروسيا، ما عزّز قدرتها على الصمود، وجعلها تتصرف من موقع الندية لا التبعية.
الولايات المتحدة، من جانبها، لا تزال تدور في دوامة "الضغط الأقصى"، التي يبدو أنها تحوّلت من تكتيك مرحلي إلى سياسة شبه ثابتة، رغم ما أظهرته الوقائع من محدودية تأثيرها في تغيير سلوك طهران أو دفعها إلى تنازلات. فالعقوبات، على قسوتها، لم تفلح إلا في تعميق الشقاق، ومفاقمة التصعيد المتبادل، بينما حافظت إيران على خطوط تماس ساخنة في أكثر من ساحة، دون أن تفقد القدرة على المناورة.
مشكلة واشنطن اليوم أنها تريد فرض شروط التفاوض مسبقًا، و"ضمانات" لنتائج التفاوض قبل انطلاقه، بينما تطلب من طهران أن تأتي إلى الطاولة خالية الوفاض. إيران، بدورها، لم تعد تقبل فكرة التفاوض تحت التهديد، وتدرك أن خصمها يواجه مأزقًا سياسيًا داخليًا، ويعيش حالة تردد في خياراته الخارجية. لذا، فهي تلعب على حافة الهاوية، وتلوّح بتفعيل أوراق ضغطها من اليمن إلى لبنان، مرورًا بالعراق، حيث حضورها لم يعد خفيًا أو هامشيًا.
من هنا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ليس عن جدوى التفاوض، بل عن طبيعة التفاوض الممكن. أي حوار لا يخرج من منطق "الغالب والمغلوب"، ولا يتأسس على قاعدة المصالح المتبادلة، لا يمكن أن يثمر سوى جولات أخرى من التصعيد. ما دامت واشنطن تُصر على تحصيل ما عجزت عنه بالحرب الاقتصادية أو بالاغتيالات، فإن طهران ستظل تنظر إلى التفاوض على أنه محاولة لتكريس الهيمنة لا لحفظ التوازن.
ختامًا، يبدو أن الأزمة بين إيران وأميركا ليست مجرد صراع ملفات، بل صراع إرادات. وكل إرادة تحاول كسر الأخرى، دون أن تعترف بأن العالم تغيّر، وأن إدارة المصالح باتت أرجح من إدارة العداء. والسؤال الذي يبقى: أيهما ينتصر في النهاية؟ منطق القوة أم قوة المنطق؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سعد الفضلي

    منذ 9 شهور

    إيران بدأت تفقد قاعدتها الشعبية غزا مظاهرات ضد حماس الفصائل في العراق تعيش في برج عالي بعيدا عن معاناة الشعب سوريا لم يبقى سوى العلويون اليمن لا اعرف ارتفاع سخونة المواجهات ماذا ستتمخض الوضع الداخلي في إيران قابل الانفجار في أي لحظة

  2. د. م. جواد الشيخ الزبيدي

    منذ 8 شهور

    أشكركم على هذه الروئيه لأنها اقرب للواقع

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram