TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق... ساحة صراع دائم بين المبادئ والمصالح

العراق... ساحة صراع دائم بين المبادئ والمصالح

نشر في: 7 إبريل, 2025: 12:18 ص

عصام الياسري

منذ سقوط نظام البعث الديكتاتوري ـ وتحديدا ـ منذ احتلال العراق في 9 نيسان 2003 والعراقيون يراوحون مكانهم في مسألة في غاية الخطورة، ألا وهي، طبيعة الحكم وكيفية الخلاص من نظام "المحاصصة الطائفية التوافقي" الذي ابتلوا به لمغادرة الطبقة السياسية الماسكة بأضلع السلطة، خارج منظومة "الأخلاقية السياسية" على المستوى المؤسساتي والإداري والمجتمعي.
في العصور القديمة، شكلت العلاقة بين الأخلاق والسلطة موضوعا فلسفيا معقدا للغاية. التاريخ مليء بأمثلة على زعماء استخدموا الأخلاق كأداة خطابية فقط، بينما كانت ممارساتهم الفعلية تخدم مصالحهم الفئوية والخاصة. وهناك من حاولوا التمسك بالقيم، لكنهم واجهوا عقبات سياسية معقدة، مما جعل السياسة ساحة صراع دائم بين المبادئ والمصالح.
البشر كما يرى بعض المفكرين، يسعون للسلطة بدافع غريزي للبقاء والسيطرة، بينما يراها آخرون ضرورة لإدارة المجتمعات. مع الأخذ بنظر الإعتبار، التمييز بين "الأخلاق المطلقة" التي تعتمد على المبادئ، و "أخلاق المسؤولية" التي تأخذ في الاعتبار العواقب، بمعنى، أن السياسي يجب أن يكون واقعيا في قراراته حتى لو تعارضت مع الغرائز الأخلاقية التقليدية. ومفهوم السلطة القيمي، أنها ليست مجرد منصب سياسي، بل شبكة من العلاقات والتحكم في المعرفة والخطاب، مما يجعلها مرتبطة مباشرة بالأخلاق، وفق السياقات الاجتماعية والسلوكيات.
مع ظهور الدولة المدنية الحديثة، أصبح الخطاب السياسي يعتمد على تبرير السلطة من خلال القيم الأخلاقية مثل حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والتظاهر، لكن، في كثير من الأحيان، يتم توظيف هذه القيم لخدمة المصالح السياسية كما في التدخلات العسكرية باسم "الدفاع عن الديمقراطية". أما في الأنظمة الشمولية، يتم التلاعب بالأخلاق الجماعية، حيث يزعم العمل من أجل الخير العام، بينما تقمع المعارضة وتلعب الحملات الإعلامية والترويج السياسي دورا في إضفاء الشرعية الأخلاقية التقليدية "العقائدية" على من يسعى للسلطة حتى لو كان الواقع مختلفا تماما.
السؤال الأساسي: هل يمكن تحقيق سلطة قائمة على الأخلاق؟ أم أن الوصول إلى السلطة بطبيعته يتطلب التخلي عن المبادئ؟ الحل الوسط فيما يتعلق الأمر بالشأن العراقي واستعمال السلطة بالتحديد. يبدو، أن ما اقترحه أرسطو في مفهوم "الوسط الذهبي"، أن تحقيق أي توازن بين المبادئ الأخلاقية والواقعية السياسية، مفقود. حيث تسود المصالح الفئوية والنفوذ بالضد من تحقيق التوازن لأسباب غرائزية...
إذن، يجب فهم العلاقة بين السلطة والأخلاق من منظور مجتمعي لمعرفة: كيف تتشكل السلطة؟، وكيف يتم تبرير السلوكيات غير الأخلاقية للوصول إليها؟، وما العوامل الاجتماعية التي تلعب دورا في هذه العملية؟...
موضوعيا: السلطة بطبيعتها تعتمد على تحقيق النفوذ والتأثير، مما يجعل القادة في موقف يحتاجون فيه إلى تقديم صورة أخلاقية أمام المجتمع، ولكن في نفس الوقت استخدام أساليب مخادعة للوصول إليها. ويمكن تلخيص العلاقة بين الأخلاق والسلطة في أربعة أنماط: تقديم السلطة على أنها امتداد للمبادئ الأخلاقية (مثل الحكام الدينيين أو الشعبويين الذين يزعمون أنهم يسعون للعدالة). استغلال الأخلاق لكسب تأييد الجماهير، ولكن بمجرد الوصول إلى السلطة يتم تجاهلها لمصلحة المصالح الشخصية والفئوية. تجاهل الأخلاق والتركيز على القوة، كما في الأنظمة الديكتاتورية التي تعتمد على القوة والقمع دون أي اعتبار للأخلاق التي يزعمون. المواءمة بين الأخلاق والسياسة مع الاحتفاظ باستخدام القوة كحد أدنى من الأخلاق لضمان الشرعية السياسية.
السؤال: كيف للمجتمع أن يتقبل هذه الظواهر في سياق سياسي يؤثر في كيفية استخدام الأخلاق التقليدية الخطابية (الدينية والعقائدية مثلا) للوصول إلى السلطة؟
في المجتمعات التقليدية يسعى القادة للخطاب الأخلاقي لتبرير التناقضات، وإظهار أنفسهم كحماة للقيم الدينية والاجتماعية. فيما يتم تركيز السياسيين في النظام السياسي للمجتمعات العلمانية أو الحداثية على القيم الإنسانية واستخدام خطاب الحقوق والحريات مثل العدالة والمساواة والحديث عن أن الإعلام يشكل وعي الجماهير ويساعد في تعزيز صورة القائد "الأخلاقية" أو فضح التناقضات بين الخطاب والممارسة الفعلية على أرض الواقع. في حال الأنظمة الديكتاتورية ـ الشعبوية، فأن منظومة القيّم والمعايير لا قيمة لها، تقود لتبرير السلطة عبر صناعة صورة زائفة عن النزاهة والمبادئ في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لجذب الناخبين. حتى هنا يتم استخدام الشعارات الأخلاقية كوسيلة لترويج أيديولوجيات زائفة، مثل "التضحية العقائدية"، وعادة ما يستخدم السياسيون حججا مثلا "الضرورات السياسية" لتبرير الاستبداد والتصرفات غير الأخلاقية.. الخطير عندما يكون المجتمع مستعدا لتقبل هذه التناقضات إما بدافع الخوف أو المصلحة أو تعود على الفساد.
الخاتمة، إذا كان التاريخ والمجتمع يعيدان إنتاج العلاقة بين الأخلاق والسلطة وفق أنماط مختلفة، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح: هل هناك مخرج من هذه الجدلية؟ وهل يمكن تحقيق سلطة مبادئ، أخلاقية بالفعل؟. ذلك ممكن إذا ما تم تحقيق إصلاحات مؤسساتية وقانونية تمنع استخدام الدين لتبرير الهيمنة على الحكم واستغلال الأخلاق الشعبوية العقائدية أداة خطابية والتناقض بين السلطة والأخلاق، يظل قائما بسبب الطبيعة البشرية والسعي وراء القوة. في النهاية، يبقى الوعي الشعبي ودور المؤسسات المستقلة العامل الحاسم في الحد من تلاعب السياسيين بالأخلاق للسيطرة على السلطة واستغلالها لضمان مصالحهم...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram