TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

نشر في: 16 إبريل, 2025: 12:03 ص

طالب عبد العزيز

من السعف الذي لم تأته الريح من الشمال، ومن الجذوع، أنبأتها الشمسُ بموعد النهار، ومن القصب، لم تثقّبهُ نداءاتُ الراحلين، فظلَّ قصباً الى الحين والابد، أنشأتُ كوخاً، آوي اليه أحياناً، أسجِّي جسدي عليه، أو أسحبُ نوحَ فاختة دثاراً عليه، فلا تراني، أنا هنا، بعهدٍ كثيراً ما يبعدُ ويشفُّ، لا لأنَّ البيتَ يضيقُ، ولا لأنَّ العيشَ في الركن القصيِّ هذا أهنأ لي .. لكنَّ الترابَ غيرَ الموطوء بقدم، والذي لم تمسسه الدهورُ بأذى، ما يستهويني.
لا المصابيحُ السبعة، الثملة، بالماءِ المُزن، ولا الساقيةُ التي تتُرعُ بالظلام الآن، ولا ما مددتُ اليه يدي ولم يستجب، ولا ما استعصى عليِّ من الظنون؛ ما أنشدُ رفقته الليلةَ هو رهطَ الإوز، الذي يخدشَ بطنَ السماء، الاجنحةَ الطويلةَ السعيدةَ بوجهتها، وهي تخفق في البعيد، وهي ترتطمُ ببعضها، فلا تهتزُّ النجومُ، ولا يشحبُ قمرُ الجيران .. ذلك، ما أرتدهُ، ما بمقدوره أنْ يعيدَني الى سريري الجريد، بقوائمه التي تهتزُّ خوفاً، كلّما سقطت سعفةٌ في الغروب، ذاك، الذي أفارقه منذ سبعينَ ويزيد.
يعضّني ضوءُ فانوسَك يا أمّي، يلامسُ أظلعي شالُك الاشيبُ، المرسلُ على طبق الأرغفة، وتسوؤني عروقُ ذراعِك الزُّرق، لذا، لنْ أتبعَ السُّحبَ الى مدينةٍ أخرى، لن أعدوَ خلف ثعابين لا تلتفت الي. المزيدُ من الزبدة يفسدُ الفطور، ورائحةُ الحليب على عين الفرن لا يعني أنّك ما زلت هناك. القطُّ المفجوعُ بساقه ما زالت تأويه الصفصافة، التي على النهر، والسلحفاة الحزينة، التي تخفق في صعود المُسناة، كلَّ مرة ، أخذتُ بيدها الى صغارها، الثعلب الذي خطف دجاجاتك يا أمّي أنا من أخفقَ في تعقبه، وحدها السنين التي أنهكتك لم استطع اللحاق بها.
أعلمُ، أنَّ رائحةَ الترابِ لا تعني أنَّ الوطنَ بخير، لا يرتطمُ رأسي بالنافذة، النافذة تهتزُّ كلما سألتها: الى أين أيتها المشرعة على الضوء؟ أنا لا أسألُ أحداً: أين الطريق؟ البابُ توشكُ، أنا أسألُ محرِّك البحث عن صورة أخرى لميريل ستريب. الجلنارُ، لا الوردُ الذي في الحديقة، إنّما الذي في الزجاجة الخضراء، أسفل الطاولة، جاءت الملائكة أمس به، ذاك الذي ترصده خبيرة التعذية، وتسألني عن نسبة الكحول فيه، هئنذا أزنُ إناء الباقلاء، أردتُ ألا أسمع نصيحتها فكان لي.
المبنى ذو السقف المرتفع، بآجرّه الروماني، والبيارق الملونة، كثيرة النجوم،وبحشد العربات المركونة عند حائطه.. عنده حسب يمكنني أنْ أقول: أنتَ حسناؤه الوحيدة. أحتفل الآن بالكأس الثالثة الجلّنار الاخيرة، فلا أذهب لآلة الوزن، أقيسُ خَصري بعدد حبّات التمر، وانسحبُ الى جملةٍ في المُعجم تقول: "إنَّ جمالَ الأرض الافراطُ" فتعال، سأريك القمرَ في جرعةٍ من الجلنار. كنت لا تدع البابَ مواربةً، ما بالك تحكمُ غلقها: أيها المستغلظ في الكؤوس فلا ينسرحُ الليل. أحدهم يطرقها برفق! دعه يطرقها. مثلما تدخلُ السدرةُ الشعثاءُ الرعبَ بقلبك كذلك سيكون الضوءُ المبالغُ به، هو رعبٌ أيضاً، ما تفرح به هو ما تخشى منه دائماً، أيّها الموحشُ المُستفرَدُ بين السعف والقبّرات قل لها، يا من استهلكت حزنك باكراً : متى ينتهي هذا الوباءُ الذي اسمه الحياة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram