TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: هندل الأكول

موسيقى الاحد: هندل الأكول

نشر في: 20 إبريل, 2025: 12:01 ص

ثائر صالح
عُرف عن جورج فريدريك هندل (1785 - 1759) حبه للطعام والشراب وشهيته المفتوحة على الدوام، ودارت حوله العديد من الطرائف والأخبار التي توثق علاقته بالطعام. من أشهر هذه القصص ما عرف لاحقاً عبر كاريكاتير شهير رسمه صديق هندل جوزف كوبي، عنوانه "الأسمر الساحر" تصوّر هندل جالساً على برميل خمر إلى الأورغن وخلفه قدرٌ يغلي بحساء السلحفاة وحوله لوازم الأكل من طيور ولحوم وقواقع بعضها معلقة على جانب الأورغن، وتحت الصورة تعليق يقول "أنا لوحدي". تقول القصة أنه دعى عدداً من أصدقائه - بينهم كوبي - على العشاء واشتكى من فقر حاله بعد أن قدّم لهم وجبة متواضعة، معدداً الأطعمة التي لا يستطيع تقديمها لضيوفه بسبب ضيق اليد. بعد فترة وجيزة اعتذر هندل ليخرج من الغرفة، لكن غيابه طال فأخذ القلق يسود الضيوف. وعندما فتح أصدقائه الباب على الغرفة المجاورة التي انسحب إليه بحثاً عنه، وجدوه في آخر الغرفة واقفاً وهو يملأ كرشه بكل أنواع تلك الأطعمة الفاخرة التي كان يعددها قبل قليل. ولا نتعجب إن تسبب الكاريكاتير في انقطاع الصداقة بين الرجلين.
وبحسب أحد التقارير عن المأكولات التي ذكرها معاصروه ممن حضروا ولائمه، كان هناك "حساء الأرز مع لحم الضأن، فطائر صغيرة، آذان الضأن، فطائر محشية بثعبان البحر وكل هذا يُغسل بالنبيذ الفرنسي والنبيذ الألماني من منطقة الراين وأجود الخمور البرتغالية من الماديرا".
يعتقد الباحثون المعاصرون أن هذا النهم الذي اشتهر به هندل كان نتيجة لحالة مرضية هي اضطراب الشراهة في الأكل، وكان هذا الإسراف في الطعام والشراب سبباً في إصابته بتسمم الرصاص ونتيجة للتسمم في نفس الوقت. وتشير أعراض مشاكل هندل الصحية في أعوامه الأخيرة إلى هذا التسمم، مثل الوزن الزائد وألم المعدة والانتشار التدريجي للشلل وارتباك النطق والبصيرة وأخيراً العمى. وحتى مزاجه الحاد الذي عرف به أثناء تعامله مع الموسيقيين يعزى إلى تراكم الرصاص في الجسم الأمر الذي أثّر على الجهاز العصبي بشدة.
ويعتقد الباحث ديفيد هنتر المتخصص بهندل من جامعة تكساس في هيوستن أن بدء ظهور أعراض التسمم عليه والآلام التي صاحبت ذلك من بين الأسباب التي دفعته إلى التوقف عن كتابة الأوبرا والتوجه نحو الأوراتوريو، عندها فقد اهتمامه بالكتابة عن خلود الآلهة والأبطال والملوك في قصص الأوبرات بفعل خوفه من قرب نهايته هو، وازداد في نفس الوقت اهتمامه بوصف الآلام الشخصية وبقصص الأفراد والدرامية المميزة لمواضيع الأوراتوريو انطلاقه من آلامه هو نفسه.
وقد عرف استعمال مركبات الرصاص في صناعة الخمر منذ زمن الرومان، وكانوا يضيفونها لتقليل فعالية الخميرة ومنع تحول الخمر إلى خل. كما كانوا يغلون عصير العنب في قدور من الرصاص مما يؤدي إلى تفاعل الأحماض في العنب مع الرصاص لتكوين ترترات الرصاص، ثم يضيفوه إلى الخمور السيئة لتحليتها. على العموم كان الكثير من المواد ملوثاً كذلك بالرصاص، حتى الماء بسبب نقله عبر أنابيب من الرصاص، وهذا كذلك أحد اختراعات الرومان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram