د. نادية هناوي
برع كثير من الروائيين الغربيين في كتابة أدب الخيال العلمي ومنهم الروائي البريطاني رولد دال Roald Dahl (1916- 1990) ويصنِّف أغلب النقاد الغربيين أعماله في خانة أدب الأطفال وأدب الفتيان والفيموجرافيا. وما يجعلها توحي بذلك هو ما فيها من فنتازيا وتغريب. بيد أن دال يوظف فيها أيضا كائنات غريبة تُخيف البشر وتهدد وجودهم كما تحفل بعوالم مستقبلية لا تخلو من العنف والمغامرة والمصائر المرعبة مع البراعة في توظيف سيناريوهات تلائم بشكل كبير مستجدات التقدم التقني ومستقبل الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من ذلك، فإن موسوعة كمبريدج للخيال العلمي لم تذكر أيا من أعمال رولد دال.
وتأتي شهرة دال مما حفلت به قصصه ورواياته من اهتمام؛ فلقد تحولت أغلبها إلى مسرحيات وأفلام ومسلسلات ورسوم متحركة. أما على الصعيد العربي، فإن من النادر تداول اسم رولد دال على مستويي قراء أدب الخيال العلمي والنقاد والباحثين. علما أن بعض أعمال هذا الكاتب تم تعريبها مثل (تشارلي ومصنع الشكولاته) رواية ترجمها ثائر ديب و(ماتيلدا) رواية ترجمتها مؤسسة ماركتنك وفيهما تؤدي شخصية تشارلي باكيت دورا محوريا. اما مجموعة قصص (صياد الجرذان) فترجمتها ريا زين الدين.
وسنخصص القول في واحدة من روايات رولد دال هي (تشارلي والمصعد الزجاجي العظيم) وفيها تتجسد سمات أدب الخيال العلمي وهي كالآتي:
- الكائن العجيب غير البشري المعادي للإنسان، فمه مفتوح وله هيأة بيضوية ضخمة وبشرة بنية مائلة إلى الأخضر لماعة رطبة بعض الشيء، وفيها تجاعيد وبعين واحدة(بدا المخلوق يتمطط بالطريقة ذاتها تقريبا وكم بدا غريبا ولزجا للمشاهدة كان يتلوى بشكل مختلف قليلا عن الأول ويقف بتوازن غير كامل على ذيله) ص73 وعنه قال السيد ونكا –هذه الشخصية تظهر أيضا في رواية مصنع الشكولاته بصفة مدير المصنع الضخم- (إن هذه المخلوقات هي رعب الكون، تسافر بأسراب كبيرة، وتدمر كل ما تجده. أكلت مخلوقات القمر والزهرة والمريخ والكواكب الأخرى).
- المكان خارجي، يمثله اثنان أولا المصعد الزجاجي وشكله مربع وليست فيه جاذبية(يسبح تشارلي وأجداده الأربعة في أرجائه تماما كالأسماك في الحوض مع سرير مزدوج في ثياب النوم) والمكان الثاني الفندق الفضائي واسمه يو اس أي(كبسولة ضخمة على شكل قطعة نقانق لا يقل طولها عن ثلاثمائة متر) تهاجمه الكائنات الغربية، يشاهدها المراقبون في مركز هيوستن من خلال شاشات النقل ويرون بأم أعينهم كيف أن بإمكان الكائن الواحد التهام الكثيرين ببلعة واحدة. فخاطبوهم بوصفهم إرهابيين، وطلبوا منهم أن يعرِّفوا أنفسهم بينما كان البشر في كل إنحاء العالم يتحلقون حول شاشات التلفزيون (يشاهدون بتوتر الدراما التي تحصل على بعد 390 كيلومتر فوق الأرض. وفي مكتبه في البيت الأبيض جلس لانسلوت جيليغراس رئيس الولايات المتحدة الرجل الأكثر نفوذا في العالم)ص39
- توظيف بعض مستجدات العلوم التكنولوجية في الأحداث السردية التي تدور حول المصعد الزجاجي وهو يدور حول كوكب الأرض وصار يقترب من الفندق الفضائي الذي أطلقته الولايات المتحدة (كان معجزة عصر الفضاء) ص19 وهو مجهز بكل شيء. اما النزلاء فكانوا يُنقلون إليه بوساطة كبسولات هي عبارة عن سيارات أجرة صغيرة تنطلق من مركز كيب كينيدي للأنشطة الفضائية. ويحصل أن ينتقل تشارلي وأجداده الأربعة والسيد ونكا من المصعد الزجاجي إلى مطعم الفندق الفضائي. وتحصل هناك معركة بينهم وبين المخلوقات المطاطية وتتمكن العائلة من هزيمتهم والعودة من ثم إلى مصنع الشكولاته.
- تداخل التكنولوجيا بالبيولوجيا حتى لا حدود بينهما، وهو ما تجسد في مخلوقات كنيد الدودية اخترعها السيد ونكا من حصيلة التفاعل بين الروبوت والجينوم. وانتقلت من المصعد الزجاجي إلى الفندق الفضائي وكانت في هيأة ممسوخة ومريبة، أخافت أكثر ما أخافت إدارة البيت الأبيض. فنفى السيد ونكا اختراعه لها (لم اختلق شيئا من مخلوقات كنيد الدودية، صدقني أنها تعيش كما يعلم الجميع على كوكب دودا الذي يبعد تسعة وعشرين مليارا وستمائة وخمس وخمسين مليونا وثلاثمائة واثنين وثمانين ألف كيلومتر وهي بالفعل حيوانات وحشية ذكية جدا بإمكان كنيد الدودي أن يتحول إلى أي شكل يرغب فيه فلا عظام له، وفي جسمه عضل واحد ضخم وقوي جدا.. ولزج جدا وقابل للتمدد وكأنه مزيج من المطاط والمعجون وفي داخله أسلاك فولاذية عادة تكون على شكل بيضة لكن بمقدوره بكل سهولة أن يزود نفسه برجلين كالإنسان أو بأربعة قوائم كالحصان)ص 77.
- الكتابة القصصية الساخرة وتتمثل في الشخصيات البشرية وجميعها تنتمي إلى عائلة السيد باكيت، ويمثلها الحفيد تشارلي والأجداد الأربعة العجزة وهم يجلسون على سرير مزدوج ومعهم السيد ونكا المالك السابق لمصنع الشكوكولاته الذي قرر أن يمنح ملكيته إلى تشارلي. وفي أجواء الفكاهة الشعبية، تُمحى الحدود بين الحقيقة والخيال ويشترط ونكا على العائلة أن تستقل المصعد الزجاجي الذي سيرتفع بهم ثم يهوي داخل المصنع لكن المصعد ارتفع بهم، ولم يهبط فصاروا معلقين في الهواء كالبالونات ثم ارتفع بهم إلى مدار الأرض، وداروا بسرعة 27 ألف كيلومتر تقريبا وفقدوا الجاذبية. وحين رأى رئيس الولايات المتحدة لانسلوت جيليغراس الفندق الفضائي، تصوره قنبلة أو شيئا شيطانيا، فاستدعى مستشاريه وفي مقدمتهم الآنسة يتبز وكانت مربية الرئيس(ويقال أنها كانت تعامله بالقسوة نفسها التي كان عليها الرئيس صبيا يافعا). ويتساءل المستشارون عن هؤلاء: من أين جاءوا؟ وأين رئيسهم؟ وهل هم جواسيس؟. وتحدث الرئيس الامريكي لانسلوت جيليغراس مع المسؤول الصيني فلم يتمكن من فهمه (صرخ الرئيس من الصعب الاتصال بالناس في الصين فقال مدير مكتب البريد: (البلاد ممتلئة بالمدعوين وينغ وونغ إلى درجة أنكم اتصلتم بأحد يدعى وينغ أخطأ الاتصال، وأجابكم احد يدعى وونغ)ص47
- مزج الفنتازيا بالغرائبية، يجعل القارئ مترقبا ما سيحصل، ومأخوذا بما يجده من مزج بين المشاعر الإنسانية الحميمة والرؤى المادية الباردة لعلوم الأحياء والحياة الميكروبية. وما يساعد في ذلك كله حبة(ونكافيت) وهي مادة كان السيد ونكا قد حضَّرها في المختبر. وقام بتجريب مفعولها على متطوع اسمه اومبالومبا. وما أن أخذ المتطوع حبة(ونكافيت) حتى تغير لونه من الليمون إلى الأزرق ثم الأخضر. وفجأة صار عجوزا جدا، تملأ جسمه التجاعيد وبلا أسنان. وما أن أعطاه السيد ونكا حبة أخرى حتى عاد اومبالومبا شابا. وأخذ الأجداد الأربعة هذه الحبة، فعادوا إلى الشباب، ومدّوا يد العون إلى حفيدهم تشارلي، وساعدوه في إدارة مصنع الشكولاته الضخم. ومن الفنتازيا أيضا الأحداث التي دارت في أرض النواقص وفيها تعيش مخلوقات الغنولي. وتقع على جرف من صخور الحلوى وهي طبقة مترسبة في الوادي الأضخم في العالم، وفيه بئر الشكولاته وشجرة صنوبر من السيلكون عمرها 4000 عام.
- توظيف الميتا قص باستخدام الايقوكغرافيا وتعني التوضيح بالصور والتخطيطات للمصعد الصاروخي والكائنات المطاطية وسفينة الفندق الفضائية ومستوطنات وبيئات أخرى افتراضية. واعتاد رولد دال أن يضع رسومات كاريكاتيرية في بداية كل مفصل من مفاصل قصته أو يضع مجموعة متعالقات نصية في الختام مثل (مفاجأة / تعرفوا إلى / المزيد عن / كوخ الكتابة / أغراض دال المفضلة)
والمطالع لقصص الكاتب السعودي أسامة المسلم، يجد أن كثيرا منها مبني على سيناريوهات رولد دال من ناحية الرغبة في أن تكون أعماله صالحة للتمثيل المسرحي والسينمائي. ولان أسلوب دال في كتابة أدب الخيال العلمي يعتمد بالدرجة الأساس على مخيلة حرة في التعامل مع حقائق العلم الموضوعية، لم يستطع أسامة مسلم مجاراته في ذلك. والسبب أنه لم يجمع الخيال بالتطور العلمي، بل اعتمد على صنع أجواء الرعب والمغامرة وفي اتجاه محدد هو كتابة قصص الأطفال والفتيان. فقصة(سعد الدباس) تبدأ على شاكلة ما يبدأه رولد دال بمفردات وأقوال قصيرة، بمفردة (يلاحق) بعدها(يقتص) ثم عنوان فرعي(قرار إزالة) للييت المتهالك الذي تعيش فيه عائلة عبد الرحمن التي تقابل عائلة السيد باكيت. ويظهر الصبي في صورة فوتغرافية، فيها يجتمع أفراد هذه العائلة في محاولة لمماثلة الكائن الغريب الذي صنعه رولد دال وجعله بطلا في رواية المصعد الزجاجي الضخم.
من نقاط ضعف قصة أسامة المسلم واقعيتها المباشرة مع طغيان الحوارات الخارجية من دون أن تساعد في الدفع بالسرد نحو الأمام. الأمر الذي يشتت الأحداث، فتتغلب الحدوتة ويتضعضع الشكل.
والخلاصة أن هذه القصة ليست من أدب الفنتازيا وأحداثها المباشرة تلائم ذهنية الصغار. ولا يعني هذا أننا نقلل من أهمية أدب الأطفال والفتيان، وإنما هو تصحيح لتوصيفات غير نقدية وغير مسؤولة لقصص أسامة المسلم. وهذا الذي نجده في قصة (سعد الدباس) كان الكاتب قد اتبعه في ما كتبه سابقا من قصص وكرره أيضا فيما ألفه بعد ذلك من قصص. وواحدة من سمات الكاتب الماهر هو أن ينتصر على نفسه فلا يكرر ذاته حتى لو وجد أن هذا التكرار له هوى في نفوس قرائه. إذ المهم هو ما تلقاه أعماله من اهتمام النقاد ومن يشاكلهم من القراء المتخصصين.