د.فاطمة الثابت
عندما كنتُ صغيرة كان أكثر ما يلفتني في المرأة حقيبتها لم تكن مجرد إكسسوار بل عالمًا مصغرًا يختلف من امرأة لأخرى كنتُ أراها امتدادًا لها وعنوانًا لاستقلالها، حتى أنني في خيالي الطفولي، اختزلت المرأة في حقيبتها.
بينما يحمل البعض حقيبة يد لأنها عملية يقتنيها آخرون بوصفها إعلانًا صامتًا عن الذات حقيبة "هيرمز بيركن" مثلاًلا تُشترى من السوق بسهولة، بل تأتيك عبر انتظار طويل وقائمة عملاء مختارة هي ليست مجرد منتج جلدي راقٍ، بل سردية طبقية محمولة على الكتف.
أذن هل نحن أمام ترف مشروع أم هيمنة ناعمة للعلامات التجارية على ذوق المرأة المعاصرة؟ لماذا أصبحت الحقيبة رمزًا للهوية الطبقية؟ لماذا تدفع نساء ثريات آلاف الدولارات مقابل حقيبة يد؟ وهل الحقيبة الفاخرة وسيلة للتعبير، أم قيد ذهبي يُصاغ على شكل سلعة؟
من "هيرمز" إلى "شانيل"، لم تعد الحقيبة مجرد منتج جلدي، بل خطاب طبقي محمول على الكتف. هذه المقالة تحاول أن تقرأ الظاهرة من منظور سوسيولوجي ناقد، يحاول تفكيك خطاب البراندات الذي صنع "سلطة خفية" جديدة في حياة النساء.
في كتابه التمييز يشير بيير بورديو إلى أن الذوق ليس فرديًا بل اجتماعيًا، وأن النخب تخلق رموزًا تميزها عن باقي الطبقات البراندات الفاخرة مثل "هيرمز" "لويس فيتون"، و"شانيل" لا تقدم فقط جودة عالية، بل امتيازًا رمزياً يفصل طبقة عن أخرى المرأة الثرية حين تحمل حقيبة بقيمة 4000 دولار، لا تعلن عن ذوقها فقط، بل عن موقعها الطبقي، وأحيانًا عن قدرتها على كسر سقف استهلاك المرأة "العادية".
في إنستغرام وتيك توك، تكتسب الحقيبة سلطة جديدة لم تعد دليل رفاه فقط، بل أداة في بناء "الجسد الرقمي" للمرأة فالصورة مع الحقيبة هي حدث أو بيان وفعل تواصلي، يندمج فيه الجمال مع الملكية والهوية وهنا تتحول البراند إلى أداة لتشكيل الذات لا التعبير عنها فقط، فتلبس المرأة العلامة كما تلبس جلدًا جديدًا يبرر لها الوجود داخل دوائر النفوذ والتميز.
على الرغم من أن بعض الأصوات النسوية تعتبر الموضة وسيلة للتعبير، إلا أن كثيرًا من المنظورات النقدية ترى في التبعية للعلامة التجارية شكلا جديدًا من أشكال الهيمنة، الحقيبة لم تعد خيارًا، بل متطلبًا اجتماعيًا للبقاء في طبقة معينة، حيث تُقاس جدارة المرأة أحيانًا بقيمة ما تحمله لا بما تحمله من فكر، هذا الانزلاق من الذات العاقلة إلى الذات المستهلكة يعيد إنتاج الأنوثة داخل قوالب مادية، قد لا تختلف كثيرًا عن الأدوار التقليدية، بل أكثر حداثةً وتسلعًا.
لكن مع صعود حركات "اللا براند" و"الموضة المستدامة" بدأت بعض النساء - خصوصًا من الجيل الجديد - تطرح أسئلة وجودية حول علاقتها بالموضة والاستهلاك، الشفافية، الأخلاق، المسؤولية البيئية، والهوية ما بعد الحداثية، كلها أصبحت منافسة قوية أمام الماركات الكبرى.
ربما لا تنهار "هيرمز" قريبًا، لكنها لن تبقى مطلقة السلطة أمام وعي نسوي متصاعد يرى في حقيبة اليد رمزًا لقيود ناعمة، لا امتيازًا حرًا.
فضيحة البراندات ليست في سعر الحقيبة، بل في بنية القيم التي ترفعها إلى هذا السعر، وتصنع بها نساءً داخل دوائر الرفاه الظاهري، وخارج أسئلة الجوهر.










