بغداد / محمد العبيدي
من المقرر أن تبدأ الحكومة العراقية، في الأول من تموز المقبل، تطبيق الإلزام الكامل بنظام الدفع الإلكتروني داخل مؤسسات الدولة، وذلك ضمن خطة شاملة لإنهاء التعاملات النقدية وتقليص فرص التلاعب المالي والفساد الإداري.
ويأتي هذا القرار بعد إعلان الأمانة العامة لمجلس الوزراء إيقاف الجباية النقدية بشكل نهائي في تموز المقبل.
ويشهد العراق منذ أكثر من عامين توسعاً تدريجياً في استخدام أدوات الدفع الإلكتروني، وبدأت الدوائر بتطبيق النظام في قطاعات متعددة مثل المرور وتعبئة الوقود وجباية الكهرباء، حيث أسهم هذا الانتشار في خلق حالة من الاعتياد لدى المواطن، وهو ما شجع على الذهاب نحو الإلزام الكامل.
ويرى مختصون في الشأن المالي أن تطبيق الدفع الإلكتروني في بيئة مثل العراق ليس مهمة سهلة، لكنه ضروري لإعادة ضبط النظام المالي، والحد من التسرب النقدي الذي تعاني منه الموازنات العامة.
نقلة نحو الشفافية
ويوضح الخبير المالي مصطفى أكرم حنتوش أن "إلزام المؤسسات الحكومية بالدفع الإلكتروني يمثل نقلة حقيقية نحو الشفافية" مشيراً إلى أن "عدد المؤسسات التي اعتمدت هذا النظام ارتفع من نحو 10 مؤسسات فقط إلى أكثر من 750 خلال العامين الماضيين، فيما تجاوز حجم التعاملات الإلكترونية 13 تريليون دينار في عام 2024 وحده".
وتوقع حنتوش في حديثه لـ(المدى) أن "يسهم هذا النظام في تعزيز قدرة الحكومة على تتبع حركة الأموال، خصوصاً في ملفات حساسة مثل عقود الخدمات، والجبايات، والغرامات، وحتى الرسوم التعليمية، كما تعمل الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي على تأسيس شركة وطنية للدفع الإلكتروني، ما يفتح المجال أمام إطلاق بطاقة مصرفية محلية، والتقليل من الاعتماد على الشركات العالمية مثل فيزا وماستر كارد".
ويراهن مسؤولون على أن الدفع الإلكتروني لن يحقق مكاسب فقط في مكافحة الفساد، بل سيشكل بوابة لتنشيط الاقتصاد الرقمي وخلق فرص عمل جديدة في قطاع التكنولوجيا المالية، إذ من شأن هذا التحول أن يُعيد هيكلة جزء مهم من الاقتصاد العراقي، القائم منذ سنوات على التعاملات الورقية والنقدية.
ويُعد العراق من الدول التي تأخرت في دخول مرحلة التحول الرقمي في الإدارة المالية، لأسباب متعددة منها ضعف البنية التحتية، وسوء الإدارة، وسيطرة الاقتصاد الريعي، لكن الواقع الحالي يفرض – وفق مختصين - تحركات سريعة لتقليص الاعتماد على النقد، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهها الدولة في ضبط النفقات وتحصيل الإيرادات.
تحديات أمام المواطنين
في المقابل، تعاني شرائح واسعة من المواطنين من صعوبات تتعلق بالأمية الرقمية، إذ لا يزال هناك نسبة من السكان، لا سيما في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة، لا تمتلك الخبرة أو الدراية الكافية بالتقنيات الحديثة.
ويشكّل كبار السن تحدياً آخر، إذ يفتقر الكثي منهم إلى المهارات اللازمة لاستخدام البطاقات أو تطبيقات الهواتف الذكية، ما يعرضهم لمواقف محرجة أو حتى لاستغلال بعض العاملين في المؤسسات الخدمية.
يضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتية في عدد من المناطق، حيث لا تتوفر أجهزة الدفع الإلكتروني أو تكون معطّلة لفترات طويلة، وهو ما يخلق حالة من الارتباك والازدحام في الدوائر الحكومية، ويُجبر البعض على العودة إلى الطرق التقليدية في إنجاز معاملاتهم، أو دفع رسوم إضافية في المكاتب الوسيطة.
في هذا السياق، دعا الأكاديمي الاقتصادي حسن الشمري، إلى "اعتماد خطة متكاملة لتجاوز هذه العقبات، تقوم على تبسيط الإجراءات الحكومية، وإطلاق حملات توعية على مستوى وطني لتعريف المواطنين بمزايا وآليات الدفع الإلكتروني، وتدريب الكوادر الوظيفية على التعامل المرن مع الفئات غير المتمرسة تقنياً".
وقال الشمري لـ(المدى)، إن "التحول إلى الدفع الإلكتروني يجب ألا يُفرض كإجراء تقني فقط، بل ينبغي أن يكون جزءاً من مشروع وطني شامل، يأخذ في الحسبان طبيعة المجتمع العراقي وتفاوت القدرات التقنية بين أفراده"، مشدداً على ضرورة "إيجاد حلول واقعية لمساعدة كبار السن والأميين وغير المتعلمين، وتخصيص مراكز إسناد داخل المؤسسات لتسهيل العملية بدل تعقيدها".
وأكد الشمري أن "أي نظام رقمي لا يراعي الجانب البشري ويُبنى بمعزل عن المواطن العادي، سيفشل في النهاية أو يُعاد التحايل عليه"، لافتاً إلى أن التحول الرقمي يجب أن يُرافقه استثمار جاد في التعليم والتثقيف المالي، لا مجرد شراء أجهزة أو برمجيات".
دفع إلكتروني شامل في دوائر الدولة بدءًا من تموز وقلق واسع من "الأمية الرقمية"

نشر في: 30 إبريل, 2025: 12:06 ص









