TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أمريكا على كرسي بطرس: قراءة هادئة في دلالات انتخاب بابا من الولايات المتحدة

أمريكا على كرسي بطرس: قراءة هادئة في دلالات انتخاب بابا من الولايات المتحدة

نشر في: 11 مايو, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

في لحظة تعكس تحوّلات كبرى في التوازنات الدينية والثقافية داخل الكنيسة الكاثوليكية، جاء انتخاب أول بابا أميركي لقيادة الفاتيكان حدثًا تاريخيًا يستحق قراءة متأنية تتجاوز الاحتفاء الإعلامي العابر. فهذا الاختيار لا يمثّل مجرد تتويج لمسيرة رجل دين من قارة جديدة، بل يعكس تراكماً عميقاً للنفوذ الأميركي في مفاصل الكنيسة العالمية، وتحوّلاً في نظرة الكرسي الرسولي إلى أولويات القيادة والمعايير الثقافية والديموغرافية التي تحكم قراراته.
لا شك أن للولايات المتحدة ثقلًا كاثوليكيًا متزايدًا؛ إذ تشير الإحصاءات إلى تنامٍ ملحوظ في أعداد الكاثوليك الأميركيين، لا سيما في أوساط المهاجرين من أميركا اللاتينية. لكن البعد الأهم يكمن في الدور الذي بات يلعبه الكاثوليك الأميركيون في تمويل المؤسسات الدينية، وفي التأثير الفكري واللاهوتي داخل الفاتيكان، وفي دعم قضايا اجتماعية تمسّ قلب الإيمان الكاثوليكي المعاصر، كحرية المعتقد، وأخلاقيات الحياة، والعدالة الاقتصادية.
ومع أن الفاتيكان لطالما اختار بابوات من خلفيات أوروبية تعكس التاريخ الثقافي والمؤسسي للكنيسة، فإن انتخاب بابا من الولايات المتحدة يشير إلى اعتراف ضمني بوزن العالم الجديد في صياغة مستقبل المسيحية الكاثوليكية. كما يعكس هذا القرار رغبة في مخاطبة العالم بلغة جديدة، وربما تجاوز بعض البنى التقليدية التي باتت عاجزة عن ملاقاة تحديات الحداثة والتعددية والتكنولوجيا.
غير أن هذا الحدث ليس من دون تبعات. فهناك من يخشى أن يتحوّل وجود بابا أميركي إلى مدخل لتسييس الكرسي الرسولي، أو لإخضاعه، ولو جزئيًا، لمعادلات القوة العالمية التي تحتل فيها واشنطن موقعًا مركزيًا. كما قد يُثير هذا الاختيار حساسيات في أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث الشعور التاريخي بالتهميش الكنسي لا يزال قائمًا، رغم الحيوية الدينية الهائلة في تلك المناطق.
في المحصلة، لا يُمكن فصل هذا الانتخاب عن سياق التغيرات الكبرى التي يعيشها العالم الكاثوليكي، بين حاجته إلى التجديد والانفتاح، وتمسكه بجذوره الروحية والأخلاقية. إن قيادة أميركية للفاتيكان ستكون أمام اختبار مزدوج: الحفاظ على وحدة الكنيسة وهويتها الكونية من جهة، ومواكبة قضايا العصر بجرأة ومسؤولية من جهة أخرى. وما بين هذين التحديين، تكتب مرحلة جديدة من تاريخ البابوية، عنوانها: أميركا في قلب القرار الروحي العالمي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram