TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بيت المنقسم والمعركة المؤجلة: أزمة الشرعية في ظل استحقاق انتخابي مضطرب

بيت المنقسم والمعركة المؤجلة: أزمة الشرعية في ظل استحقاق انتخابي مضطرب

نشر في: 14 مايو, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

حين تقترب اللحظة الانتخابية، لا تختبر الأنظمة السياسية فقط قدرتها على التنظيم والإدارة، بل تُعرّي أيضًا بنية التفاهمات التي قام عليها التوازن السياسي في مرحلة ما. وفي الحالة الراهنة، يبدو أن الاستحقاق الانتخابي قد تحول من مناسبة ديمقراطية إلى لحظة فرز حاد داخل الكتل التي طالما رُوّج لتماسكها، بل داخل الجبهات التي بُنيت أساسًا على تفاهمات ظرفية أكثر منها تحالفات استراتيجية.
في قلب المشهد، تتصاعد مؤشرات الانقسام. ليس فقط على مستوى المواقف، بل على مستوى الرؤية للسلطة والدولة والعلاقة بين القرار السياسي والشرعية الانتخابية. الاتهامات المتبادلة لم تعد محصورة في الغرف المغلقة أو وسائل التواصل، بل باتت تُطرح على الملأ، وبألفاظ تستبطن تهديدًا صريحًا بإزاحة الأقنعة وكشف المستور.
المفارقة أن هذا الانقسام يحدث بين أطراف تُفترض فيها الشراكة داخل منظومة واحدة، بما يعكس انتقال التنافس من خارج البنية إلى داخلها. وهو ما ينذر بتحوّل الانتخابات المقبلة إلى ساحة تصفية حسابات داخل “البيت الواحد”، أكثر منها مناسبة لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع.
في هذا السياق، يُعاد توظيف الملفات السيادية الكبرى، من العلاقات الدولية إلى التحركات الإقليمية، لتخدم أهدافًا تكتيكية لا استراتيجية. فالتذكير بقضايا ماضية – تحمل رمزية وطنية أو دينية – يُستخدم اليوم لتأطير خصومات آنية، وتغليفها بغلاف أخلاقي، بينما هي في جوهرها صراع على النفوذ السياسي المقبل.
التحوّل الأبرز يكمن في تصدّع فكرة “القيادة الجماعية”، واستبدالها بخطابات تتحدث عن “استهداف سياسي”، و”استقلالية مزعجة”، و”رفض الانصياع” لقواعد غير مكتوبة. هذه كلها مؤشرات على نهاية مرحلة وبداية أخرى لم تتّضح معالمها بعد، لكنها تُنذر بانفجار مؤجل في بنية السلطة نفسها، لا في العلاقة مع المعارضة.
إن السؤال الحقيقي الذي تطرحه هذه اللحظة ليس متعلقًا بمن سيفوز في الانتخابات، بل: هل ما يزال هناك اتفاق ضمني على قواعد اللعبة السياسية؟ وهل تمتلك النخبة الحالية القدرة على إدارة التنافس ضمن سقف وطني مشترك، أم أن الأمر بات صراع إرادات يُخشى أن يقوّض ما تبقى من التوازن الهش؟
بهذا المعنى، تصبح الانتخابات استفتاءً غير معلن على طبيعة النظام السياسي نفسه، وعلى مدى قابليته للتجدّد من داخله، أو احتماله للانقسام من داخله. وفي الحالتين، فإن المخرجات لن تكون محصورة في نتائج الصندوق، بل ستتجاوزها إلى إعادة صياغة الشرعية السياسية برمّتها، وربما على قواعد جديدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram