TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في عصر جديد، الطرق مفتوحة أمام المثقف ليؤدي دوره

في عصر جديد، الطرق مفتوحة أمام المثقف ليؤدي دوره

نشر في: 11 يونيو, 2025: 12:02 ص

حيدر نزار السيد سلمان

من نافل القول أن الابداع يرتبط بوثاقة مع المناخ الحُر، والمجتمعات غير المغلقة ذات الثقافة التسامحية قادرة على استيعاب الجديد من كل شيء ومنها الافكار، وطبقاً لذلك يتسائل الناس عن الأسباب المفضية للابداع الفكري والثقافي والادبي والعلمي عند الغرب وأسباب التكرار وضعف الابداع واللاجديد عندنا. ولما كانت هذه المقاربة التساؤلية مدار نقاشات وكتابات وآراء منذ بداية ما يطلق عليه عصر النهضة العربية باواخر القرن التاسع عشر ولحد الان فإن النقاش لابد له أن يأخذ مساراً آخر بفعل التطورات التقنية والاجتماعية وتوفر فرص التعليم وانتشار وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وهو مالم يتوفر في زمن شكيب أرسلان الذي طرح السؤال: (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟) في كتاب مشهور، والمفكر أحمد لطفي السيد وطه حسين وآخرون، الأمر الذي جعل من نتاجاتهم التحديثية حبيسة النخب والمثقفين ولم تفعل مفعولها بالمناخ الاجتماعي العام. لكن الميزة الاساس لأغلب مثقفي واكاديمي والشخصيات الفكرية والفاعلة بعصر النهضة المشار اليه هي سمات؛ الاخلاص، والثقة بالمبدأ التنويري، والجدية والمثابرة، والبحث عن الجدي، وكأنهم رُسل مبعوثين لعالمهم يرومون إانقاذه من التخلف ونقله الى عصر الحداثة. واعتماداً على المعطيات التاريخية والثقافية كان تأثير هذه النخبة محدوداً مجتمعياً ولم يحققوا نهوضاً حقيقياً ليتحول إلى فكر راسخ، بل كان التأثير ضعيفاً الى درجة لم تجد التيارات المحافظة المعادية للحداثة صعوبة في تحطيم اغلبه واستعادة الهيمنة الكاملة على الحراك الاجتماعي العام. وما حصل بدل التقدم والنهوض هو نكوص وتقهقر مكّن الفكر اللاحداثوي من السيطرة.
تحظى النخب المثقفة المفكرة اليوم بآليات وأدوات عظيمة لنشر الافكار الحديثة وممارسة فعل التنوير وتحقيق ترقّ اجتماعي بشكل اوسع من الفرص والادوات التي كانت متوفرة للنخب التي سبقتها، وهذا يُسهل من وظيفتها الاخلاقية والرسولية، رغم أن الكثير من الصعوبات الايديولوجية والثقافية والتراثية مازالت فاعلة، لكن الأمر اختلف كثيراً بفعل الانجازات العلمية، إذ اصبحت عملية التواصل والنشر ممكنة الى درجة كبيرة، فكل قنوات التواصل الجديدة من انجازات عصر التقنية والالكترون بالاضافة الى ادوات النشر والاتصال القديمة يمكن لها أن تكون مؤثرة في تحقيق الانتقالات الفكرية والثقافية وترقية المجتمع بكل المجالات، وهي مكنت الباحثين والمثقفين من نقل الأفكار والآراء، حتى الجريئة منها ببساطة. وبدل القاعات المغلقة في التجمعات الثقافية يمكن أن تكون في الفضاء الالكتروني عبر خاصيات متعددة. وهنا يبرز السؤال عن دور النخبة وقدرتها على استيعاب كل هذه الميزات، وتحقيق التنمية الثقافية الحديثة ونقل العقول من مهاجعها القديمة الى عصر الحداثة وادخالها ضمن السياق التاريخي بدل الانغماس به. يتطلب ذلك انقطاع النخب عن اوهامها وغرورها ولغتها المبهمة المدرسية الجامدة واستخدام الخطابات السريعة احياناً للاقتراب من الناس وهمومهم، والتجاوب مع تساؤلاتهم وقلقهم والتخلي عن الانانية المعهودة عند الكثيرين من افراد هذه النخب بوصفهم ممتلئين علمياً ومعرفياً، وهو ما يجعل منهم في حالة اغتراب مع مجتمعاتهم، وكان هذا واحداً من أسباب القطيعة بينهم وبين الناس وبالتالي فشلهم. إن الفرصة التاريخية لتحقيق حُلم الانتقال من الاستغراق بالماضويات إلى روح العصر والتاريخ تساندها بقوة الانتشار الهائل لوسائل التواصل استخداماً ومشاركة، حتى للأميين الذين يعتمدون على الصوت والصورة في تلقي المعارف، كما يبرز التعليم الواسع كمعين في هذا الاتجاه، فأعداد المتعلمين جامعياً تزداد باضطراد، موفراً جيلاً متعلماً، لكنه بحاجة للصقل والتنوير وهي المهمة التي لابد أن يتولاها المثقفون المخلصون لدورهم التنويري، ولعل ما نقرأه وما نراه يصرح بهذه الحقيقة من استعداد للتعلم والحصول على الجديد من الافكار، بل أن مساهمات العديد من الشباب في هذا المجال يمنح صورة اكثر اشراقاً، وعلى هذا الاساس اصبحت الدروب مفتوحة لتحولات فكرية واجتماعية تتجه نحو الحداثة والعصرنة يمكن للنخب الحقيقية المثقفة والاكاديمية ان تُسرع منها وتراكمها بالافكار من خلال النشاط الدؤوب والمثابرة والاخلاص لتستحق ان يُطلق عليها لقب النخبة المثقفة، اذ اخذت دورها التاريخي التنويري وسَعَت الى ذلك بما توفر من سُبل وأدوات غير مسبوقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram