متابعة / المدى
لليوم الخامس على التوالي، يتواصل التصعيد العسكري الخطير بين إيران وإسرائيل، وسط تبادل كثيف للضربات الجوية والصاروخية بين الطرفين، وتضارب في المواقف الدولية حول سبل احتواء الأزمة المتفاقمة. يأتي ذلك بينما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة تصريحات نارية طالب فيها إيران بـ”الرضوخ الكامل”، مؤكدًا أن بلاده لا تبحث عن هدنة بل “نهاية فعلية” للنزاع.
قصف متبادل
شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية “سلسلة من الغارات” ضد أهداف عسكرية في غرب إيران، استهدفت مواقع لتخزين وإطلاق صواريخ ومرافق للطائرات المسيّرة، بحسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي. وأضاف البيان أن هذه الضربات جاءت بعد رصد إطلاق صواريخ من الأراضي الإيرانية باتجاه مدن إسرائيلية.
وفي المقابل، أكدت إيران أنها نفذت ضربات “دقيقة وناجحة” باستخدام طائرات مسيرة، طالت “أهدافًا استراتيجية” داخل تل أبيب وحيفا. وأوضح العميد كيومرث حيدري أن هذه العملية جاءت ردًا على ما وصفه بـ”العدوان الإسرائيلي الممنهج”.
وأدى هذا التصعيد إلى اندلاع حرائق في تل أبيب، حيث سقطت صواريخ وشظايا في مناطق مدنية، وفق الشرطة الإسرائيلية، بينما أعلنت إيران مقتل ثلاثة أشخاص في ضربة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي في طهران، الذي شهد كذلك انقطاعًا مؤقتًا في البث إثر الهجوم.
فجوة في التوازن.. وتحالفات غير متكافئة
من جانبه، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد تركي الحسن، أن سلاح الجو الإسرائيلي يتمتع بتفوق كبير مقارنة بنظيره الإيراني من حيث العدد، النوعية، والتكنولوجيا.
واضاف إن الاتفاق الستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة، الذي يعود إلى عام 1983، يوفر لتل أبيب دعما لوجستيا وتسليحيا واسعا، بما في ذلك تخزين أسلحة أميركية داخل الأراضي الإسرائيلية.
في المقابل، تبدو إيران شبه معزولة على المستوى الدولي، وتعاني من آثار العقوبات الأميركية، ما يجعل موازين التحالفات الدولية في غير صالحها، بحسب الحسن.
وفي تحليله للجوانب الميدانية، أوضح العميد الحسن أن الجغرافيا الإيرانية الواسعة (أكثر من 1.6 مليون كيلومتر مربع) تمنحها ميزة استراتيجية من جهة، لكنها في الوقت ذاته تمثل تحديًا لوجستيًا في حماية الأهداف الحيوية المنتشرة. بالمقابل، فإن كثافة الأهداف الحيوية في إسرائيل تجعل من الممكن حمايتها بأنظمة دفاعية متقاربة.
لكنه حذر من أن المنظومات الدفاعية الإسرائيلية واجهت خلال الأيام الأخيرة اختبارات قاسية، إذ تمكنت صواريخ إيرانية من اختراق الدرع الدفاعي والوصول إلى مناطق سكنية في حيفا وتل أبيب.
ترامب يهاجم إيران ويغادر قمة السبع مبكرًا
في خضم التصعيد، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات أدلى بها أثناء عودته من قمة مجموعة السبع في كندا، إن ما تطلبه واشنطن من طهران ليس وقفًا لإطلاق النار، بل “نهاية حقيقية للنزاع”، معتبراً أن “الرضوخ الكامل” هو المخرج الوحيد المقبول.
وأثارت مغادرته المفاجئة لأعمال القمة جدلاً واسعًا، خصوصًا بعد نشره منشورًا دعا فيه سكان طهران إلى إخلاء العاصمة “فورًا”، فيما اعتُبر رسالة إنذار ضمنية. وقال ترامب لاحقًا على منصة “تروث سوشال” إن مغادرته لا علاقة لها بأي مبادرة لوقف إطلاق النار، مهاجمًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زعم خلاف ذلك.
بدوره، صرح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن بلاده لا تشن هجمات على إيران، لكنها “تحتفظ بحق الدفاع عن النفس” وتسعى إلى اتفاق نووي شامل، في وقت لم تتضح فيه ملامح أي مسار تفاوضي حتى الآن.
وفي تطور أمني متصل، أعلنت الشرطة الإيرانية اعتقال عناصر قالت إنهم ينتمون إلى “شبكات تجسس تابعة للموساد”، كانوا ينشطون في تصنيع واختبار المتفجرات في مدن إيرانية، أبرزها كرج وأصفهان. وذكرت وكالة “تسنيم” أن العملية الأمنية حالت دون تنفيذ “هجمات داخلية” وُصفت بـ”الخطيرة”.
من جهتها، أعلنت إسرائيل مقتل القائد العسكري الإيراني البارز علي شادماني، والذي وصفته بـ”رئيس أركان الحرب في إيران”، وذلك في غارة جوية على مقر قيادة وسط طهران، ما عدّه الجيش الإسرائيلي “ضربة قاصمة للبنية العسكرية الإيرانية”.
إلى ذلك، دعت دول “الترويكا الأوروبية” (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) إيران إلى العودة “دون شروط” إلى طاولة المفاوضات النووية، محذرة من التصعيد الإقليمي. واعتبرت الضربات الإسرائيلية على طهران “ضربة للدبلوماسية”، وفق ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
في السياق نفسه، شددت مجموعة السبع في بيان ختامي على أن “إيران يجب ألا تمتلك سلاحًا نوويًا أبدًا”، وأكدت “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. كما أعربت برلين عن “تضامنها المطلق” مع إسرائيل، مع تحفظات على سياسات حكومة نتنياهو تجاه غزة.
وأكدت الدول السبع على أهمية خفض التصعيد في الشرق الأوسط، مع الدعوة لحماية المدنيين وتفادي الانجرار إلى حرب إقليمية واسعة قد تخلخل أمن الطاقة العالمي.










