TOP

جريدة المدى > محليات > الحكومة تروج لفرص "السكن" والشباب يرونها عبئاً مستحيلاً!

الحكومة تروج لفرص "السكن" والشباب يرونها عبئاً مستحيلاً!

بيت الأحلام يتحول إلى قسط طويل الأمد

نشر في: 19 يونيو, 2025: 12:03 ص

بغداد / تبارك عبد المجيد

رغم الخطط الحكومية والإعلانات المتكررة عن مشاريع إسكان "عملاقة"، ما يزال حلم امتلاك منزل بعيد المنال لكثير من العراقيين، خصوصاً من فئة الشباب وذوي الدخل المحدود. حيث يعتقد الجيل الحالي انه بعيد عن إمكانية امتلاك منزل. فبدلاً من أن تكون هذه المشاريع طوق نجاة من أزمة سكن خانقة، تحوّلت إلى عبء إضافي، تحكمه معايير الربح والاستثمار، لا منطق العدالة الاجتماعية.

ورغم تأكيد الجهات الحكومية أن أسعار الوحدات السكنية "مدروسة ومناسبة" للفئات المستهدفة، يحذر مراقبون من أن الواقع مختلف تماماً، إذ أن الأسعار المطروحة تفوق القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، خاصة في ظل الأجور المحدودة وغياب فرص العمل المستقرة. وتبرر وزارة الإعمار والإسكان هذه الفجوة بتحميل المصارف مسؤولية تحديد نسب الفوائد وآلية التسعير، مؤكدة أن تسعير العقارات يخضع لسياسات مصرفية لا تتدخل الوزارة فيها مباشرة.
يُحذر الناشط السياسي علي القيسي من أن سوق العقارات في العراق، وخاصة في العاصمة بغداد، يشهد تصاعدا غير مسبوق في الأسعار، بشكل بات يعكس "واقع مشوه تُهيمن عليه المصالح الضيقة"، فيما أكد لـ(المدى)، أن هذا الارتفاع "لم يعد يقاس بقوانين السوق أو العدالة، بل بمنطق الربح والاحتكار".
يضيف القيسي أن هذا الوضع "يضاعف من معاناة الشباب العراقي، الذين يبحثون بلا جدوى عن سكن كريم في ظل غياب الوظائف وتزايد تكاليف المعيشة"، مشيرا إلى أن "حتى المجمعات السكنية، التي من المفترض أن تخفف العبء عن المواطن، أصبحت مشاريع استثمارية محضة، تستحوذ عليها قوى اقتصادية تابعة لأحزاب وجهات نافذة".
ويتابع قائلاً: "نحن أمام قطاع سكني لا يُراعي سوى مصالح المستثمر، ولا يعكس أي رؤية للعدالة الاجتماعية أو خطط لمعالجة أزمة السكن. بل إن المشاريع المطروحة اليوم تزيد "الطين بلة" وترسخ الفجوة بين الطبقة السياسية والمواطن العادي".
يشدد القيسي على أن "غياب الرقابة وغياب الدعم الحقيقي للفئات الضعيفة قد أفضيا إلى مشهد سكني مشوه، يُعزز النزوح نحو العشوائيات، ويفاقم من هشاشة النسيج الاجتماعي".
ويؤكد القيسي ان "هذه المشاريع لم تبن بمنطق العدالة الاجتماعية، بل بمنطق الربح والاستثمار على حساب المواطن البسيط. من المفترض أن تكون موجهة لذوي الدخل المحدود، لكنها في الواقع بعيدة تماماً عن قدرتنا المالية".
ويشير القيسي إلى أن الأسعار المرتفعة لا تقتصر على المجمعات داخل بغداد، بل تمتد حتى إلى الضواحي، مثل مدينة الجواهري.
يرى الباحث الاقتصادي حسنين حسن أن القروض تمثل أحد أبرز الحلول العالمية لمعالجة أزمة السكن، لكنها في العراق تصطدم بجملة من التحديات التي تحد من فعاليتها. فبدلاً من أن تكون أداة ميسّرة للحصول على المسكن، تتحول في كثير من الأحيان إلى عبء على المواطن، بسبب ارتفاع نسب الفائدة، وتعقيد شروط الحصول عليها، وأبرزها شرط الكفيل.
ويؤكد حسن لـ(المدى)، أن القروض، رغم كونها مفيدة وساهمت في تخفيف حدة أزمة السكن، إلا أنها "ليست متاحة للجميع، بل تقتصر غالب على شريحة الموظفين أو من لديهم أفراد في الأسرة يمكنهم كفالتهم. وهو ما يجعل نسبة كبيرة من المواطنين خارج دائرة الاستفادة منها".
ويضيف أن "المشكلة الأساسية تكمن في أن العقار نفسه لا يستخدم كضمان للقرض، كما هو معمول به في دول كثيرة"، ويقترح أن يكون الحل الأمثل هو اعتماد العقار ذاته كضمان، خصوصا وأن الدولة تقوم بتوزيع قطع أراضي على المواطنين. فإذا ارتبطت هذه الأراضي بقروض مضمونة تغطي كلفة البناء، فإن ذلك يتيح للمواطن بناء مسكنه بسهولة، وفي حال التخلف عن السداد يمكن للدولة استعادة الأرض، ما يضمن حقوقها ويمنع التلاعب".
ويلفت إلى أن هذا النظام سيؤدي إلى تخفيض أسعار العقارات نتيجة لتوسيع رقعة البناء وتوزيع الكثافة السكانية بشكل متوازن، مما يقلل الضغط على مناطق محددة ويردع ظاهرة غسيل الأموال المرتبطة ببعض عمليات شراء العقارات المرتفعة الثمن في مناطق بعينها.
ويشير إلى أن القروض التي تمنحها الدولة اليوم هي قروض مكفولة، ما يعني أن الدولة لا تمنح القرض إلا بوجود كفيل ضامن، وهي بذلك تقلل من مخاطر عدم السداد. لكن هذا الشرط يقصي فئات واسعة من المواطنين الذين لا يتوفر لديهم كفيل.
ويتابع حسن بالتنبيه إلى أن توفير القروض السكنية يسهم في زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة، خاصة إذا ما ارتبطت بإنشاء مجمعات سكنية حضرية، لذا فإن الحل الأنسب في رأيه هو أن توزع الدولة الأراضي بشروط واضحة، أهمها الالتزام ببنائها من خلال قرض محدد. هذا التوجه لا يحفز البناء فحسب، بل يعيد رسم الخارطة السكانية ويخلق توازناً في توزيع السكان، مع الحد من تضخم أسعار العقارات في المدن. وفقا لحسن.
من جانبه، يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن قروض السكن التي يقدمها صندوق الإسكان العراقي التابع لوزارة الإعمار والإسكان، تُعد من أكثر أدوات التمويل العقاري يسرا للمواطنين، نظرًا لكونها تمنح دون فوائد، باستثناء عمولة إدارية رمزية تُستوفى مرة واحدة عند منح القرض.
وأوضح صالح لـ(المدى)، أن هذه القروض تسدد على مدى 15 عاما، وتُمنح شريطة أن يمتلك المواطن المستفيد أرضًا لا تقل مساحتها عن 100 متر مربع، سواء عن طريق التملك أو الحيازة، على أن يكون قد باشر ببناء ما لا يقل عن 60 متر مربع من العقار.
وتُتاح هذه القروض للمواطنين من عمر 18 إلى 63 عا، بشرط وجود كفيل ضامن يُغطي نصف راتب المقترض الاسمي لضمان سداد القسط الشهري. أما إذا كان المقترض موظف، فيُكتفى بضمانة راتبه.
وأضاف صالح أن هذا النموذج من التمويل العقاري يُعد أكثر عدالة واستدامة مقارنة بالقروض المصرفية الأخرى التي عادة ما تتضمن نسب فوائد مرتفعة، ما يثقل كاهل المواطن. كما لفت إلى أن المصرف العقاري العراقي قد يسير في الاتجاه ذاته، خاصة ضمن مبادرة البنك المركزي العراقي التمويلية، التي تهدف إلى تنشيط السوق العقارية وتسهيل تملك السكن للمواطنين.
اما المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، ذكر أن القروض التي يمنحها صندوق الإسكان العراقي تقدم من دون فوائد، وهو ما يجعلها موضع إقبال واسع من المواطنين". وبين أن باب التقديم على هذه القروض مغلق حالي، بعد أن تم فتحه في شهر شباط الماضي، وشهدت الفترة الماضية زخم كبيرا في الطلب عليها.
وأشار الصفار إلى أن عدد المعاملات المقبولة إلكتروني عبر منصة أور حتى تاريخ نهاية نيسان الماضي تجاوز 9000 معاملة، ويتم حالياً العمل على استكمال إجراءاتها بشكل تدريجي.
وأضاف أن الهدف من هذه القروض هو بناء وحدات سكنية جديدة، وهو ما يميزها عن قروض المصارف الأخرى، التي غالبا ما تُمنح لغرض شراء وحدات سكنية جاهزة. وأكد أن هذا التوجه يعكس رؤية الوزارة في زيادة الرصيد السكني الوطني وتوسيع قاعدة التملك للمواطنين.
وبرر الصفار أسعار العقارات بالقول، أن القروض التي تمنحها المصارف الأخرى تخضع لسياسات تلك المصارف وتعليمات البنك المركزي العراقي، خاصة فيما يتعلق بنسبة الفوائد، مشيرًا إلى أن "هذه الأمور تقع خارج نطاق عمل الوزارة".
واشار الى أهمية تفعيل منظومة الإقراض السكني، لاسيما بعد إطلاق المدن السكنية الجديدة، متوقعاً أن تشهد المرحلة المقبلة تفاهمات مع المصارف والبنوك لإيجاد آلية مناسبة لتمويل شراء الوحدات السكنية، بما يسهم في حل أزمة السكن وتلبية الطلب المتزايد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

سيول السليمانية.. خسائر ووفيات وجمجمال تناشد بغداد بالتدخل السريع
محليات

سيول السليمانية.. خسائر ووفيات وجمجمال تناشد بغداد بالتدخل السريع

 السليمانية / سوزان طاهر   أدت السيول الأخيرة التي اجتاحت قضاء جمجمال في محافظة السليمانية إلى وقوع كوارث إنسانية، أودت بحياة اثنين من المواطنين وإصابة العشرات، فيما لا يزال مصير اثنين من المواطنين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram