ثائر صالح
لم تحز أوبرا غير إيطالية شهرة مثلما حازت اوبرا جورج بيزيه "كارمن" التي قدمت للمرة الأولى في 3 آذار 1875 على مسرح الأوبرا الهزلية في باريس، قبل قرن ونصف من الآن. لكنها لم تكن كذلك عند العرض الأول، وحتى يمكننا القول أن بيزيه لم يذق طعم النجاح في حياته إلا بصورة محدودة جداً، إذ لم تنجح محاولاته الأوبرالية الأولى مثل صيادو اللؤلؤ (1863) و"البنت الجميلة من برت" (1866)، وفشلت أعماله اللاحقة "جميلة" (1872) والعروض الأولى لموسيقى مسرحية ألفونس دوديه "البنت من آرل" (1872)، ألا أن إعادته كتابة موسيقى الأخيرة وتقديمها بشكل متتابعة (سويت) جلبت له النجاح للمرة الأولى، وهو ما شجعه على كتابة "كارمن". لم يكن متفائلاً عند العرض الأول لكارمن، إذ عندما تحلّق حوله عدد من الموسيقيين الشباب عند الاستراحة بعد الفصل الأول وبدأوا يمدحون العمل، قال بيزيه "أنتم أول وأخشى أن تكونوا آخر من يمدح العمل". كان عرض كارمن الأول فشلاً جديداً أصابه، وربما أسهم الموسيقي شارل غونو الذي كان بيزيه يبجله كثيراً في هذا الفشل عندما قال بصوت عال بعد واحدة من آريات الفصل الثالث "هذا اللحن أنا من ألفه، بيزيه سرقه مني". عجّل هذا الفشل الجديد في وفاة بيزيه بالسكتة القلبية بعد ثلاثة أشهر بالتمام، فقد توفي في الثالث من حزيران 1875 ولم يبلغ السابعة والثلاثين.
اشتهر بيزيه بذاكرته الموسيقية القوية وبراعة عزفه على البيانو، واعتقد الكثير من الموسيقيين أنه لو اختار العمل كعازف منفرد على البيانو لأصبح أحد أفضل العازفين في عصره. يروى أن فرانس ليست عزف مقطعاً من أحد أعماله الجديدة على البيانو خلال دعوة أقامها الموسيقي الفرنسي جاك فرومنتال هاليفي على شرفه حضره عدد من المثقفين، وكان العمل يتطلب مهارة تقنية عالية. قال ليست بعد أن أدى المقطع أن هذا العمل لا يستطيع تقديمه بإيقاعه وشكله الأصليين سوى إثنان: هانس فون بيلو وأنا. عندها سأل المضيّف هاليفي بيزيه تلميذه الشاب إن كان يستطيع إعادة عزف المقطع الذي عزفه ليست، أجابه بالإيجاب وجلس إلى البيانو وأدى المقطع الذي سمعه للتو بحذافيره وسط دهشة الحاضرين. عندها جلب ليست مدونة العمل ووضعها أمام بيزيه الذي أداه من أول قراءة بدون أدنى خطأ. عندها قال ليست: لقد أخطأت قليلاً قبل قليل. لسنا إثنان بل ثلاثة من يستطيع عزف العمل بدرجة كاملة، وعزفك يا صديقي الشاب هو الأكثر براعة بين الثلاثة.
من المؤسف أن يضيع الكثير من مخطوطات أعماله، وجرى تنقيح وتغيير الكثير مما نشر بعد وفاته، حتى أوبرا كارمن نفسها لم تنج من التغيير. وعدا أوبرا كارمن ومتتابعة البنت من آرل، وربما سيمفونيته في دو الكبير، لم يسمع المهتمون بالموسيقى الكثير من أعماله الأخرى التي يجري إحياء بعضها بين حين وآخر.
موسيقى الاحد: الذكرى 150 لوفاة بيزيه

نشر في: 22 يونيو, 2025: 12:01 ص









