بقلم: بروفيسور القانون الدولي، دونالد روثويل، من جامعة أستراليا الوطنية
عقب قصف الولايات المتحدة لثلاث منشآت نووية إيرانية يوم الأحد، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الهدف من العملية هو "إيقاف التهديد النووي الصادر عن الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم". وكرّر وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغيث، هذا المبرر بقوله: "الرئيس أجاز عملية دقيقة لتحييد التهديدات التي يشكلها البرنامج النووي الإيراني على مصالحنا الوطنية، ولدعم الدفاع الجماعي عن قواتنا وحليفتنا إسرائيل".
نتساءل هنا: هل يعدّ هذا تبريرًا مشروعًا لدولة كي تشنّ هجومًا على دولة أخرى؟ ولكن من خلال مراجعة الأدلة، أرى أن الجواب لا.
وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، هناك طريقتان فقط تستطيع الدولة من خلالهما استخدام القوة بشكل قانوني ضد دولة أخرى:
1. من خلال تفويض مجلس الأمن باستخدام القوة في حالات استثنائية من أجل استعادة أو حفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك بموجب الفصل السابع.
2. عبر حق الدفاع عن النفس في حال تعرض الدولة لهجوم مسلح، كما هو موضح في المادة 51 من الميثاق.
بالنسبة للنقطة الأولى، فإن مجلس الأمن لم يصدر تفويضًا سواء للولايات المتحدة أو إسرائيل بشن هجوم على إيران من أجل حفظ الأمن الدولي. صحيح أن المجلس أعرب مرارًا عن قلقه إزاء البرنامج النووي الإيراني، وأصدر عدة قرارات بهذا الشأن، لكن أيا من هذه القرارات لم يتضمن تفويضًا باستخدام القوة العسكرية.
أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية التي تخص حق الدفاع عن النفس، فلا يُفعّل هذا الحق إلا في حال وقوع هجومٍ مسلحٍ فعليّ على دولة ما. ولا توجد أي أدلة موثوقة على أن إيران قد شنّت مؤخرًا هجومًا مباشرًا على الولايات المتحدة.
نعم، كانت هناك هجمات متفرقة على مصالح أميركية في المنطقة نفذتها جماعات مسلحة مدعومة من إيران، مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله. وفي خطابه مساء السبت أشار ترامب إلى حوادث سابقة تعتقد واشنطن أن إيران كانت مسؤولة عنها عبر سنوات. لكن لا يوجد ارتباط مباشر بين تلك الحوادث وبين الضربات الأخيرة على المنشآت النووية داخل إيران.
ماذا عن الضربة الوقائية؟
أحد المبررات الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة الاستناد إليها لتبرير ضرباتها هو مفهوم الدفاع الوقائي أو الاستباقي. لكن كلا هذين المفهومين في إطار الدفاع عن النفس يُعدّان مثارًا لجدل قانوني كبير، ولم يحظيا حتى الآن بمصادقة واضحة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو من محكمة العدل الدولية. لقد سعت الولايات المتحدة، على مدى سنوات، إلى فرض تفسير واسع ومتشدّد لحق الدفاع عن النفس، يشمل الدفاع الاستباقي والوقائي، وهذا التفسير هو الركيزة التي تعتمد عليها واشنطن في تبرير ضرباتها الأخيرة ضد إيران.
أما الفرق بين "الاستباقي" و"الوقائي"، فإن الأول يُمارَس عندما يكون الهجوم وشيكًا جدًا، مثل حشد قوات على الحدود، أما الثاني، فهو خطوة أسبق، تُمارَس قبل أن يتحول التهديد إلى واقع ملموس، أي قبل ظهور أدلة حقيقية على نية الهجوم.
ولكن هل شكّلت إيران تهديدًا وشيكًا؟
للإقرار بوجود تهديد وشيك من إيران، يجب توفر شرطين أساسيين:
أولًا، امتلاك إيران قدرة نووية حقيقية (أي سلاحًا نوويًا فعالًا).
ثانيًا، وجود نية لاستخدام هذا السلاح.
فيما يتعلق بالقدرة، هناك جدل قائم حول مدى شفافية إيران في تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، ولكن من المهم التوضيح أن هذه الوكالة هي الجهة الوحيدة المخوّلة دوليًا لتقييم برامج الدول النووية. وقد أكدت الوكالة، حتى الآن، أن إيران لا تمتلك سلاحًا نوويًا. كما صرّح المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، في مقابلة مع الـ«بي بي سي»، قائلًا: "حتى أوائل الألفينات، كان هناك برنامج نحو إنتاج سلاح نووي، لكن هذا لم يعد قائمًا الآن."
واللافت أن تصريحات الرئيس ترامب بشأن الضربات، أشار فيها فقط إلى منشآتِ تخصيبٍ نوويّ، ولم يأتِ على ذكر أسلحة نووية، مما يعزز من فرضية غياب السلاح النووي الإيراني في الوقت الراهن، حتى من وجهة النظر الأميركية نفسها.
أسئلة قانونية حول النوايا والرد الجماعي
هناك العديد من الدول التي تمتلك قدرات نووية، لكنها لا تُظهر بالضرورة نية لاستخدامها. إيران، من جهتها، تمتلك سجلًا طويلًا من الخطابات العدائية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، غير أن السؤال الجوهري هنا هو: هل يمكن اعتبار هذا الخطاب العدائي دليلًا على نية حقيقية لتنفيذ هجوم؟
ماذا عن الدفاع الجماعي؟
بدأت إسرائيل حملتها العسكرية ضد إيران في 13 حزيران/يونيو، مستندة أيضًا إلى مبرر الدفاع الاستباقي أو الوقائي لمواجهة ما وصفته بخطر البرنامج النووي الإيراني. وإذا كانت إسرائيل تمارس "حقها في الدفاع عن النفس" بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، كما تزعم، فإن بإمكانها طلب دعم حلفائها لتنفيذ ما يعرف قانونيًا بـ"الدفاع الجماعي عن النفس" ضد هجوم تتعرض له.وبالنظر إلى الأدلة المتوفرة، فلا شك أن هناك تنسيقًا واضحًا بين الإسرائيليين والأميركان فيما يخص الضربات الأميركية التي نُفّذت في 22 حزيران/يونيو. وعلى السطح، يبدو أن ما يجري يمثل حالة الدفاع الجماعي عن النفس. المشكلة القانونية الجوهرية هي أن هذا الحق لا يُعدّ مشروعًا وفق القانون الدولي إلا إذا كان الأساس الأصلي للدفاع الإسرائيلي عن النفس مشروعًا. وهنا نواجه نفس الإشكالية القانونية التي نواجهها مع الادعاء الأميركي بحق الدفاع عن النفس. فالادعاء الإسرائيلي بوجود هجوم وشيك من إيران يبقى موضع شك كبير ونقاش واسع، ولا تدعمه الوقائع بشكل قاطع.
المصدر الأساسي للقلق هو أن هذه الضربات قد تشكل سابقة خطيرة. إذ قد تلجأ دول أخرى إلى هذا التفسير لحق الدفاع عن النفس لتبرير شن ضربات استباقية أو وقائية ضد دول أخرى متى ما شاءت. ومن منظور القانون الدولي، لا يمكن وصف الضربات الأميركية على إيران بأي وصف آخر سوى أنها خرق للقانون الدولي.
• عن موقع The Conversation










