طالب عبد العزيز
الأغاني والبرامج الفنية والثقافية فضلاً عن الاخبار هي ما تدعوني لأجعل المؤشر الأحمر واقفاً عند إذاعة مونتيكارلو حتى الصباح، من كلِّ ليلة، ثم حدث أنْ دخلت أخبار الحرب في غزّة، وما يحدث للناس هناك من مقاتل على الخطِّ، فكانت زاداً معرفياً، كذلك التحقت قائمة أخبار الحرب مع إيران وإسرائيل لتكون ضمن قائمة اهتمامي الليلي، هذا الذي يغضب زوجتي. الحقَّ أقول إنَّ شبكة مراسلي الإذاعة ينقلون الاخبار أولاّ بأول، على الرغم من إنحيازهم لصالح الغرب وإسرائيل وأمريكا، فهي إذاعة موجهة في الأخير، تعمل بتمويل من الحكومة الفرنسية، سنتذكر بأنها عملت لصالح العراق في حربه مع إيران حتى ظنَّ بعضُنا بأنها كانت ضمن صفقة طائرات الميراج وصواريخ الاكروزوزيت الفرنسيتين.
ومع أنَّ الرئيس الأمريكي (زفَّ) بشرى نهاية الحرب قبل الفجر بساعتين، من ليلة أمس الأول- بحسب فارق التوقيت الصيفي بين بغداد وباريس- إلا أنَّ آخر المسيرات الإيرانية كانت تدكُّ وحدات الرادار بمعسكر التاجي، و قاعدة بلد، و قاعدة الإمام علي، ومطار بغداد، وتفعل مثل ذلك في جنوب إسرائيل، كذلك كانت الطائرات الإسرائيلية تغير على بعض المدن الإيرانية. لكنَّ ذلك كله كان الحلقة الأخيرة في مسلسل الطيران والاغارات والمسيرات والصواريخ، وها هي نشرة الاخبار الأولى تنقل تهنئة الرئيس ترامب الى قادة شعبي إيران وإسرائيل على امتلاكهم القدرة على (التحمل والشجاعة والذكاء) لإنهاء الحرب!
هكذا، تنتهي الحرب، وتخلو نشرات الاخبار في راديو مونتيكارلو من أخبارها، وستذهب مئات التقارير والتحليلات الى مزبلة الاعلام، وسيلجأ عشرات المحللين، الذين كانوا (عباقرة) الى الصمت، ولم يعد هامّاً خبر من ابتدأ بالحرب ومن أنهاها، لكنها ستكشف عن قوائم الخسارات والفجائع، ومع أنَّ يقيننا بأنَّ ما تم تدميره في المدن الإسرائيلية سيعاد بأموال اليهود مرةً، وبأموال العرب اليهود مراتٍ ومرات، إلا أنَّ خسارة إيران الحربَ، التي عولت عليها طويلاً هي الابلغ، فقد ذهب الى غير رجعة برنامجها النووي، وسيمضي وقت طويلٌ لكي تصلح من شأن دفاعاتها الجوية وتعيد قدرة طيرانها الحربي، والانكى من ذلك كله عزلتها الدولية ومستقبل نظامها السياسي. يقابل ذلك أنَّ إسرائيل تمكنت من اغتيال الخط الأول للقيادات العسكرية، لكنها لم تحقق أمنيتها في إسقاط النظام الإيراني، واغتيال المرشد الأعلى، نعم، تم تدمير أو تعطيل أو إيقاف العمل بالبرنامج النووي، لكنها اصطدمت بقدرة الرد الإيرانية، كذلك عجزت إيران عن الحاق الهزيمة بإسرائيل، ولم تلحق أيَّ ضرر ببرنامجها النووي، وتحقق لديها بأنَّ جدار إمريكا والغرب يقف حائلاً دون سقوط دولة إسرائيل، وأنها عقبة كأداء، ومن العبث الاصطدام بها.. يقابل ذلك وقوفنا على حققيقة تقول بأنَّ قبة إسرائيل الحديدية لم تكن حامية لها، وأنَّ الصواريخ والمسيرات الإيرانية قادرة على تدمير مراكز القوة بما فيها المدن الإسرائيلية، وهكذا، نحن إزاء حرب لا معنى لها، لا منتصر نهائي فيها، وأنَّ ما سعت له إيران طوال خمسة عقود كان بلا طائل، وأنها شغلت المنطقة العربية وأحكمت على شعبها حصاراً دام خمسين عاماً، وأن اقتصادها وثراوتها وعلائقها الدولية ظل أسير سياسة هوجاء، وأنها أخطأت بحق شعوب العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين والسعودية والمنطقة بأسرها، وتسببت في الحاق أفدح الاضرار بها.
فضيلة الحرب بين إسرائيل وإيران أنها كشفت عن الاعداد الهائلة من المجندين الإيرانيين لصالح الموساد الصهيوني، والذي تسبب بمقتل العلماء، والقادة في الحرس والجيش، وتدمير منظومات الدفاع، في البلاد التي لم تطأها أقدام المازينز والشركات الامريكية –الاوربية.. لكنها تشير لنا وبوضوح الى أعداد العاملين من العراقيين وغيرهم لصالح الموساد ذاك، في العراق، البلاد التي تعجز قواتها المخابراتية والاستخباراتية والأمنية عن حلِّ نزاع بين عشيرتين في الجنوب، أو ملاحقة عصابة لسرقة المال العام.
الحقيقة تقول أنْ ليست الضربة الأخيرة على إيران مجرد هجوم جوي... بل هي ضوء كشف الغرفة السوداء التي حيكت فيها واحدة من أعقد شبكات التسلل والاستخبارات خلال ربع قرن. شبكة هندية-إسرائيلية، بُنيت بهدوء وصبر، واستخدمت الجاليات الهندية المنتشرة في الخليج كحصان طروادة للتوغل في صميم الأنظمة التقنية والعسكرية وحتى النووية الإيرانية والعربية كذلك. سأسعدُ إذْ أنني لن اسمع أخبار الحروب بعد اليوم، ذلك لأنَّ الطريق الى حلِّ قضية غزة بات سالكاً، حيث لا أحد سيقف بوجه إسرائيل بعد اليوم، فهي إمّا تستولي على القطاع المحطم، وتدخله تحت جناحها اليهودي أو أنّها تعمد الى حلٍّ لا يحتاج فيه الى صواريخ المرشد بعد اليوم.










