عبدالكريم يحيى الزيباري
تعيين الأكفاء في المناصب المهمة، يُضعِفُ سلطة الفرد (المدير العام، الوزير، الرئيس)، ويقوِّي الدولة ويضيِّقُ الفجوة بين السلطة والشعب ويُعزّز الشرعية ويُكرّس الثقة بمؤسسات الدولة.
الإمبراطور الروماني كاليغولا، أبن أغريبينا الكبرى حفيدة أوغسطس قيصر، حكمَ ستة شهور كنبيل كمعتدل، وانحرفَ حين لم يجد مَنْ يقول له: لا. قام بتعيين حصانه "إنسيتاتوس" في منصب قنصل، وهو أعلى منصب قضائي في روما آنذاك، وأدخله غرفة الاجتماع. كذلك أحد المدراء في اجتماع، يقول: لديَّ ألف وستمئة نعجة أقودها.
كاليغولا في ثلاث سنوات ونصف قبل مقتله، فَقَد ثقة الشعب والنخبة وانفردَ بالقرار فوضع غير الأكفاء في مناصب حساسة فاهتزت الثقة بالنظام والدولة فقتلوه.
وعلى مرّ العصور، كانت الكفاءة تُمثّل التهديد الأخطر للسلطة الفردية المائلة إلى الطغيان: نيرون عيّن المطربين في المناصب العامة، لمحاباته للفنون، وترك الأكفاء جانبًا. المعتصم بالله، اعتمد القادة الأتراك الذين كانوا مَهَرَة في القتال، لكن تدخلهم في السياسة، عَمَّق هشاشة الدولة، لافتقارهم الخبرة الإدارية والحكمة السياسية. فتحوّلت الخلافة إلى لعبة بيد العسكر، وبدأ عصر الانحطاط. وكان للخليفة المستعين بالله قائدان تركيان: وصيفٌ وبَغَا، فقال الشاعر:
خليفة في قفص، بين وصيف وبغا. يقول ما قالا له، كما تقول الببغا.
لويس السادس عشر تجاهل الكفاءات ونصائح المخلصين، وأصرَّ على تعيين غير الأكِّفاء المنافقين من حاشيته، كاختيارات عائلية أو نُبلاء.
فرضية 1: في مختلف الأنظمة الملكية أو الأوتوقراطية، تُعطى المناصب الحساسة للأقارب أو المقرّبين بدافع الولاء لا الكفاءة. نيرون وصدام حسين أعطى مفاتيح السلطة لصهره حسين كامل الذي انقلب عليه، وهربَ وأعطى الأمريكان معلومات كانوا يحلمون بها، ولم يتعلَّم الدرس، فجعل من ابنه الصبي مشرفاً على الجيش والحرس والجمهوري يأمر القادة الكِبار وينهرهم في حربٍ مصيرية.
النتيجة: نشوء أنظمة فاسدة أو ضعيفة بنهايات مأساوية وانقلابات دموية.
فرضية 2: تعيين الأذكياء قد يكون خطرًا على الفاسدين والسلطة المطلقة، لكن تعيين من لا كفاءة لديه يضعف الجهاز ويكشف قصور بصيرة الحاكم.
نتيجة: تعيين الأذكياء والعلماء يضمن استمرار النظام والدولة.
لويس الرابع عشر عيّن كولبير الكفء لإدارة الاقتصاد، فازدهرت فرنسا، بينما ابنه وحفيده عيَّنَا المقربين الفاسدين، فانهارت الدولة.
فردريدك الكبير أول مَنْ أسس علم العسكرتارية وأنشأ كلية عسكرية، وأمر قادته بالالتحاق بها، لأنَّ العسكرية علم، لكنَّ أحد أصهاره ظلَّ يتهرب. وفي إحدى المعارك، سأله: لماذا لا تلتحق بالكلية العسكرية؟ فأجاب بغرور وكبرياء: ماذا يفهم المعلمون هناك، لقد اشتركتُ في أكثر من عشرين معركة؟ فقال له فردريك: هل ترى ذلك البغل هناك؟ لقد اشتركَ معي في كل المعارك والحروب، لكن انظرْ جيداً إنَّه ما يزال بغلاً.
وفي الأساطير الصينية: ملك فَقَدَ مستشاريه فعين صيادًا بسيطًا، فأهلك البلاد لأنه لم يفهم تعقيد السياسة. الحكمة الشعبية أن الخبرة لا تُستبدل بالنية الطيبة وحدها.
في أحد مطارات العالم المتقدم، سئل البروفيسور صاد: لماذا تغادر وطنك؟ وطني وطن الجحيم لِمَن يريد أنْ يعيش بكرامة وحرية وسلام. وطني جَنَّة الحمير، ولستُ بِحِمار. فلماذا لم يغادر البروفيسور سين؟ شغلته أمواله وقصوره وحاشيته ومناصبه.
في غابة يسمونها جنَّة الحمير:
حمارٌ يقف أمام الباب، يتحمل الإهانات ويبذل الغالي والنفيس، يبذل كرامته وشرفه وماله، مقابل ابتسامة باهتة من المسؤول الإله، الذي يظنونه الرزاق القوي إذا رضيَ عنكَ فأنتَ أنتَ. الحصان مشغول بنفسه وأمور بيته، لا أحد يعرفه ولا يريد أنْ يعرف أحداً، والحمار الواقف بالباب سرعان ما تفتح له الأبواب ويبدأ بالبحث عن حمير يشبهونه، ويقول علناً: نريدُ شخصاً بلا أخلاق يخدمنا، لا نريد إنساناً شريفاً يؤنبه ضميره، ويقول لنا لا هذا حرام، وهذا ظلم لا يجوز. نريد نذلاً نقول له: اقتلْ فيقتلْ بلا سؤال ولا استفسار، نقول له: اهرب، فيهرب. اسرق فيسرق. ارفع يدك يرفعها، وقِّع يوقِّع، لا تحضر لا يحضر.
في المدينة الفاضلة، النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة.
وعن أبي موسى الأشعري، دَخَلْتُ علَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلَانِ مِن بَنِي عَمِّي، فَقالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يا رَسولَ اللهِ، أَمِّرْنَا علَى بَعْضِ ما وَلَّاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقالَ الآخَرُ مِثْلَ ذلكَ، فَقالَ: إنَّا وَاللَّهِ لا نُوَلِّي علَى هذا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عليه.











جميع التعليقات 4
منذر
منذ 5 شهور
سلمت يداك 🌸
محمد عماد
منذ 5 شهور
سلمت اناملك
علاء الصراف
منذ 5 شهور
جميل جدا
علاء الصراف
منذ 5 شهور
المقال رائع جدا ويعكس حقيقة الواقع الذي نعيش فيه مع الاسف اصبحب بلداننا حاضنة للتخلف والفساد ..................................................................................................................................................................