الموصل / سيف الدين العبيدي
يستذكر الصحفيون في الموصل مرور 140 عاماً على صدور أول صحيفة موصلية، وهم يواجهون مرحلة جديدة من متاعب المهنة. فبعد أن تخلصوا من ملاحقة الجماعات الإرهابية واستهدافهم قبل عام 2014، يواجهون اليوم تحديات من نوع مختلف، أبرزها غياب حق الحصول على المعلومة.
تفرض المؤسسات الحكومية طوقاً من السرية يمنع تداول المعلومات التي قد تكشف التقصير أو الفساد، في ظل غياب تطبيق قوانين حماية الصحفيين، وضعف دعم الدولة للصحفيين ومؤسساتهم، ما أفقد السلطة الرابعة الكثير من هيبتها. كما أن توجهات بعض وسائل الإعلام، التي تتغاضى عن الفساد والفوضى، أسهمت في تمادي أصحاب القرار وعدم اكتراثهم بالإعلام المهني والمستقل.
تشهد المحافظة تراجعاً في عدد المؤسسات الإعلامية، إذ لا توجد سوى قناة فضائية واحدة وست إذاعات، اثنتان منها فقط تنقلان صوت المواطنين. أما الصحف الورقية، فهي شبه منقرضة، ولا يصدر منها سوى ثلاث صحف بشكل غير منتظم. هذا الوضع يدفع العديد من الصحفيين للعمل مع مؤسسات إعلامية في بغداد أو أربيل أو في العالم العربي، ويضع خريجي كليات الإعلام في حيرة بشأن مستقبلهم المهني.
أثار صدور كتاب شكر من رئاسة الوزراء لجميع الصحفيين المنتمين إلى النقابة قبل أيام اعتراضاً واسعاً بين العاملين في المهنة. الصحفي إسلام هشام قال لـ«المدى» إن «الصحفي العراقي لا يحتاج إلى كتاب شكر، بل إلى كشف ومحاسبة قتلة الصحفيين، وتشريع قانون مفصل لضمان حق الحصول على المعلومات وحرية التعبير».
وأضاف أن «العمل بالمواد القانونية التي تجرّم النشر يحوّل الصحفي من جهة رقابية إلى متهم يمسّ هيبة الدولة وسمعتها»، مطالباً بجعل المؤسسات الحكومية متعاونة، وتسهيل عمل الصحفيين، وإلغاء الدعاوى القضائية التي تُرفع ضدهم عند نشرهم مواد تدين الفساد، مع توحيد إجراءات تنظيم العمل الصحفي في جميع المحافظات.
أما الصحفي عمر شمس الدين، فقد أعرب لـ«المدى» عن اعتراضه على «المضايقات التي يتعرض لها من قبل حمايات المسؤولين»، مؤكداً أن «كثيراً منهم غير مؤهلين للتعامل مع الصحفيين خلال المؤتمرات والجلسات»، كما أشار إلى «منع دخول الصحفيين إلى المؤسسات الحكومية وتخوف المسؤولين من الإدلاء بتصريحات»، معتبراً أن ذلك «دليل على وجود شبهات فساد وتقصير». ودعا إلى «تفعيل قانون حماية الصحفيين، وأن تكون النقابة داعمة لهم بشكل فعلي».
المهنة تتحول إلى صراع يومي للبقاء
من جانبه، قال الإعلامي عمر الحسيني لـ«المدى» إن الصحفيين في الموصل «استبشروا بمرحلة جديدة بعد زوال التهديدات الإرهابية، لكن الواقع اصطدم بعودة التضييق والمضايقات، وتكرار حالات تكميم الأفواه، من دعاوى قضائية وتهديدات متواصلة».
وأضاف أن «الصحفي اليوم يخوض صراعاً يومياً للبقاء، بين أروقة المحاكم والضغوط الأمنية، وفي كل مرة يجد نفسه في معركة جديدة عنوانها الدفاع عن حرية الكلمة وحق المواطن في المعرفة»، معرباً عن أمله في «استعادة الصحافة لمكانتها، وتمكين الصحفيين من أداء دورهم بحرية وأمان، لأن الوطن الذي لا يحمي صحفييه، لا يستطيع حماية مستقبله».
مخاوف شعبية من التصريح
الصحفي رعد الزبيدي أشار في حديثه لـ«المدى» إلى أن «بعض المسؤولين يفضلون وسائل إعلام محددة، خاصة تلك التي تروج لهم أو تتبع أحزابهم»، كما أكد أن «المواطنين غالباً ما يمتنعون عن التصريح أمام الكاميرا، إما بسبب الخجل أو الخوف من الملاحقة نتيجة انتقادهم للأوضاع أو المسؤولين»، وهو ما يدفعه إلى «إلغاء العديد من التقارير التي تتطلب آراء المواطنين».
وبيّن الزبيدي أن «المسؤولين لا يحترمون الصحفيين خلال المؤتمرات والجلسات، ويرفضون الإدلاء بتصريحات، أو يؤجلون اللقاءات لساعات طويلة دون مبرر»، مضيفاً أن «هذا حدث عدة مرات خلال جلسات مجلس محافظة نينوى».










