TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فخري كريم.. مسيرة إعلامية طويلة.. ولمسات إنسانية

فخري كريم.. مسيرة إعلامية طويلة.. ولمسات إنسانية

نشر في: 2 يوليو, 2025: 12:03 ص

علاء المفرجي

في صيف 2003 الساخن، وكنا قد تخلصنا للتو من ربقة نظام قاس، نشر رعبه على مدى 35 عاما، من قمع وأضطهاد وكبت، وكان من نتائج ذلك أن تنفسنا حريتنا في فضاء لا محدود من اشاعتها.. وكانت فرصة نتحينها نحن الأعلاميين بأنتظار ما يسفر عنه فضاء الحرية المتاح، لنمارس ما لم نعتد عليه منذ عملنا الأول في الصحافة.
فكان أن استدعيت للعمل في صحيفة تصدر أول مرة عن مؤسسة كبيرة كانت تعمل خارج العراق، وإن كانت سمعتها تطبق أفاق الضمائر الحرة، ومتابعوها كانوا يتهامسون بنشاطها المتنور في الثقافة، الأعلام، ونتبادل ما يستنسخ من إصداراتها سرا..
هذه المؤسسة التي حملت اسم (المدى)، و(المدى) هي الغاية والمنتهى، كما ترى المعاجم العربية، بل هي أبعد ما تراه العين في معاجم أخرى، وكان الحفر في محتوى الأسم، تراه مجسدا في ثنايا عمل هذه المؤسسة- الجريدة، فكيف لي أن لا استجيب للعمل فيها.
كانت المدى في بداية تأسيسها تكتظ بالقامات الإعلامية من داخل العراق وخارجه، الذين تولوا أمر بنيانها وتحديد خطها الفكري وتوجهها التنويري. لكن أكثر ما شرفني بهذه الدعوة، وجود قامة أعلامية على رأس هؤلاء هو (فخري كريم)، اسم لإعلامي طالما أثار فضولنا في معرفة من يكون، منذ الصدور العلني لـ (طريق الشعب) بداية السبعينيات؟ وكنا حينها صبيانا ومراهقين حيث وجدنا لنا في خانة اليسار مكانا أسمه اتحاد الطلبة. بدأنا نوظف اشتغالاتنا والتي تتجسد بطرح أسئلة كثيرة وكبيرة عن هذا (الإعلامي).
ومن هذه الأسئلة: كيف يتبوأ شابا لا يبعد كبرا عن عمرنا سوى بضعة سنين، منصب مديرا لتحرير الجريدة، في وقت يزدحم الحزب بعقول مخضرمة وخبيرة في شؤون السياسة والاقتصاد والأعلام.. كيف يقود صحيفة بمكانة طريق الشعب واهميتها للحركة الشيوعية في العراق والمنطقة، ويجعلها جريدة للجميع، أي خبرة يمتلكها هذا الرجل في الاعلام؟ من أين له إمكانية قيادة هذه الجمهرة العاملة من أدباء وأعلاميين كبار في الصحيفة.
أسئلة ظلت تتوالى في خاطري، حتى شاءت المصادفة أن أعمل تحت إدارته في المدى، يوم انبثق عددها الأول في منتصف آب من عام 2003، لأكتشف طاقة أعلامية وثقافية لا تبارى، يمارس خبرته في الصحافة والإعلام ممزوجة بإدارة صارمة لاتمنح للخطأ سبيلا بالمرور، قدرة على اكتشاف المواهب، وقدرة أفضل في أسلوب توظيفها من أجل مصلحة الصحيفة.
كان بأستمرار، يعدنا بمفاجآت في العمل، فكانت باكورة هذه المفاجآت هو نشر الصحيفة قوائم من استفادوا مما عرف (فضائح برنامج النفط مقابل الغذاء) الذي أعتمده النظام السابق خلال فترة الحصار القاسي على شعبنا.. وهو يورد اسماء متورطين، سواء على صعيد الاشخاص او على صعيد المنظمات الدولية، مما اثار علامات استفهام كبيرة، ليس على صعيد نزاهة الموظفين الدوليين فحسب، وانما على صعيد الأبتزاز والسرقات الكبيرة التي مورست ضد شعبنا تحت مظلة الأمم المتحدة، حيث لاقت هذه المفاجاة صدى واسعا في العالم، فقدمت أسماء كثيرة للمحاكمة في بلدانها..
وكان هناك الكثير من هذا السبق، ويكفي أن أشير الى أن جريدة المدى وبتوجيه منه، حركت الشارع العراقي بأحتجاجات، دعت الى توفير الخدمات الضرورية للناس ومحاربة الفساد..
فما كان سابقا مجرد تخمينات وضروب من التوقع، عن هذا الرجل، اصبح الأن حقيقة ناصعة لنا نحن الذين خضنا مع (فخري كريم) عملية بناء (المدى) الجريدة، ثم ملحقات المؤسسة الأخرى. فنحن أمام رجل إعلام يعرف ما يريد، ويعرف ما يفعل.
لكني تلمست بشكل واضح وقريب ميزة قلما تجدها عند إعلامي آخر، وهي مواقفه الأنسانية المتدفقة، والتي تتعارض مع الصرامة التي يتعامل بها، فكم من حاجات ألمت بمن يعمل معه، كان هو من يلبي أمر تنفيذ مطلوبها، وكم من مشكلة صادفت زملاءه العاملين معه،وجدت حلها معه.
فكام من الطبيعي أن تمنحه قمة الإعلام العربي في دورتها الـ24، والتي ينظمها نادي دبي للصحافة، جائزة "شخصية العام" لـ"فخري كريم"، الذي يرأس مجلس إدارة مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، وذلك تقديرا لمسيرته الطويلة وإسهاماته في إثراء المشهد الإعلامي العربي.
فقاعة التكريم في دبي وجدت أن تشّرف جائزتها، بأعلامي نذر حياته وجهده في سبيل رفعة هذه المهنة، التي مارسها في ظروف ملتبسة، ليٌسهم في إعلاء شأن الاعلام في بلده وفي العالم العربي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram