TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحرب الإيرانية الإسرائيلية: الجذور، التطورات، والآفاق المستقبلية

الحرب الإيرانية الإسرائيلية: الجذور، التطورات، والآفاق المستقبلية

نشر في: 8 يوليو, 2025: 12:17 ص

ليلي روز تاردوت

ترجمة: عدوية الهلالي

في 13/حزيران، شنت إسرائيل ضربات على أهداف متعددة في إيران، مما أثار تصعيدًا عنيفًا غير مسبوق بين البلدين. وبينما اتسمت العلاقات بين تل أبيب وطهران بالعداء العلني لما يقرب من نصف قرن، فقد بلغت التوترات ذروتها منذ أحداث 7 تشرين الأول 2023، وما تلاها من صراع بين إسرائيل والميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة - حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله، المعروفين أيضًا باسم الحوثيين، في اليمن. فما الدوافع المختلفة التي دفعت تل أبيب إلى شن هجومها على طهران،وما دور الجهات الخارجية الفاعلة والمسارات المستقبلية التي قد يتخذها الصراع؟...
منذ الضربة الأولى التي شنتها إسرائيل كجزء مما تسميه عملية "الأسد الصاعد"، تم إرسال مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على التوالي من قبل كل جانب فضربت إسرائيل عدة أهداف في أجزاء متعددة من إيران. بينما ركزت قوات الدفاع الإسرائيلية رسميًا على البنى التحتية العسكرية والنووية - وخاصة تلك الموجودة في نطنز وفوردو حيث توجد منشآت تخصيب اليورانيوم - فقد ضربت أيضًا مستودعات نفط رئيسية بالقرب من العاصمة وعلى الساحل الجنوبي الغربي4. وتعرضت طهران نفسها لأكثر من خمسين ضربة، وكانت وزارة الدفاع ومقر إذاعة جمهورية إيران الإسلامية من بين الأهداف مع سقوط العديد من الضحايا. .
ومن المهم استكشاف المنطق الإسرائيلي وراء هذه الهجمات إذ تُصنّفها تل أبيب كإجراء وقائي لحماية وجودها من التهديد الذي تُمثله إيران وبرنامجها النووي. وقد ذكر تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب إلى مستوى قريب من مستوى الأسلحة لصنع تسع قنابل نووية. ومع ذلك، من المهم النظر في سياق اتخاذ قرار إطلاق عملية "الأسد الصاعد". فقد جرت محادثات مباشرة منذ 12 نيسان في مسقط بين الولايات المتحدة وإيران، بوساطة عُمانية، بهدف إيجاد حل للقضية النووية يطال الطرفين. ورغم الخلافات، لا سيما حول رغبة إيران في مواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم، إلا أن المفاوضات كانت تُحرز تقدمًا مطردًا. لذا، يُمكن تفسير تصرفات إسرائيل على أنها محاولة لإفساد صفقة محتملة بين شريكها الدولي الرئيسي وعدوها التاريخي.
وبالنظر إلى إسرائيل نفسها، يُمكن القول أيضًا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شنّ هذه الضربات لإنقاذ مسيرته السياسية. وهو يواجه بالفعل ضغوطًا متزايدة بشأن الحرب في غزة. فعلى الصعيد الداخلي، هدد حزبان متشددان - شاس و"يهدوت هتوراه" - بالانسحاب من ائتلافه الحاكم بسبب التوترات المحيطة بقانون التجنيد العسكري الذي من شأنه إلغاء إعفاء الشباب المتشددين من الخدمة العسكرية. وتسمح حالة الطوارئ لنتنياهو بالبقاء في السلطة وتأجيل الانتخابات التي قد تهدد منصبه. كما يُمكن حشده بصفته "رئيس الوزراء الذي أطاح بالنظام الإيراني"، أو على الأقل لقد اتخذ إجراءً ضده، لحماية نفسه من تهم الفساد التي يواجهها، بالإضافة إلى لجنة يُرجّح تشكيلها مستقبلاً للتحقيق في مسؤولية المسؤولين الإسرائيليين عن أحداث السابع من تشرين الاول. خارجياً، بلغت الانتقادات الدولية للوضع في غزة ذروتها، مع تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة حول الدولة الفلسطينية، الذي كان من المقرر أن يبدأ في 17 حزيران، منذ ذلك الحين.
لقد أعرب المجتمع الدولي عموماً عن قلقه إزاء هذا التصعيد فعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعًا طارئًا ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى "أقصى درجات ضبط النفس" لتجنب "الانزلاق إلى صراع أعمق"، وهو موقفٌ شاركته فيه مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس. وأعربت روسيا والصين، وكلاهما عضوان دائمان في مجلس الأمن مقربان من إيران، عن قلقهما إزاء التصعيد الحاد في التوترات. في غضون ذلك، أقرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا "بحق إسرائيل في الدفاع عن وجودها"، في إشارة إلى التهديد المُتصوَّر للبرنامج النووي الإيراني. من ناحية أخرى، أدانت العديد من دول الشرق الأوسط هجوم إسرائيل، واصفةً إياه بأنه "انتهاك للقانون الدولي". وذهبت المملكة العربية السعودية، المنافس الرئيسي لإيران في المنطقة، إلى حد إدانة "الهجمات الإسرائيلية الشنيعة على جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة".ورغم قوة هذه التصريحات في الخطاب، إلا أنها بالكاد تُترجم إلى واقع عملي: فلم تُقدِّم أي دولة دعمًا ماديًا كبيرًا لإيران.
تحتل الولايات المتحدة موقعًا محوريًا في هذا الصراع. فبينما أكدت عدم تورطها في الضربات، وذلك أساسًا لتجنب استهداف إيران أو أحد وكلائها للمنشآت العسكرية في المنطقة،كانت واشنطن على علم بالخطط الإسرائيلية لشن هجوم، وأعلنت أنها لن تعارضه، مع إصرارها على عدم اغتيال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.وهناك ثلاثة مسارات كان يمكن للولايات المتحدة اتباعها. أولًا، كان يمكنها لعب دور الوسيط بين الطرفين، مع أن التصريح الأخير للرئيس ترامب بأنه لا يسعى إلى وقف إطلاق النار، بل إلى "نهاية حقيقية" للصراع (أي البرنامج النووي الإيراني)، يجعل ذلك موضع تساؤل. أما الخيار الثاني، فهو الانخراط بشكل أكبر في الحرب من خلال دعم العمليات الإسرائيلية بشكل نشط لتدمير محطات تخصيب الوقود النووي الإيرانية المدفونة على عمق حوالي 80 مترًا تحت الأرض.ولكن كان سيؤدي هذا التدخل إلى مستوى جديد من التصعيد، وقد يُقنع إيران باستهداف مواقع وأفراد أمريكيين أيضًا. أما الخيار الثالث، فهو استغلال الوضع لدفع إيران إلى قبول صفقة تُناسب مصالح واشنطن بشكل أفضل.
ولم تكن إيران في أضعف حالاتها منذ عقود. فقد تأثر اقتصادها بشدة بنظام العقوبات، مما أثار تساؤلات حول مصداقية اقتصاد الحرب. والأهم من ذلك، تفتقر إيران إلى الدعم الخارجي. فمع سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، فقدت طهران بالفعل أهم حليف لها في المنطقة. في غضون ذلك، لم يشن حزب الله، الذي أصيب بعجز كبير عقب صراعه مع إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، والذي أسفر عن مقتل زعيمه حسن نصر الله وعدد من كبار القادة الآخرين، أي ضربات ضد إسرائيل. وكما سبق أن أشرنا، أبدت روسيا والصين قلقهما إزاء الوضع، ولكن من غير المرجح أن يقدم أي منهما دعمًا فعالًا لإيران38. وبالتالي، تقف طهران وحيدة، حيث تتقلص ترسانتها يومًا بعد يوم مع إطلاق المزيد من الصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل. علاوة على ذلك، شنّ جيش الدفاع الإسرائيلي ضربات ضد قواعد جوية، ويُزعم أنه دمر ثلث منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية39. وأخيرا، ومع مقتل اثنين من قادة الحرس الثوري الإيراني في أقل من أسبوع، فمن الجدير أن نتساءل إلى متى يمكن للنظام أن يستمر في استبدال قياداته العسكرية بشخصيات ذات خبرة وموثوقة.
وقبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. كان من المرجح أن تواصل إسرائيل عملياتها لأن الهدف النهائي لنتنياهو هو الإطاحة بالنظام الإيراني. وقد يحدث هذا بوفاة آية الله خامنئي، مما سيترك فراغًا كبيرًا في السلطة في قيادة البلاد. وإذا حدث هذا، فلا يوجد دليل على أن خلافته ستكون أكثر قبولًا لدى إسرائيل والغرب على نطاق أوسع. كما كان يمكن إسقاط النظام من الداخل فهناك استياء واسع النطاق بين الشعب الإيراني إزاء الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. ومع ذلك، لا تزال حركات المعارضة تتعافى من حملة القمع التي شنتها عام 2022، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على التوحد وكسب الدعم الكافي للإطاحة بخامنئي. وهناك عامل آخر لا ينبغي إغفاله، وهو أنه على الرغم من استياء جزء من الشعب من النظام، فإن هذا لا يعني بالضرورة موافقتهم على تصرفات إسرائيل. فالوضع الحالي قد يُولّد حالة من "الالتفاف حول الراية" التي من شأنها أن تعزز الشعور الوطني والوحدة، كما حدث خلال حرب 1980 - 1988 مع العراق. وهناك احتمال أخير يتمثل في انقلاب يقوده فصيل داخل هيكل السلطة الإيرانية، على الرغم من عدم تحديد أي عناصر كشخصيات قيادية محتملة لمثل هذا المسعى.من ناحية أخرى، قد تبدو إيران ضعيفة، لكن لا ينبغي الاستهانة بها أيضًا، إذ كان من الممكن ان تكون مواجهة البلدين من أطول الصراعات واخطرها في المنطقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram