محمد علي الحيدري
في خضم المناخ السياسي المحتدم الذي يسبق الانتخابات المحلية في نيويورك، أثارت تصريحات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بحق المرشح الديمقراطي المسلم زهران ممداني موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية. الهجوم، الذي شمل وصف ممداني بـ"الشيوعي المتطرّف" وتلميحات بإمكانية ترحيله في حال فاز بمنصبه، تجاوز حدّ الخطاب الانتخابي التقليدي ليُعيد طرح أسئلة حسّاسة حول حدود الخطاب السياسي، واستعمال الهوية كأداة في المعارك الانتخابية.
الرئيس ترامب، المعروف بصراحته الحادة وخطابه الشعبوي، لم يُخفِ معارضته لممداني، الذي يمثّل جناحًا يساريًا داخل الحزب الديمقراطي ويدعو إلى سياسات تتعلق بعدالة الهجرة والسكن والتعليم. ما يلفت النظر في الهجوم ليس فقط نقد التوجّه السياسي، بل تضمّنه إشارات تتصل بهوية المرشح الدينية، وهو ما جعل كثيرين يرون فيه مسًّا بمبدأ المواطنة المتساوية، بينما اعتبره مؤيدو ترامب تحذيرًا مشروعًا من سياسات يعتبرونها راديكالية.
ممداني من جهته، لم يتردد في الرد، واعتبر أن ما صدر عن الرئيس محاولة لترهيب خصومه السياسيين، لا سيما أولئك الذين ينتمون إلى أقليات دينية أو إثنية، مؤكدًا أن التهديدات لن تردعه عن مواصلة حملته السياسية. لكن الموقف برمّته أثار نقاشًا أوسع من حدود المرشح ذاته، وطرح أسئلة أعمق عن العلاقة بين السلطة التنفيذية، والخطاب العام، وحدود ما يمكن أن يُقال أو يُستعمل في معركة سياسية.
فمن جهة، يرى مراقبون أن من حق الرئيس، كزعيم لحزب وكمواطن، أن يُعبر عن موقفه من أي مرشح أو سياسة يراها ضارّة، خصوصًا إذا تعلّق الأمر بمسائل أمن قومي أو شؤون الهجرة. لكن في المقابل، عندما يُطرح هذا الموقف بأسلوب يتضمن التهديد، أو يستحضر صيغًا تمسّ بهوية دينية أو انتماء ثقافي، فإن الخطاب يتحول من نقد سياسي مشروع إلى نمط تمييزي قد يُسيء إلى أسس التعددية.
ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن بعض أطراف الحزب الديمقراطي التزموا الصمت، بينما خرج آخرون، مثل حاكم نيويورك كاثي هوشول وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، للدفاع عن مبدأ حرية الترشح ورفض التهديد السياسي، دون أن يعبّروا بالضرورة عن تأييدهم لمواقف ممداني. هذا التفاوت يعكس حالة من الحذر داخل المشهد السياسي، حيث يخشى البعض من الانجرار إلى صراع هويات على حساب القضايا الواقعية التي تمس حياة الناس.
وبعيدًا عن الأشخاص، فإن هذه الواقعة تُسلّط الضوء على هشاشة التوازن بين حرية التعبير من جهة، والمسؤولية السياسية من جهة أخرى. فالرئيس، بحكم منصبه، لا يتحدث كمواطن عادي، بل كصاحب قرار تنفيذي، ما يجعل لكل تصريح يصدر عنه أثرًا مضاعفًا على الأمن العام، وسلوك مؤسسات الدولة، وحتى المزاج الاجتماعي.
وفي هذا السياق، أشار بعض المدافعين عن الحقوق المدنية إلى ارتفاع ملحوظ في الخطاب المعادي للمسلمين على المنصات الرقمية عقب تصريحات ترامب، ما يعكس سرعة انتقال أثر الخطاب السياسي إلى المجال الاجتماعي. وهذا بدوره يطرح تحديًا على الديمقراطية الأميركية: كيف يمكن الحفاظ على حرية التعبير السياسي دون تحويل الهوية الدينية أو العرقية إلى عبء على من يشارك في الحياة العامة؟
في المحصلة، ما جرى بين الرئيس ترامب والمرشح ممداني ليس مجرد سجال انتخابي، بل اختبار لمدى نضج الديمقراطية الأميركية وقدرتها على الفصل بين الصراع السياسي المشروع، وبين الاستهداف الذي قد يُفسَّر على أنه تمييزي أو إقصائي.
ولا يتعلق الأمر هنا بالدفاع عن شخص أو توجه، بل بتأكيد مبدأ: أن النقد السياسي، مهما كان قاسيًا، يجب أن يظل في حدود البرامج والأفكار، لا أن يُوجّه ضد أصل الإنسان أو دينه.
ففي نهاية المطاف، الديمقراطية لا تقاس فقط بالانتخابات، بل أيضًا بطريقة إدارة الخلاف.










