ترجمة: عدوية الهلالي
يستمتع الكاتب فيليب كلوديل الحائز على جائزة غونكور، بتقديم ترامب وماسك وبوتين في رواية ديستوبية هزلية عن تجاوزات قوة عظمى تخرج عن السيطرة..
يتسال الكاتب: ماذا يفعل الخيال عندما يحطم الواقع جميع الخطوط الحمراء للخيال؟ فمن الواضح أنه منذ وصول الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة دونالد ترامب، لا يمر يوم دون شعور مزعج بأن أمريكا قد سلّمت مفاتيحها له وكأنها واقعة تحت تأثير المخدرات، مما يقود العالم إلى حافة الفوضى.إنه وضعٌ مُثير للقلق بما يكفي دون الحاجة إلى تجاوز الحدود. ومع ذلك، هذا هو بالضبط الخيار الذي اختاره فيليب كلوديل في روايته الأخيرة، "مطلوب"، التي صدرت في مطلع حزيران عن دار ستوك. إنها رواية ديستوبية رائعة بروح دعابة سوداء تتناول تجاوزات أمريكا الاستبدادية في مواجهة ديمقراطيات لامبالية ومُشوّشة.
بعد ستة أشهر من إعادة انتخابه للبيت الأبيض، عقد ترامب مؤتمرًا صحفيًا في المكتب البيضاوي، محاطًا بإيلون ماسك، الحاضر دائمًا. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا دون حل، يُعلن ماسك عن إعلان مهم أمام حشد من الصحفيين المذهولين، إذ عرضت شركة التكنولوجيا العملاقة مليار دولار لمن يغتال فلاديمير بوتين فيثير العرض دهشة عالمية. قد يُقرّ مجلس الأمن الدولي كل قرار ممكن، وقد ينزعج وزراء الخارجية، لكن لا شيء ولا أحد سيتمكن من إيقاف هذه الآلية الجهنمية من الانطلاق.يقول الكاتب:" لست متأكدًا من أن البشرية ستكون أفضل حالًا بفضلها."..
العودة إلى الغرب المتوحش
من خلال هذه الحكاية الغريبة تمامًا، التي تتناول ثنائي ترامب وماسك العازم على تخليص الكوكب من الرئيس الروسي، تمامًا كما كان الحال في أيام الغرب المتوحش القديمة، ينقل فيليب كلوديل فكرة أن العالم يتجه نحو تراجع كبير. خطوةٌ مُرعبةٌ إلى الوراء، تُشير، بحجة الكفاءة وحدها، إلى انتصار الوحشية والمال على حساب الأسس المشتركة لديمقراطياتنا. بدءًا من سيادة القانون والقواعد الأساسية للدبلوماسية، لصالح المصالح الخاصة ورغبة القلة في السلطة.
يقول الكاتب:" نحن نشهد اليوم عودة المفترسين السياسيين عديمي الضمير إلى الساحة، الذين يخرقون جميع القواعد ويؤكدون نفوذهم من خلال أفعال وحشية تُذهل خصومهم. ولكن، من ناحية أخرى، تستفيد هذه الشخصيات من دعم آلة أباطرة التكنولوجيا الجبارة، فقد قرروا إقصاء النخب القديمة".
انه مستقبلٌ وصفه كلوديل بأنه بزوغ عالم جديد مُكرّس لشراهة القوى غير المُنظّمة. وهكذا، يتخيل أوكرانيا بعد الحرب "أرضًا تهافت عليها عمالقة البناء، ومُورّدو الطاقة، ومقاولو الطرق السريعة، ومُستخرجو الخامات، وعمالقة التجزئة، وسلاسل مطاعم الوجبات السريعة، ومتاجر التخفيضات الرخيصة، ومتاجر العلامات التجارية الفاخرة. كان لا بد من إعادة بناء الكثير، واستغلال كل شيء".
عجز الديمقراطيات
ولكن ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للقلق في هذا السيناريو الكارثي متعلقا بالجهات الغائبة عن المشهد - الديمقراطيات التقليدية في أوروبا القديمة - التي تُظهر عجزها. وهذا هو حال القوى المُعاكسة (مثل المنظمات الدولية ووسائل الإعلام) التي تجمدت تمامًا بفعل تجاوزات ثنائي ترامب-ماسك. هذا هو السؤال المحوري للكتاب. كيف يُمكن للديمقراطيات أن تُقاوم وتُنقذ ما تبقى من العالم الحر في حين أن الدبلوماسية قد استُبدلت تمامًا بالترهيب والوحشية؟ استراتيجية، للأسف، قيد التنفيذ، وقد طرحها ترامب مؤخرًا عندما سأله مراسل وول ستريت جورنال عن رد فعله تجاه تدخل عسكري محتمل في تايوان. فأجاب الرئيس الأمريكي دون تردد: "لن أضطر لفعل ذلك لأن شي جين بينغ يحترمني ويعرف أنني... مجنون".
ولا يسعنا إلا أن نشارك فيليب كلوديل قلقه عندما يكتب، محقًا، أنه من الآن فصاعدًا، "ستُؤخذ جميع تصريحات ترامب على محمل الجد، حتى أكثرها جنونًا، لأننا كنا نعلم أن الرجل لم يكتفِ بالقول: بل كان في معظم الأحيان يفعلها أيضًا، على عكس العديد من نظرائه".في الرواية نقدٌ مُبطّن لعقود من العجز السياسي المسؤول جزئيًا عن وضع يُذكّرنا المؤلف بأنه قد يخرج عن السيطرة في أي لحظة إذا وقفنا مكتوفي الأيدي.
يرى الكاتب انه منذ نهاية القرن العشرين، شهدنا تآكل السلطة السياسية في الدول الديمقراطية لصالح السلطة الاقتصادية التي تسيطر عليها قلة من كبار رموز الرأسمالية. ورغم أن المظاهر قد لا تزال قائمة، إلا أن آليات العمل قد تغيرت بعض الشيء. وفي غضون بضعة عقود، سمحت هذه الظاهرة لمن منحتهم الرأسمالية قوى خارقة بالتأثير ليس فقط على سياسات بلدانهم الأصلية، بل على سياسات العالم بأسره. وقد فعلوا ذلك في البداية بحرص على التكتم، دون تدخل علني، بل من خلال ابتزاز خفي، وضغط على أعلى المستويات، وحركة رأس المال أو مواقع الإنتاج، والتلاعب بالعمال كما لو كانوا بيادق، واهتموا بالأرباح المالية أكثر من الخسائر البشرية."
رواية "مطلوب" لفيليب كلوديل: عندما يُجنّ أسياد العالم!

نشر في: 9 يوليو, 2025: 12:03 ص









