 متابعة / المدى

تشهد العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تصعيدًا غير مسبوق بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من أوروبا والمكسيك، بدءًا من الأول من آب/أغسطس المقبل، ما دفع قادة أوروبيين إلى التحذير من تداعيات هذه الإجراءات، والدعوة إلى الرد بالمثل.
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن الاتحاد الأوروبي لا يزال يفضّل التوصل إلى تسوية ودية، لكنه مستعد لاتخاذ إجراءات مضادة لحماية مصالحه. وأضافت أن «فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على صادراتنا سيؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد عبر الأطلسي، وسيلحق الضرر بالشركات والمستهلكين وحتى المرضى على جانبي المحيط».
وأكدت فون دير لاين أن المفوضية أحيطت علماً برسالة ترامب الأخيرة بشأن الرسوم، وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي سيقر رسومًا خاصة على الواردات الأميركية إذا لم تظهر واشنطن رغبة جدية بالتفاوض.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعرب بدوره عن «استياء شديد» من القرار الأميركي، داعيًا المفوضية الأوروبية إلى تسريع التحضير لإجراءات مضادة ذات مصداقية، ومؤكداً وجوب «التحرك الحازم لحماية المصالح الاقتصادية الأوروبية».
أما وزيرة الاقتصاد الألمانية كاتارينا رايشه، فدعت إلى «مفاوضات عملية وسريعة» مع واشنطن قبل موعد دخول القرار حيز التنفيذ، محذرة من أن الرسوم المقترحة لن تؤثر على المصدرين الأوروبيين فحسب، بل ستطال الاقتصاد الأميركي أيضًا.

ترامب تحت الضغط
في المقابل، يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقادات داخلية ودولية بعد تمديد المهلة التي منحها لحلفاء وشركاء تجاريين، وبينهم الاتحاد الأوروبي، مرتين منذ نيسان/أبريل، لتطبيق الرسوم الجمركية الجديدة، وهو ما عزز ما بات يعرف إعلامياً بـ«نظرية تاكو»، التي تشير إلى تراجع ترامب المتكرر عن مواقفه تحت ضغط الأسواق.
ورغم محاولاته إظهار الحزم، عبر إرسال عشرات الرسائل الرسمية هذا الأسبوع إلى حكومات الدول المعنية، إلا أن مراقبين يرون أن ترامب «لم يحقق أي صفقات كبرى»، باستثناء اتفاقين جزئيين، ويكافح لإثبات نفسه كصانع صفقات كما وعد. وقالت الباحثة في السياسة التجارية إينو ماناك إن الرسائل الأخيرة «تهدف إلى التأكيد على جدية ترامب، وصرف الأنظار عن فشل الاتفاقات»، مضيفة أن توقيت التهديدات الجمركية الجديدة يتزامن مع اقتراب موعد المهلة، ما يزيد الضغط ويقلص فرص التفاوض الهادئ. في السياق نفسه، أعلن ترامب فرض رسوم جديدة بنسبة 50% على واردات النحاس، فيما كشف وزير التجارة الأميركي أن تحقيقات تجارية حول أشباه الموصلات والأدوية ستنتهي نهاية الشهر، ما قد يمهد لمزيد من الإجراءات.

حسابات انتخابية
يرى محللون أن قرارات ترامب تنبع من رغبته بإظهار القوة في ملف التجارة الخارجية، ضمن حملة إعادة انتخابه، لكنه يواجه معضلة مزدوجة؛ إذ قد تؤدي الرسوم إلى رفع معدلات التضخم، كما أن فشل تحقيق صفقات خلال المهلة قد يعزز الانتقادات الموجهة لسياسته الاقتصادية. ويحذر المستشار وليام راينش من أن «غياب الاتفاقات سيقوّض الثقة بخيارات ترامب»، مشيراً إلى أن الرسوم تُحمّل الشركات الأميركية تكلفة مباشرة رغم ادعاءات الرئيس بأن الدول الأخرى هي من تدفع الثمن.
في المقابل، ترى الخبيرة إميلي بنسون أن «الناخب الأميركي العادي لا يهتم كثيراً بالسياسات التجارية»، إلا أن تنفيذ الرسوم بالفعل قد يغير هذه المعادلة، لا سيما إذا انعكس سلباً على أسعار المستهلكين.

سيناريوهات محتملة
حتى الآن، لم تظهر أي إشارات رسمية من واشنطن على التراجع، فيما يواصل الأوروبيون الضغط من أجل تجنب «حرب تجارية شاملة». ويبدو أن الأسبوعين المقبلين سيكونان حاسمين في تحديد ما إذا كانت الأزمة ستنتهي بتسوية تفاوضية، أم ستتفاقم إلى مواجهة اقتصادية مفتوحة بين اثنين من أكبر التكتلات التجارية في العالم.