TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دور ترامب ونتنياهو -الجيوبولتيكي- في الحرب الاسرائيلية – الايرانية

دور ترامب ونتنياهو -الجيوبولتيكي- في الحرب الاسرائيلية – الايرانية

نشر في: 14 يوليو, 2025: 12:03 ص

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

عقب توقف حرب ال12 يوما الاسرائيلية - الايرانية لابد للقارئ الحصيف لمجرياتها أن يترقب حصول تغيرات جيوبولتيكية خطيرة على الصعد الاقليمية والدولية . لعلها ابرزها تمثل في الدور الترامبي (الشخصي –الجيوبولتيكي) :
اولا : الدور الترامبي في تشكل وبلورة ما يمكن أن يعرف بمذهب ترامب للعلاقات السياسية الدولية القائم على صياغة دور جديد للاستراتيجية الامريكية ينطلق ليس فقط من المصالح الوطنية للولايات المتحدة الامريكية ولكن من الظاهرة الجيوبولتيكية الترامبية لجعل (امريكا عظمى مهيمنة على مقدرات النظام العالمي). دور ينبع من شخصانية وتفرد بصياغة السياسة الخارجية - السياسة الاقتصادية والدبلوماسية الامريكية وفقا لرغائب الرئيس الامريكي . دور لم يكن جديد كليا على ما سارت عليه الولايات المتحدة الامريكية في حقب متعددة من دهرها ولكنه حاليا يبدو للباحثين مختلف نسبيا عن الرؤية الواقعية في كيفية سعي الولايات المتحدة تلبية مصالحها الستراتيجية الاساسية (الجوهرية) حتى على حساب اقرب حلفائها (الاتحاد الاوروبي - كندا - اليابان - كوريا الجنوبية وعدد لايستهان به من دول امريكا الجنوبية على رأسها البرازيل والارجتين بنسب متفاوتة من تقارب او تباعد العلاقات الثنائية). إن شخصية ترامب في دورتيها الاولى والثانية عقب إدارة جون بايدن ليس من اليسير تحليلها او معرفة ما الذي يحركها . البعض يرجعها لأفكار ترامب اجملها في كتابه المعنون فن الصفقة The Art of the Dealحيث تابع ترامب حسابات الربح والخسارة في كل صفقة ود عقدها مبتدأ بالرقم العالي للقيمة المتوقع او الطامح لتحقيقها والرقم الحقيقي للقيمة التي ينتظرها صاحب الصفقة. مثلا عندما تحدث عن جعل غزة ريفيرا الشرق الاوسط مماثلة للريفيرا الفرنسية كنموذج مربح للولايات المتحدة إذا ما اسهمت الشركات الامريكية في ظل حماية أمنية امريكية قوية في استثمار موارد الغاز الطبيعي قبالة ساحل غزة بل وفي وغيرها من مناطق تملك موارد طبيعية حيوية غير المستغلة ـ اقول سرعان ما تراجع عن مثل هذا العرض عقب رفض كل من مصر والمملكة الاردنية الهاشمية مثل هذا العرض المغري . علما بإن دولا اخرى ربما سارعت في تقديم اراضيها ومواردها الطبيعية للبيع مثل اوكرانيا التي عقدت مع الولايات المتحدة الامريكية اتفاقا نوعيا يسمح بإستفادة متبادلة كبرى للموارد الطبيعية . في الحالة العربية - الشرق اوسطية عد العرض غير مقبول على الاطلاق خاصة وأن الامر يتعلق بإنتهاك صريح للسيادة الفلسطينية ويعد في السياق جريمة أبادة بإعتبار سياستي التهجير والتطهير العرقي المخالفة لكل الاعراف وللقانونين الدولي والانساني معا .
برغم ذلك من المتوقع أن يبقى العرض على طاولة مفاوضات مستقبلية لظرف استثنائي ليس من الصعب تصوره وفقا لمسار الاحداث الراهنة ما لم تتغير موازين القوة الاقليمية والدولية . إن تدخل ترامب بالازمة الشرق اوسطية بشكل مباشر دون مراعاة لخطورة انقلاب النظام الدولي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والذي أسسته الولايات المتحدة وهنا المفارقة ، إذ قد وصل في عهد ترامب لمداه كنتيجة للتدخل الامريكي العسكري - الامني والاقتصادي في شؤون الدول ومنها مثلا ما جرى مؤخرا في الحرب الاسرائيلية - الايرانية حيث عمل ترامب على دعم واسع النطاق للحليفة المدللة اسرائيل تماما كإدارة بايدن السابقة وفي ذلك عدد من الجوانب : اولا- عقب قيام اسرائيل بضربة مفاجئة عسكرية وامنية - استخبارية قاسية جدا لايران توقف مسار التفاوض الذي كان معدا له ان يعقد في مسقط - عمان قبل يوم واحد (جولة المباحثات السادسة مع الوفد الامريكي). الاعتداء الاسرائيلي لم يكن بعيدا عن تأييد امريكي ضمني وربما مكشوف انطلق عقب انتهاء مدة ال60 يوميا التي حددها ترامب لقبول ايران إتفاقا نهائيا من جانب منفرد أي من طرف امريكي مهيمن فارض لعقوبات مشددة . لعل السبب توقع الرئيس الامريكي عدم تراجع ايران عن فكرة تخصيب اليورانيوم كليا . ما اعقبها ثانيا : معروف لنا جميعا انتهى بوقف اطلاق نار نتيجة ضربة امريكية كبرى من قاصفات الB2 التي حملت عشرات الاطنان من المتفجرات ، عملية عسكرية دقيقة جرت وفقا لحسابات أستراتيجية تضمنت استخدام قنابل ذات قابلية إختراق ذكية لإعماق لاتستطيع أحدث التقنيات الاسرائيلية القيام بها تعرف ب bunker buster bombs أحدثت تدميرا واسعا لإجهزة الطرد المركزي والمفاعلات النووية في نتانز والاكثر اهمية فوردو المحصنة بجبال شاهقة .
من هنا، ووفقا لاحدث تقارير البنتاغون (وزارة الدفاع الامريكية) فإن هذه الضربات الدقيقة أخرت تفعيل البرنامج النووي الايراني لعامين على الاقل . اما منشأة اصفهان النووية فقد دمرت بقذائف التوماهوك المنطلقة من الغواصات البحرية الامريكية . ضمن السياق الراهن لازالت التقديرات الاخرى تشير إلا أنه وبرغم تعطيل البرنامج النووي الايراني مؤقتا إلا انه لن ينتهي كليا طالما بقيت كميات كافية من المخصب النووي لعمل قنبلة نووية بعيدة عن ان تلحق بها الضربات الاسرائيلية والامريكية وفقا لتقديرات استخبارية - عسكرية متنوعة. ربما هذا الامر يجعل من المتوقع أن تستمر الحرب الاسرائيلية - الايرانية لفترة لاحقة قريبة خاصة في حالة شعور اسرائيل سواءا في ظل حكم نتنياهو أومن يخلفه أن الخطر النووي الايراني لازال ماثلا بعيدا عن الهيمنة الاسرائيلية - الامريكية المطلقة التي تود ابقاء دولة واحدة فقط مالكة للقنابل النووية (80 إلى 200 رأس نووي) اي اسرائيل لاغيرها.
السؤال الجيوبولتيكي الذي بإنتظار الأجابة : هل ستشعر دول الشرق الاوسط والخليج العربي بإرتياح لوضع كهذا تصوري أن الامر ليس مقبولا بل وقد يشكل خطرا جديا على البيئة الدولية والاقليمية ايضا التي ترنو لإحداث شرق اوسط جديد خال من السلاح النووي - محيط اعضاؤه ملتزمون بإتفاقية منع انتشار السلاح النووي المهدد للامن والسلم الدولي هذا عدا عن مخاطره الانسانية و للبيئة في العالم . إذ طالما بقيت النشاطات النووية للاغراض السلمية والاقتصادية ليس في الامر خطورة ولكن بمجرد أن تضحى دولة واحدة بعيدة عن الانضمام لعضوية الطاقة النووية الدولية بل ولم تعلن امتلاكها للقدرة النووية (اسرائيل) وأخرى اي ايران قد تنسحب كليا وربما قد تجدد برنامجها النووي بطرق أخرى - حاليا مجمدة عضويتها - لن تكون منطقتنا في مأمن من مخاطر التلوث البيئي او من خطر نووي بإشكال وصور مختلفة ما قد يستدعي في المقابل مسارات نووية شرق اوسطية متبادلة غير متيقن من نتائجها .
ثانيا : الدور الترامبي والبعد الجيوبولتيكي للحروب : قد يفضل ترامب مثاليا في ظل تسيد إعلام مضمونه تغريدات - قد تتغير في اليوم الواحد عدة مرات - أن يتجه مسار المنطقة لإنهاء كليا للحروب بضمنها الحرب الروسية - الاوكرانية والشرق اوسطية (حرب غزة منذ السابع من اوكتوبر 2023) أملا في الحصول على جائزة نوبل للسلام . ولكن واقع الحال لازال يشير إلى أن الحربين الذين وعد بإنهائها لم تتوقف - على الاقل حتى كتابة المقال- . ينطلق ترامب في نهجه من ضرورة تدعيم بل وتعظيم موارد بلاده الاقتصادية والمالية . مسار نال اولوية تعزيز مسيرة التطبيع الكلي (اتفاقات ابراهيم) بين اسرائيل وكافة دول المنطقة بخاصة مع المملكة العربية السعودية التي ترفض حتى الان السير بمثل هذا المخطط الذي لايقر ابدا حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة خاصة وأن اسرائيل تستمر بنهج القتل الجماعي الممنهج (استراتيجية الابادة والتطهير) في غزة . مسألة خطيرة كهذه لازالت تجري بشكل مواز لإتساع دائرة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية بعيدا عن كل الاتقافات والقرارات الدولية التي تمنع التغير الديموغرافي في الاراضي المحتلة. إن استخدام الفيتو الامريكي في مجلس الامن ضد سياسة اسرائيل المستهجنة عالميا لايسمح بوصول حرب غزة للنهاية التي يفترض ان تصل اليها حماية للشعب الفلسطيني من الابادة التي وصلت لحدود خارقة للبعد الانساني .إن عدم التوصل لإنتهاء كلي لحرب غزة يعقد الامور بشكل واضح جدا فاتحا الابواب لعنف متصاعد متبادل بين اسرائيل من جهة ومن قبل دول المنطقة اوشعوبها (احزاب وجماعات) التي وإن لم تشكل بعد رادعا استراتيجيا لإسرائيل إلا انها تشعر بمخاطر جدية على أمنها يجعلها تستعد او تهيئ نفسها لمرحلة مقبلة من تحالفات اقليمية ودولية أخرى ولكن ليس بعيدا جدا عن أهمية الدور الامريكي والاوروبي في حماية أمنها وسيادتها من مخاطر التوسع الصهيوني .
أما ايران واسرائيل في اعتقادي المتواضع وكما وضح ترامب أن الطرفين بحق (ايران واسرائيل) قد انهكتهما حرب ال12 يوما . بالتبعية لا اتصور (قد اكون مخطئا) أن ترامب سيسعى لاستمرار دعم مشاريع نتنياهو غير المرتبطة بمصلحة الولايات المتحدة الاولى في تأمين حالة من الاستقرار والامن الاقليمي سعيا وراء الحصول على اكبر نسب الاستثمارات الامريكية خاصة من دول المنطقة الخليجية تعزيزا للاقتصاد الامريكي الذي يمر بمرحلة انتقالية تعاني من عدد من الانتكاسات المالية للشركات الامريكية ولقطاعي الصناعة والزراعة كنتيجة للازمة المالية التي بدأت بوادر فشلها في تطبيق نظام التعرفة على مختلف دول العالم بالصورة التي توقعها ترامب . إذ إن تصاعد نسب ضرائب التعرفة على الدول التي تعاني معها واشنطن عجزا ماليا كبيرا مثل الصين إتخذت اجراءات مماثلة خلافا للثورة الاقتصادية التي بشر بها. اذنتت سياسته الاقتصادية هذه قد بدت وكإنها تسبب تضرر لكل الاطراف أي انها .No Win- Win Policy : .
*اخيرا : ما هي استراتيجية ايران واسرائيل النووية وتداعياتها ؟ هل ستبقى ايران سلمية التوجهات النووية كما تصرح بإستمرار أم انها ستتغير متجهة لإمتلاك السلاح النووي ؟ لا نستطيع القطع طالما تبقى اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية معارضة لظاهرة التخصيب النووي ولا حتى بنسبة الاتفاق السابق 3.67‌% بين ايران والقوى الست - وقع في يوليو 2015- إتفاق تخلى عنه مع أنه لايمكن ايران من صنع قنبلة نووية.
إن اي حرب مجددة في المنطقة بسبب رغبة نتنياهو الجامحة في دور اسرائيلي مبني على القوة العسكرية وعلى الانتهاك الفاضح للقانونين الدولي والانساني في تغير وجه الشرق الاوسط تنم عن توسع صهيوني من النيل إلى الفرات ولكنها طموحات عدوانية لن تصل لمداها المتوقع طالما تم تفعيل مواقف جدية عربية - اسلامية ودولية رادعة استراتيجيا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram